من الواضح أن هناك حراكاً إقليمياً كبيراً على وقع الحدث الأوكراني من جهة، وعلى وقع إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن قريباً من جهة ثانية، ويُدرك الجميع أن المشهد المقبل للمنطقة مرتبط بشكل كبير بنتائج هذين الحدثين، وما يمكن أن يؤديا إليه من تغيير لخرائط النفوذ والأدوار، لا على مستوى الإقليم فحسب، بل على المستوى العالمي.
ومن الواضح الآنّ أن هناك تحالفاً متردّداً حتى الآن في الإعلان عن نفسه بشكل صريح، وخاصةً بعد المصالحات الإماراتية التركية، والتركية “الإسرائيلية”، والتركية المصرية، وهذا التحالف الخطير الذي لم يتبلور بعد، ينتظر نتائج الحرب الأوكرانية، ومدى قدرة روسيا على حسمها، ومدى قدرة الولايات المتحدة على استنزافها في حرب مديدة، على شاكلة حروبها الاستنزافية في سوريا والعراق وأفغانستان والسودان وليبيا، وغيرها من الدول.
وعلى الرغم من انتماء دول هذا التحالف إلى المشروع الأميركي، فإنها تتحفّظ على ذلك، وتتريّث، حتى تتبيّن موازين القوى الجديدة، حتى لا تُغضب الأطراف الدوليين قبل انجلاء نتائج الحرب، ولكن يمكنها أن تتهيّأ استباقياً للمرحلة المقبلة، للتموضع الجديد ككتلة كبيرة في مواجهة كتلة ممتدة من حدود أفغانستان إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب، مع مضيقي باب المندب وهرمز.
وتتميّز دول هذا الحلف الجديد بعلاقتها المميّزة مع كل أطراف الصراع الدولي (روسيا والصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي)، وهذا يسهّل لها تموضعها المستقبلي إن بقيت الولايات المتحدة على سُدة النظام الدولي، أو خسرت ذلك وتمّ الذهاب نحو الاعتراف بنظام متعدّد الأقطاب، إضافة إلى أن الإمارات تمتلك علاقات جيدة مع إيران، ما يتيح لها هامشاً أكبر للاختيار، ولا ينقص هذا التحالف سوى السعودية، التي تنتظر حلاً لتورّطها في اليمن.
وأهم ما تملكه دول التحالف الجديد هو سلاح الغاز في شرق المتوسط، سواء كان تعطيلياً لإمكانية استخراجه من مكامنه في سوريا ولبنان، الممنوعين من ذلك حتى الآن، أو محاولات نقله من شواطئ فلسطين المحتلة إلى أوروبا، وبالتالي إدخاله في مواجهة الغاز الروسي، وهذا ما لمّح إليه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد تصريحه “بأننا قد نشهد تعاوناً في مجال الطاقة بين تركيا وإسرائيل قريباً”.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية سوريا لهذا التحالف عبر “إنهاء الحرب فيها، والإسراع في عودتها إلى الإطار العربي، والعودة لتسلّم دمشق زمام الأمور، بخروج قوى حرس الثورة منها، فذلك أقل ضرراً”، وفق ما عبّرت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت “الإسرائيلية”، بعد أن سرَّبت ما نقله وليّ العهد محمد بن زايد لولي العهد محمد بن سلمان في الرياض، بعد الاجتماع الثلاثي في شرم الشيخ.
تتميّز دول هذا الحلف الجديد بعلاقتها المميّزة مع كل أطراف الصراع الدولي وهذا يسهّل لها تموضعها المستقبلي إن بقيت الولايات المتحدة على سُدة النظام الدولي، أو خسرت ذلك وتمّ الذهاب نحو الاعتراف بنظام متعدّد الأقطاب، إضافة إلى أن الإمارات تمتلك علاقات جيدة مع إيران، ما يتيح لها هامشاً أكبر للاختيار، ولا ينقص هذا التحالف سوى السعودية
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل استُتبع بلقاء العقبة الخماسي، بحضور كل من الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، إضافة إلى الحضور السعودي الجزئي المخفف، ممثلاً بوزير الدولة تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز، وهو اجتماع غابت عنه “إسرائيل”، لكنه يأتي استكمالاً لاجتماع قمة شرم الشيخ التي حضرته، وغايته توفير المظلة العربية الإقليمية المحيطة بسوريا، والقريبة والفاعلة فيها، لأجل توفير الظروف السياسية والإعلامية لعودة سوريا إلى الإطار العربي.
وبالرغم من خطورة هذا التحالف السباعيّ، الذي اجتمع في شرم الشيخ والعقبة، والذي يسعى إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة، ولم تحضره تركيا بعد، برغم زيارة الرئيس “الإسرائيلي” هرتسوغ لأنقرة، فإن روسيا وإيران تدفعان بهذا الاتجاه، وكل منهما من منطلقات مختلفة؛ فروسيا عملت مبكراً لعودة سوريا إلى الإطار العربي، ونسجت علاقات جيدة مع السعودية والإمارات، وعملت لإقناع السعودية بإلغاء ممانعتها للعودة السورية، وضرورة تهدئة المنطقة، بالذهاب نحو تهدئة شاملة لكل الأطراف، وإيجاد شكل من أشكال التسوية التي تتيح فكّ الحصار عن سوريا، وتتحول فيها موسكو إلى مرجعية دولية للمنطقة كلها.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى طهران، التي تعمل على تغيير البيئة الإقليمية للمنطقة بشكل كامل، والذهاب نحو تعاون إقليمي كامل، بما في ذلك تبنّي دول الخليج للتعاون في ما بينها على أمنه وخروج كل القوات الأجنبية منه.
عودة دمشق من هذا المنظور توفر فرصة جيدة لتعزيز الحوار الذي يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية، بالرغم من تناقضها الوجودي مع “إسرائيل”، وهي تعي جيداً مخاطر ما يحاك من تآمر ضدها وضد سوريا واليمن والعراق ولبنان وفلسطين واليمن، ومع ذلك فإنها على اطّلاع على ما يجري في اجتماع العقبة، بوجود مصطفى الكاظمي الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع كل الأطراف المتناقضين، ولا سيما الولايات المتحدة وإيران.
وعلى الرغم ممّا يحمله اجتماع العقبة من مخاطر شديدة على مستقبل سوريا المُنهكة بالحرب والإدارة، وخاصةً مع دخول العامل “الإسرائيلي” المباشر عبر الدول العربية، فإن دمشق التي تحتاج إلى انفراج سريع في اقتصادها، تدرك أنها لا يمكن لها أن تتخلى عن صمام أمانها في طهران والضاحية، ومن هنا كان استقبالها لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، لتأكيد عمق علاقاتها، وقدرتها على التوازن في العلاقات مع كل الأطراف، بما يصبّ في مصلحتها.
(*) بالتزامن مع “الميادين“