بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في العام 1979، أعلن آية الله الإمام الخميني أن دولته لن تكون “لا شرقية ولا غربية”. كان الخميني ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها “الشيطان الأكبر”، وكذلك كان يرى في القوى الشيوعية (الاتحاد السوفييتي سابقاً) “مصدر خطر لا يقل عن خطر أميركا”.
من خلال رفض الشراكة مع قوى النظام العالمي، أرادت الجمهورية الإسلامية أن تظهر أنها لن تكون دولة عادية تسعى إلى تعظيم مزاياها عن طريق التحالفات. كان النظام الجديد يعتبر نفسه مُكلفاً بقيادة الجماهير “المقهورة” في العالم نحو الحرية والعدالة. فبعد طرد الجيش العراقي من أراضيها، في العام 1982، أصبحت حرب الجمهورية الإسلامية ضد العراق “حركة تحرر” تهدف إلى تحرير المسلمين على طول الحدود الممتدة حتى البحر الأبيض المتوسط (…). وتحت شعار “مناهضة الأميركيين أينما تواجدوا”، دعمت طهران حركات ومنظمات إسلامية ويسارية وعلمانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
لكن طهران سُرعان ما اكتشفت أن الإنعزال عن المجتمع الدولي ليس استراتيجية فعَّالة. وأن حماستها لـ”تصدير الثورة” وضعها على خلاف مع معظم دول العالم، وخصوصاً مع جيرانها، لا سيما وأن الحرب الإيرانية – العراقية كانت سبباً رئيساً في تأجيج النعرات الطائفية والمذهبية في الشرق الأوسط. صحيح أن إيران استطاعت أن تبيع نفطها لكنها لم تصبح أبداً مقصداً للتجارة العالمية. وبحلول وقت وفاته، في عام 1989، لم يكن الخميني قد حقق أياً من أهدافه الخارجية.
رحلة البحث عن حلفاء
كان من المُحتم على خلفاء الخميني صيانة ثورتهم. وبمجرد توليه منصب المرشد الأعلى الجديد للبلاد، بدأت إيران آية الله علي خامنئي في التواصل مع الخارج. حافظت على شعار العداء “المطلق” لأميركا، وقلَّصت التزامها بـ”تصدير الثورة”، وخفَّفت من حدَّة انتقاداتها لـ”الغرب”، وبدأت تبحث عن تحالفات وسط القوى العظمى.
كان الوقت الذي اختارته إيران لتبدأ فيه البحث عن “شركاء” غير مناسب؛ مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة: أميركا في أوج قوتها ولا أحد ينازعها نفوذها. الإستثمارات الأوروبية؛ بما في صفقات النفط، شابتها تحديات كثيرة. حتى الصين وروسيا، البلدان الأكثر حرصاً على تنمية العلاقات الاقتصادية وغير الاقتصادية مع إيران، كانتا حذرتين جداً من إستعداء الولايات المتحدة في ذروة قوتها (…). كان لا بد أن تكافح كثيراً.
ولكن كل ذلك تغير على مدى السنوات الـ 15 الماضية. فمع تراجع قوة واشنطن وتقلص نفوذها، قرّرت بكين وموسكو أنهما قادرتان على تحدي النظام الدولي الليبرالي. وقد عرضتا على طهران دعماً اقتصادياً وعسكرياً واسعاً، واستقبلتا المسؤولين الإيرانيين بشكل روتيني. وبرغم أن تلك المساعدات كانت “مشروطة”، استطاعت إيران أن تستفيد منها بشكل كبير. فالصين ساعدتها في تخطي العقوبات الأميركية وسهَّلت لها إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، وبالتالي لم تعد تخشى الانهيار الاقتصادي. كذلك ساعدتها روسيا في تحديث عتاد جيشها. وعلى الصعيد الدبلوماسي، أصبحت بكين وموسكو وطهران في محور واحد، مما أنهى فعلياً عزلة الجمهورية الإسلامية وجعلها تشعر بأنها أكثر قوة وأماناً من أي وقت مضى.
انفتاح إيران على المجتمع الدولي بدأ في التسعينيات الماضية، في ظلّ إدارة الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني. كانت التحديات كبيرة جداً وليس أقلها إنشاء نظام اقتصادي متماسك وبنية تحتية حديثة، ووضع سياسات ضريبية، وغيرها من المتطلبات الأساسية لضمان تنمية اقتصادية مُستدامة في مجتمع تشكل فيه الشبكات العائلية والدينية و”الحرس الثوري” القوة الاقتصادية الحاسمة. بالإضافة طبعاً إلى محاربة الفساد الذي أوجدته الفوضى ما بعد الثورة.
قبل حلول الألفية الثالثة، وجدت إيران أكثر من فرصة في الخارج. فالصين بدأت في شراء كميات كبيرة جداً من النفط الإيراني لسد احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. وروسيا، التي كانت تعاني من ضائقة اقتصادية شديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، طوَّرت علاقات تجارية مُربحة من خلال بيع الأسلحة إلى طهران (…).
روسيا معتادة على وجود دول مسلحة نووياً على أطرافها.. والصين ترى في القنبلة الإيرانية “فرصة” للتعجّيل بخروج أميركا من الشرق الأوسط
ومع ذلك، لم تحصل إيران على شراكة جادَّة مع أي من الدولتين. فالصين، التي تركز بشكل أساسي على تنمية اقتصادها، كانت بحاجة للوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا الأميركية. وبالتالي لم يكن من مصلحتها عقد تحالف مع خصم واشنطن الرئيسي. كذلك كان الرئيس الروسي بوريس يلتسين، وبعده خليفته فلاديمير بوتين، يركزان على كيفية دمج روسيا في الاقتصاد العالمي، وبالتالي كانت مصلحة بلدهما تتطلب تعزيز الحوار والعلاقات التجارية مع واشنطن. وهكذا لم يتمكن خامنئي من تحقيق رغبته في بناء تحالف “أوراسي” ضد واشنطن.
“النووي” نقطة تحول مفصلية
اهتمام إيران بالأسلحة النووية بدأ في ثمانينات القرن الماضي، أثناء حربها مع العراق. استغل خامنئي ورفسنجاني فترة عزلة البلاد، في أوائل التسعينيات، لزيادة هذا الاهتمام وتعزيز الأبحاث المطلوبة من أجل تحقيق الهدف. كما أن الرجلين باركا تجارة الأسلحة غير المشروعة مع كوريا الشمالية (في مذكراته، التي نُشرت عام 2014، يروي رفسنجاني كيف أفلتت السفن الإيرانية التي تحمل “مواد حساسة” من كوريا الشمالية في عام 1992 من المراقبة البحرية الأميركية).
المرة الأولى التي تم فيها الكشف عن امتلاك إيران برنامجاً نووياً كانت في العام 2002. وفي حين فرض مجلس الأمن عقوبات على طهران، كان رد الإتحاد الأوروبي دبلوماسياً، وكذلك الولايات المتحدة التي كانت منشغلة بالحرب في أفغانستان والتحضير لغزو العراق (…).
لكن الوضع تغير لاحقاً، لا سيما خلال الفترة ما بين نهاية العام 2003 والعام 2005، وهي الفترة التي وصفها الرئيس حسن روحاني في مذكراته (وكان حينها كبير المفاوضين النوويين) بأنها كانت “سنوات من القلق غير العادي”. وبحسب روحاني “لم يكن أحد يتوقع أن نظام صدام حسين سينهار خلال ثلاثة أسابيع من الحرب.. لقد أخبرنا قادتنا العسكريون أن الأمر سيستغرق من أميركا ما لا يقل عن ستة أشهر إلى عام لهزيمة صدام حسين”. وفي خطاب ألقاه عام 2005 أمام مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني وموظفي مجلس الأمن القومي، وصف روحاني الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بـ”الحبشي المخمور” (وتعني بالفارسية “راعي البقر المجنون”). كانت أميركا من وجهة نظر نظام طهران “العملاق الغاضب” الذي يطارد الشرق الأوسط. لذلك اختارت الردود الحذرة وتجنبت مواجهة واشنطن في العراق.
دعم روسيا عسكرياً في حربها ضد أوكرانيا وضع إيران في حرب غير مباشرة مع “الناتو”.. والاتفاقيات المبرمة منحت بكين نفوذاً كبيراً على الاقتصاد الإيراني
شكّل برنامج إيران النووي نقطة تحول مفصلية. وبسببه فرضت الولايات المتحدة حزمة من العقوبات القاسية أفقدت طهران قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية والتجارة بالعملة الصعبة. ولتخفيف الضغط الأميركي، كان لا بد من طلب الدعم الصيني والروسي.
في البداية، لم تقدم أي من القوتين العظميين الكثير. ففي عام 2003، زار روحاني كلاً من بكين وموسكو طلباً للمساعدة، لكنه قوبل بالرفض. يومها قال له وزير الخارجية الصيني آنذاك، لي تشاو شينغ: “لا تتوقعوا أننا سوف نقف ضدهم” (في إشارة إلى واشنطن وحلفائها). وفي موسكو، كان بوتين أكثر مباشرة، إذا قال لروحاني: “لن نقف ضد العالم نيابة عنكم. نحن جيران، لكننا لن نُعرّض مصالحنا الوطنية للخطر”. خلال فترة الولاية الثانية للرئيس جورج بوش الإبن والولاية الأولى للرئيس باراك أوباما، استخدمت واشنطن يدها العليا لإقناع الصين بتخفيض مشترياتها من النفط الإيراني وإقناع روسيا بتقييد مبيعاتها من الأسلحة إلى طهران.
أخوة بالدم
طوال العقد الأول من الألفية الثالثة، ظلَّت إيران ترزح في عزلة. ولكن مع بداية عام 2010 بدأت أحداث دولية تصب لمصلحتها. شهد العراق تمرداً استنزف قوة الإرادة الأميركية في الشرق الأوسط. بعد ذلك ساعدت المشاعر المتنامية المناهضة للحرب في أميركا أوباما في الفوز بالرئاسة. وفي سعيه إلى تأسيس بداية جديدة مع العالم الإسلامي، ومن منطلق قناعته الشخصية بأن المشاكل المزمنة يمكن التغلب عليها، افتتح أوباما دبلوماسيته مع خامنئي بالقبول بالمكاسب النووية التي حقّقتها إيران.
الاتفاق النووي، الذي تم التوصل إليه في عام 2015، منح إيران الضوء الأخضر لتخصيب اليورانيوم محلياً، كما نصَّ على أنه بعد 15 عاماً سيكون نظام الجمهورية الإسلامية حراً في تطوير التخصيب على نطاق صناعي. الإتفاق النووي ملأ خزائن إيران وأضفى الشرعية على طموحاتها النووية بعد أن كان اقتصادها يترنح. فالموقعون على الاتفاق افترضوا أنه إذا كانت إيران حرة في التجارة فإن ذلك سيجعلها أقل تهديداً وأقل إيديولوجية (…).
بالإضافة إلى سياسات أوباما المشجعة، استغلت طهران انتفاضات “الربيع العربي” التي عمّت بلداناً عدّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في عام 2011، لتوسيع نطاق نفوذها (…). وصار يُقال إنها “صانعة الملوك في العراق”. وإن نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق ما كان ليصمد لولا الحرس الثوري الإيراني، وما كان حزب الله ليسيطر في لبنان، ولا استطاعت جماعة الحوثيين مواجهة القوات المدعومة من السعودية والإمارات في اليمن.
كل تلك الانتصارات الإقليمية لم تخفف من ضائقة إيران الاقتصادية. لكن يبدو أن الإنفراجة باتت قاب قوسين أو أدنى. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أسّست الصين مجال نفوذها الخاص. وكان الحصول على امتياز الوصول إلى موارد الجنوب العالمي على رأس أولوياتها، فجعلت من إيران، ببصمتها الكبيرة في الشرق الأوسط، جزءاً مهماً من خطتها. وفي عام 2021، وقعت الصين والجمهورية الإسلامية اتفاقية مدتها 25 عاماً تسمح للصينيين باختراق جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني تقريباً. وتخطط بكين للاستثمار في البنية التحتية والاتصالات في إيران، ووعدت بالمساعدة في تطوير قطاع الطاقة والصناعة النووية المدنية المفترضة في الجمهورية الإسلامية.
بالنسبة إلى طهران، فإن هذه الصفقات تُحقّق بالفعل فوائد اقتصادية وأمنية ملموسة. فهي تبيع 359 ألف برميل من النفط سنوياً للصين، مما ساعد كثيراً في نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما أن الجمهورية الإسلامية عضو في منظمة “شنغهاي”، وتلقت في آب/أغسطس الماضي دعوة للانضمام إلى مجموعة “البريكس”. أضف إلى ذلك أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وخلال لقائه بنظيره الإيراني (إبراهيم رئيسي) في شباط/فبراير الماضي، أكد أن بلاده “تدعم إيران في حماية سيادتها الوطنية، وتدعم جهودها في مواجهة الضغوط والعقوبات الدولية”، وهذا يعني أن كل الجهود التي بذلتها الإدارات الأميركية المتعاقبة من أجل إرغام طهران على التنازل عن برنامجها النووي باءت بالفشل.
روسيا أيضاً ساعدت طهران. في الأشهر العشرة الأولى من العام 2022، ارتفعت الصادرات الروسية إلى إيران بنسبة 27%. ووقع البلدان مذكرة تفاهم تُلزم موسكو باستثمار 40 مليار دولار في مشاريع الغاز الإيرانية. في المقابل، وقفت طهران بشكل واضح وثابت إلى جانب موسكو في حربها ضد أوكرانيا وباعتها كميات كبيرة من الطائرات الحربية المُسيَّرة. وفي الوقت نفسه، فتحت موسكو ترسانتها من الأسلحة، وزوَّدت إيران بأنظمة دفاع جوي، ومروحيات حربية، وقريباً ستمدها بطائرات حديثة متطورة (“سوخوي سو-35”).
النصف الفارغ من الكأس
بالنسبة لطهران، فإن وجود شركاء جُدد أقوياء ليس أخباراً جيدة بالمطلق. فمع أي رعاية من قوى عُظمى هناك قيود والتزامات. كان على الجمهورية الإسلامية أن تقدم تنازلات لا تستسيغها بالتأكيد.
فمثلاً، الاتفاقيات المبرمة تمنح بكين نفوذاً كبيراً على الاقتصاد الإيراني (…). وقد بدأت الصين بالفعل في استخدام تلك النفوذ. فهي تريد الاستقرار في منطقة الخليج الغنية بالنفط، خاصة بعد توسع استثماراتها الاقتصادية في السعودية (…). ومن هنا يمكن فهم كيف نجحت الصين في التقريب بين الإيرانيين والسعوديين، ودفعهم إلى إستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهم في آذار/مارس الماضي بعد طول انقطاع، وكيف ساهم ذلك في خفض حدّة التوتر في المنطقة بشكل عام.
لقد أظهرت الصين مهارات دبلوماسية استثنائية، وجعلت من نفسها قوة في الشرق الأوسط. كما ساعدت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ايجاد مخرج من مأزق اليمن. والأهم من ذلك، منحته الأمل في أن إيران؛ بترسانتها الواسعة والمتنامية من الصواريخ والطائرات الحربية المُسيَّرة؛ لن تهاجم المشاريع الضخمة التي تقوم عليها خطته التنموية لرؤية السعودية 2030، والتي يعتمد عليها مستقبل حكمه (…).
روسيا معتادة على وجود دول مسلحة نووياً على أطرافها.. والصين ترى في القنبلة الإيرانية “فرصة” للتعجّيل بخروج أميركا من الشرق الأوسط
بدورها، فرضت روسيا عبئاً أكبر على إيران. فرغم كل شيء هي لم تكن لترغب في تحويل أوروبا إلى عدو لدود كما فعلت مع أميركا. أما وقد قبلت بدعم روسيا عسكرياً في حربها ضد أوكرانيا فقد باتت في حرب غير مباشرة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو). فالروس يستخدمون طائراتها الحربية المسيَّرة وذخائرها في قتل الأوكرانيين، وهذا يجعل من الصعب حتى على أكثر المدافعين الأوروبيين عن إيران تبرير التعامل مع النظام الروسي. أضف إلى ذلك أن الدعم الذي تقدمه لروسيا يستنزف مخزوناتها العسكرية في حرب ليس لها في نهاية المطاف تأثير كبير على مصالحها الأساسية (…).
الفوائد تفوق الأضرار
ومع ذلك، تبقى الأضرار والمشاكل التي قد تواجهها إيران بسبب وجود “رعاة” دوليين لها غير محسوبة مقارنة بما تجنيه من فوائد ومزايا، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ببرنامجها النووي. ولطالما طمأن قادة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أنفسهم بفكرة مفادها أنه مهما كبرت خلافاتهم مع الصين وروسيا، فإن أيا من البلدين لا يريد أن تمتلك إيران قنبلة نووية. لكن هذا ربما لم يعد صحيحاً اليوم. فعلى النقيض من أميركا عاشت روسيا لعقود من الزمن مع وجود دول مسلحة نووياً على أطرافها. وقد يكون بوتين مرتاحاً تماماً لوجود دولة أخرى في هذا المزيج. وفي الواقع، ليس من الصعب أن نتصور قيام روسيا بتقاسم التكنولوجيات والخبرات النووية مع إيران. إن عبور إيران العتبة النووية سيشجع أطرافاً عديدة على السخرية من التعهدات التي قطعها الديموقراطيون والجمهوريون على حد سواء، بأن واشنطن لن تسمح لها بوجود إيران نووية. وبالتالي فإن بوتين سيستفيد من مساعدة حليفه الإيراني لأجل إذلال الولايات المتحدة والحط من مكانتها في الشرق الأوسط.
ومن الممكن أيضاً أن يُظهِر الرئيس الصيني ترحيباً مماثلاً بإيران النووية، فهو لا يهتم كثيراً بالاتفاقيات الدولية، وبالتالي لن يزعجه المزيد من الانتشار النووي (…). أضف إلى ذلك أن القنبلة الإيرانية من شأنها أن تعجّل بخروج أميركا من الشرق الأوسط، وهذا يصب في مصلحة بكين كما العواقب العالمية المترتبة على إيران النووية تصب في مصلحة سياسة الصين في تايوان.
“الإبتهاج بالنصر” يسود الجمهورية الإسلامية اليوم بعد النجاة من العقوبات والاحتجاجات الداخلية واستقرار الاقتصاد
السؤال هو ماذا بعد أن تصبح إيران مسلحة نووياً؟ من المرجح بطبيعة الحال أن تتغير علاقاتها مع حلفائها من القوى العظمى. هل تبقى تتصرف كـ”شريك صغير” أم تصبح أكثر جرأة؟ هل تعاود مهاجمة المنشآت النفطية في الخليج؟ هل ستتقاسم تكنولوجيا الصواريخ الجديدة مع الجماعات المسلحة المتحالفة معها؟ بطبيعة الحال، كل هذه الافتراضات لم تشجع الصين ولا روسيا على إعادة النظر في نهجهما في التعامل مع الجمهورية الإسلامية.
“الإبتهاج بالنصر”
عندما يتعلق الأمر بإيران، يجب أن يكون الرئيس الأميركي جو بايدن غير راضٍ عن الموقف الذي يجد نفسه فيه. لقد تولى منصبه غافلاً عن الكيفية التي أدَّت بها شراكات طهران المزدهرة والمشهد الجيوسياسي الأوسع إلى إنهاء عصر الحد من التسلح. في البداية، تحدث بايدن عن إبرام اتفاق “أطول وأقوى” مع طهران قبل أن يكتفي بإجراء “محادثات غير مباشرة” متقطعة. لقد حاول إغراء النظام الإيراني عن طريق تقديم تنازلات تجارية وتجاهل أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الأنشطة غير المرغوب فيها للنظام، مثلما فعل أوباما في عام 2015 للحصول على اتفاق 2015 النووي. لذا، لا ينبغي لبايدن أن يتفاجأ بما حققته طهران من زيادة أجهزتها النووية ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم.. إلخ.
إن “الإبتهاج بالنصر” هو المزاج السائد اليوم في الجمهورية الإسلامية اليوم، مقارنة بما كان عليه قبل عام واحد فقط: نجت البلاد من العقوبات والاحتجاجات الداخلية. ونجحت في تثبيت استقرار اقتصادها وبدأت في تجديد دفاعاتها بفضل المساعدات التي تتلقاها من حلفائها من القوى العظمى. والقنبلة النووية باتت في متناول اليد. وعندما يقرر المرشد الأعلى تجاوز العتبة النووية، فليس هناك من سبب للاعتقاد بأن إسرائيل أو أميركا تستطيعان إيقافه ولو بالقوة.
عندها سيكون خامنئي قد حقق ما لم يستطع الخميني فعله. وسيكون قد حافظ على شعار الثورة “أميركا العدو الأكبر”. وسيكون أيضاً قد حوَّل الشرق الأوسط إلى منطقة تكون فيها إيران هي القوة المهيمنة، بعد 44 عاماً من المحاولة.
– ترجمة بتصرف عن “فورين أفيرز“.
(*) رويل مارك غيرشت، باحث مقيم في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وضابط سابق في الـ”سي. أي. إيه”. راي تقية، عضو في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية.