“فورين بوليسي”: أزمة أوكرانيا.. تُسرّع البدائل الطاقوية

نشرت مجلة "فورين بوليسى" مقالة بتاريخ 18 أبريل/نيسان للكاتبين جاسون بوردوف وميجان سوليفان تناولا فيها التحديات التى كشفتها الأزمة الأوكرانية فى مجال الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وحقيقة أن هذا الانتقال لا يمكن أن يتم بدون استخدام الطاقة الهيدروكربونية.

“ارتفعت أسعار البنزين فى الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية، إلا أن بعض التحسن حدث مع إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن تحرير مخزون النفط الاستراتيجى فى الولايات المتحدة. انخفاض أسعار النفط يعنى انخفاض سعر البرميل لأقل من 4 دولارات، على الرغم من أن استمرار عرقلة الإمداد الروسى من النفط يعنى أن هذا التحسن لن يدوم طويلا.
عُدّ إعلان بايدن من بين الأسباب الرئيسية لانخفاض أسعار النفط، وتلاه تحرير أصغر، ولكنه لا يزال كبيرا، من الدول الأوروبية. اعترف بايدن عند تفسيره لهذه الخطوة بحقيقة مرة، ألا وهى الحاجة إلى مزيد من الوقود الأحفورى فى هذا الوقت لتلبية احتياجات العالم من الطاقة. واعترف بايدن بحقيقة مرة أخرى، وهى أن العالم يحتاج إلى التحرك بسرعة أكبر نحو مستقبل من الطاقة النظيفة.
هاتان الحقيقتان هما الطريقة الوحيدة للتعامل بنجاح مع الأزمة الحالية مع روسيا وضمان طاقة نظيفة فى المستقبل. سيتطلب تحقيق هذين الهدفين تشكيل تحالف يعمل على رأب الصدع الموجود فى النقاشات الحالية حول الطاقة ويجمع بين علماء المناخ والبيئة والمسئولين عن الأمن القومى وصناعة النفط الغاز لتلبية احتياجات النفط اليوم وتقليل الطلب والاعتماد عليه غدا.
قد يبدو الحديث عن تحالف بين هؤلاء متفائلا بشكل غير واقعى، إلا أن مثل هذا التحالف حدث من قبل؛ ففى أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ايلول 2001 والغزو الأمريكى للعراق (2003)، تواصل مسئولو الأمن القومى مع النشطاء فى مجال البيئة لحث الكونجرس على خفض استخدام النفط بمقدار النصف بحلول عام 2025، لأن واردات النفط شكلت مخاطر بيئية وأمنية. بعد 20 عاما، هذا التحالف فقد زخمه مع الطفرة التى حدثت فى اكتشاف البترول الصخرى الأمريكى، وبالكاد يمكن تذكره، ولم يتغير الطلب على النفط فى الولايات المتحدة.
إلا أن إعادة إحياء التحالف من الممكن أن يحدث فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا لأسباب تتعلق بالأمن القومى. فمن ناحية، كشف الغزو كيف أن الحاجة الملحة والفورية إلى سد الاحتياجات من الطاقة قيدت القدرة على الضغط على نظام فلاديمير بوتين، وهو ما أوضحه المستشار الألماني أولاف شولتس قائلا: إن فرض حظر على النفط الروسى «سيعنى دفع بلادنا وأوروبا بأسرها إلى الركود». ومن ناحية أخرى، أظهرت الأزمة كيف أن الفشل الجماعى لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفورى ترك العالم عرضة للابتزاز الجيوسياسى.
ظهرت نقطتان بشكل واضح بعد ستة أسابيع فقط من غزو أوكرانيا: يجب على الولايات المتحدة التغلب على التحديات التى تواجه الاحتياجات الفورية والملحة من الطاقة، وفى الوقت نفسه، أن تعمل على جعل المستقبل أخضر.
كل نقطة تواجه معارضة؛ يعارض العديد من حماة البيئة والديمقراطيين فى الكونجرس زيادة الاستثمار فى أى نوع من إنتاج الوقود الأحفورى أو بنيته التحتية. فى نفس الوقت، العاملون فى صناعة الوقود الأحفورى والجمهوريون فى الكونجرس عارضوا الإنفاق أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسريع الانتقال للطاقة النظيفة.
حان الوقت الآن لحل مثل هذه الاختلافات ومعرفة ما تحتاجه أمريكا حقا، ما تحتاجه من صفقة تلبى احتياجات الطاقة اليوم وتضمن سياسات مناخية أفضل فى المستقبل.

تطوير البنية التحتية للنفط والغاز سيكون ضرورة لتعزيز الإمدادات على المدى القريب والمتوسط. لا تزال هناك أيضا حاجة إلى قيام المؤسسات المالية بالاستثمار فى بعض مشاريع الهيدروكربون خلال فترة انتقالية لن تحدث بين عشية وضحاها

***

على النشطاء فى مجال البيئة الاعتراف بضرورة الاستثمارات قصيرة الأجل فى نظام الطاقة الموجود اليوم لضمان إمدادات طاقة ميسورة التكلفة وآمنة وموثوقة فى مواجهة العدوان الروسى. إن الفشل فى القيام بمثل هذه الاستثمارات سيشكل تهديدا لعملية الانتقال للطاقة النظيفة، وستزيد من التحديات والتكلفة على الطبقات الأفقر والأضعف.
يتضح من احتجاجات «السترات الصفراء» فى فرنسا واحتجاجات سائقى الشاحنات الأخيرة فى أيرلندا على ارتفاع أسعار الوقود أن الناس يكافحون لدفع فواتير تدفئة منازلهم أو قيادة سياراتهم، وأن الضرورة السياسية تتمثل فى التخفيض الفورى للتكاليف، وسيتضاءل بعد ذلك دعم السياسات المناخية التى من الممكن أن تكون طموحة ولكنها باهظة التكلفة.
تقوم الحكومات استجابة لفواتير الطاقة المرتفعة فى جميع أنحاء أوروبا اليوم بخفض ضرائب الوقود ودعم تكاليف الطاقة، وهو بالضبط عكس ما ينبغى فعله لتشجيع التحول إلى مصادر بديلة للطاقة. قد تؤدى أسعار الطاقة المرتفعة إلى تشجيع التحول، لكنها أكثر إيلاما من السياسات الحكومية مثل ضرائب الوقود والتى تولد أيضا إيرادات حكومية يمكن استخدامها لتخفيف الأثر، لا سيما للأسر ذات الدخل المنخفض.
تطوير البنية التحتية للنفط والغاز سيكون ضرورة لتعزيز الإمدادات على المدى القريب والمتوسط. لا تزال هناك أيضا حاجة إلى قيام المؤسسات المالية بالاستثمار فى بعض مشاريع الهيدروكربون خلال فترة انتقالية لن تحدث بين عشية وضحاها.. كما يوضح أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن السماح للبنية التحتية الحالية والجديدة للوقود الأحفورى بالعمل حتى نهاية حياتهم الاقتصادية العادية لا يتوافق مع هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. وبالتالى، قد تخرج بعض البنية التحتية التى تم إنشاؤها اليوم عن العمل قبل أن يحقق المستثمرون عائداتهم المتوقعة منها إذا حقق العالم أهدافه المناخية.

إقرأ على موقع 180  حذار من "ثورة الزعيم"..

***

يعتبر النفط الصخرى والغاز مناسبين تماما لعملية الانتقال لأن انخفاض إنتاجهم يحدث بشكل كبير مع غياب الاستثمار فيهم. وبالتالى يمكن خفض إنتاج النفط الصخرى بسرعة أكبر لأن الطاقة النظيفة ستتسبب فى انخفاض استخدام النفط والغاز. لا يجب أن تقتصر الاستثمارات المطلوبة على الولايات المتحدة فقط، بل يجب أن تشمل توسيع عملية شحن الغاز المسال إلى أوروبا لتلبية احتياجاتها بشكل آمن دون العودة إلى الفحم.
تحتاج صناعة النفط والغاز أيضا فى هذه الخطة إلى المشاركة بشكل كامل فى عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة والإقرار بأن الاعتماد على مثل هذه الأنواع من الوقود على المدى المتوسط والطويل يشكل مخاطر على بيئة الولايات المتحدة واقتصادها والأمن القومى. سيشكل هذا اعترافا ويؤكد حتمية الانتقال إلى الطاقة النظيفة فى المستقبل.
تعزيز إنتاج النفط والغاز على المدى القصير يجب أن يخضع لإجراءات صارمة للالتزام بالمعايير البيئية، مثل القضاء على تسرب غاز الميثان وحرقه، والالتزام الصارم للشركات بالإجراءات التى من شأنها تقليل استخدام النفط والغاز على المدى البعيد.
السياسات القوية التى تلقى إجماعا واسعا من قبل الصناعات والحكومة ستضمن ألا تتجاوز الاستثمارات فى البنية التحتية الهيدروكربونية ما هو مطلوب لتلبية احتياجات الطاقة فى فترة الانتقال نحو الطاقة النظيفة. ستتجاوز الفوائد المناخية لهذه التدابير أضرار الانبعاثات المرتبطة بالبنية التحتية والإنتاج اللازمين لإبقاء المنازل دافئة ومضيئة.
عملية الانتقال الطاقوى ستكون مهمة، وبقدر أهميتها ستكون معقدة ومشحونة جيوسياسيا. ووجود إجماع مجتمعى يعد ضروريا لتسيير المهمة.. يوفر الغزو الروسى لأوكرانيا فرصة لتشكيل هذا الإجماع وخلق تحالف يسيطر على المستقبل بدون التخلى عن الحاضر”.

(*) بالتزامن مع “الشروق

(**) النص الكامل بالإنكليزية في “فورين بوليسي

Print Friendly, PDF & Email
إبتهال أحمد

باحثة مصرية في الشؤون الدولية

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "أوراسيا ريفيو": إخفاق دبلوماسي أمريكي كبير