قبل أن يتوجه المفاوضون إلى فيينا بأيام قليلة، فرضت الحكومة الأميركية عقوبات جديدة طالت شركات أجنبية مرتبطة بقطاع النفط والبتروكيماويات الإيراني، وبينها شركة إماراتية. لم تمض ساعات حتى أعلن الإيرانيون عن تدشين وضخ الغاز في المئات من أجهزة الطرد المركزي المؤلفة من IR1 والمتطورة IR6.
وفي اليوم التالي، عقد رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي مؤتمراً صحافياً قال فيه إن إيران باتت قادرة على إنتاج القنبلة النووية، لكن هكذا خطة غير مدرجة على جدول إعمالها. جاء كلام إسلامي بعد ساعات من إعلان أحد مستشاري السيد علي خامنئي، كمال خرازي (رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران) أن طهران تملك القدرة الفنية لصناعة قنبلة نووية “لكن لا قرار لدينا بذلك”.
في خضم هذا الإحتدام، قال وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان إن مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعد مسوّدة تتضمن مواقف الاطراف المشاركة في مفاوضات إلغاء الحظر المفروض على إيران، وطرحها تحت عنوان “اقتراح منسق الاتحاد الأوروبي” على كافة الأطراف؛ مشدداً على أن هذا الاقتراح دخل حيّز الدراسة في عواصم الدول المعنية.
قرار واشنطن وطهران بالذهاب إلى فيينا يحمل في طياته وجود عناصر مشتركة قابلة للأخذ والرد في “ورقة بوريل”. كان لافتاً للإنتباه قول رئيس الوفد الايراني المفاوض من فيينا إن الكرة الآن في ملعب واشنطن لكي تتصرف بشكل مسؤول وتثبت نضجها.
وقبيل سفر باقري كني إلى فيينا، أوردت “وول ستريت جورنال” أن ايران غضت النظر عن مطلب إخراج الحرس الثوري من قائمة المنظمات المصنفة بالإرهابية لكن سرعان ما تم تكذيب الخبر عبر وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
غير أن ذلك لا يمنع من القول إن المقترح الأوروبي الجديد يلبي الكثير من المطالب الايرانية، بإستثناء بند أو بندين في مجال العقوبات والضمانات هما موضع تحفظ من جانب طهران. تقول الأخيرة إنه في حال إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها يجب أن تبقى الشركات الأجنبية المستثمرة في ايران حتى نهاية عقودها، من أن دون أن تخضع للعقوبات الأميركية الجديدة.
يأتي هذا في وقت يتم فيه الحديث عن إستعداد ايران لاستقطاب استثمارات أوروبية بقيمة سبعين مليار دولار واستثمارات صينية بقيمة أربعين مليار دولار، وهذه الاستثمارات كان من المقرر أن تدخل الأسواق الايرانية بعد إتفاق عام 2015 إلا ان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حال دون ذلك بنقضه الإتفاق عام 2018!
مصدر إيراني: نجاح المفاوضات يتطلب تحقيق مطلبين أساسيين بالنسبة لايران؛ أولهما أن تطمئن ايران لرفع العقوبات بشكل مستدام؛ وثانيهما أن لا يوجد أي ملف يمكن أن يستخدم ضد ايران أو برنامجها النووي في المستقبل بهدف الضغط عليها. ويختم المصدر بالقول “إذا فشلت هذه المفاوضات، لن يكون هناك المزيد من المفاوضات مع الولايات المتحدة حتى إنتهاء ولاية بايدن”.
من هنا ثمة إعتقاد أن الإتفاق إذا أبرم سوف يكون وفق آلية خطوة بخطوة، فيما يُركز الأوروبيون على ثلاث نقاط: السماح لإيران ببيع النفط؛ خضوع البرنامج النووي الايراني لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ نقل اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق العشرين بالمئة من إيران إلى روسيا. وفي المقابل، تحصل ايران على أموالها المجمدة في الخارج عن طريق دولة قطر، على أن يُمهد نجاح أي خطوة بتمهيد الطريق لتنفيذ الخطوة التالية (خطوة مقابل خطوة).
ويقول مصدر ايراني مطلع إن إحياء الإتفاق النووي الآن “سوف يصب في مصلحة الإدارة الأميركية التي تستعد لخوض انتخابات نصفية في الأسابيع القليلة المقبلة”، ويشير إلى أن إدارة جو بايدن سوف تتسلح عندئذ بتحقيق النجاح في ثلاثة ملفات: دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، اغتيال زعيم تنظيم “القاعدة” في أفغانستان أيمن الظواهري ومنع ايران من تطوير برنامجها النووي.
يتابع المصدر “كان التفاؤل عنوان جولات سابقة من المفاوضات وكنا قريبين جداً من التوقيع على الإتفاق النهائي إلا أن أميركا في كل مرة كانت تتراجع عن وعودها وتعيد خلط الأوراق مجدداً ولذلك لا يمكن أن نتحدث عن إتفاق نهائي قبل وصول وزراء الخارجية إلى فيينا”.
ويشير المصدر إلى أن نجاح المفاوضات يتطلب تحقيق مطلبين أساسيين بالنسبة لايران؛ أولهما أن تطمئن ايران لرفع العقوبات بشكل مستدام؛ وثانيهما أن لا يوجد أي ملف يمكن أن يستخدم ضد ايران أو برنامجها النووي في المستقبل بهدف الضغط عليها. ويختم المصدر بالقول “إذا فشلت هذه المفاوضات، لن يكون هناك المزيد من المفاوضات مع الولايات المتحدة حتى إنتهاء ولاية بايدن”.
وقال الخبير في السياسة الخارجية کوروش احمدي، “إذا فشلت محادثات فيينا، قد تتجه إيران نحو مزيد من التخصيب والمزيد من المناورات النووية وتكتسب المزيد من القدرة على امتلاك قنبلة ذرية، وستمارس التيارات المتشددة ضغوطاً في هذا الصدد”.
يذكر ان وزير النفط الايراني جواد أوجي أرسل إشارة غاية في الأهمية للدول الأوروبية، أعلن فيها استعداد طهران للعودة إلى أسواق النفط العالمية في أسرع وقت ممكن، وقال: “نتمنى أن تدرك الدول الغربية الكبرى حساسية هذا الأمر بشكل صحيح وأن تتبنى سياسة منطقية تصب في مسار تحقيق أمن الطاقة في العالم، شتاء هذا العام سوف يكون هاماً جداً لأوروبا ولجميع دول العالم ويجب أن يفكروا به منذ اللحظة”.
عودة النفط والغاز الايراني من دون قيود وفق الظروف الايرانية، أمر لا شك بأنه يحظى بترحيب من الاوروبيين لكي لا يكون الشتاء المقبل أشد برودة، ولذلك يجب على الدول الأوروبية ان تضغط على أميركا في المفاوضات لكي تكون أكثر مرونة وتماشياً مع ايران.
بعض المصادر الايرانية تحدثت عن الخطة “ب” في ما يتعلق بتصدير النفط الايراني من دون قيد في حال فشل المفاوضات وعدم إحياء الإتفاق النووي، وهناك أحاديث عن إمكان دعم الدول الأوروبية بشكل أحادي الجانب هذا المقترح.