هوكشتاين للبنانيين: إسرائيل تنازلت لكم بحراً.. تنازلوا لها براً!

كعادتها، لم تكن صورة لبنان بأفضل حال. كان يمكن للإجتماع اللبناني مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين المعني بملف ترسيم الحدود البحرية أن يكون مختصراً وموحداً، لكن حرب داحس والغبراء بين بعبدا وعين التينة أوحت بأن إستئناف المفاوضات مع العدو الإسرائيلي يمكن أن يكون أهون من لقاء الرئاستين الأولى والثانية!

150 دقيقة أمضاها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في لبنان كان يمكن أن تكون أقل من 15 دقيقة، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، إذ بدا الضيف الأميركي كمن يبحث عن جائزة ترضية للإئتلاف الإسرائيلي بقيادة يائير لابيد، بمطالبة لبنان بما لا قدرة له على إحتماله، غير أن ذلك لا يعني أن فشل الزيارة يقود حتماً إلى الحرب، لا سيما في ضوء قرار شركة “إنرجيان باور” اليونانية بتأجيل التنقيب في حقل “كاريش”، ما يعني سحب فتيل الرد الذي كان مُنتظراً من الجانب اللبناني.

عملياً، عادت المفاوضات المكوكية بين لبنان واسرائيل عبر اموس هوكشتاين الى نقطة الصفر، وكل الاجواء الايجابية التي تم ضخها تباعاً، عشية الزيارة، تبين انها تندرج في خانة محاولة فرض امر واقع يبرر للبنان التنازل عن جزء من حدوده البرية بدوافع انقاذ إقتصاده المنهار.

ماذا في التفاصيل؟

بعدما تبلّغ هوكشتاين، سابقاً،  الموقف الرسمي اللبناني الموحد بقبول الخط 23 زائدا حقل قانا كاملاً، كان الوسيط الاميركي ـ ومن خلاله الجانب الاسرائيلي ـ يعلم بأن لبنان قدّم تنازلاً كبيراً جداً، وأباح لاسرائيل كامل حقل كاريش مع حقول تمار وتانين ولفيتان، كون الدراسة البريطانية التي انجزتها إحدى الشركات الإنكليزية في تسعينيات القرن الماضي، حدّدت جنوب الخط 29 حدودا بحرية لبنانية، بما يعني ان الحقول المذكورة هي حقول لبنانية او يكون لبنان شريكاً فيها، الا ان الدراسة وما اتبعها من دراسات تم اخفاءها عن سابق تصور وتصميم عندما تم اعتماد ما سمي بالخط 23.

“رضي القتيل ولم يرض القاتل”، اي ان لبنان قدم هذا التنازل، فجاء من يقول ان الاسرائيلي تنازل من الخط رقم 1 الى “خط (فريديريك) هوف”.. والآن الى الخط 23 مع حقل قانا غير المستكشف، فلا بد من ان يقدم الجانب اللبناني الى الوسيط الاميركي ورقة استراتيجية يستعين بها في انجاز اتفاق الترسيم سريعا.

كان هوكشتاين مهّد لهذه الورقة التي يريدها، بالحديث في الزيارة السابقة عن الاعتبارات السياسية الاسرائيلية، وعدم قدرة الحكومة الحالية برئاسة يائير لابيد على الموافقة على الطرح اللبناني من دون ان يقدم لبنان مقابلا يواجه فيه لابيد زعيم المعارضة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، كون معركة انتخابات الكنيست المقبلة ستكون شرسة جدا، وادارة الرئيس جو بايدن تفضل التعامل مع لابيد، ما يعني ادخال لبنان في لعبة انتخابات لدولة عدوة وكأنه صار داعما لائتلاف لابيد في مواجهة إئتلاف نتياهو، وهذه اخطر محاولة يُراد ايقاع لبنان فيها.

وبعدما “ضاع” هوكشتاين الذي كان قد وعد بعد زيارته في 1 اغسطس/آب بالعودة إلى بيروت خلال اسبوعين، ليتبين لاحقاً انه كان يقضي إجازته السنوية في أحد منتجعات الساحل اليوناني، وبعدما اجرى اجتماعات مع شركات نفطية لا سيما “توتال” الفرنسية هدفها تسهيل ابرام عقد لتوريد الغاز الاسرائيلي الى اوروبا بأعلى الاسعار، وليس لاقناع “توتال” ببدء الاستكشاف تمهيدا للانتاج من البلوك رقم 9 اللبناني، جاء اليوم في زيارة إستمرت ساعتين ونصف الساعة للقول إن الموافقة الاسرائيلية على الخط 23 مع حقل قانا مرتبطة بتنازل لبنان عن النقطة B1 البرية مع إسرائيل.

ما طرحه هوكشتاين هو ان اسرائيل تنازلت لكم في البحر، وعلى لبنان ان يتنازل لها في البر، كما ابلغ المسؤولين اللبنانيين ان شركة “توتال” ستكون جاهزة للبدء في التنقيب فور توقيع اتفاق الترسيم

ماذا يعني ذلك؟

اولاً؛ استحواذ اسرائيل على اهم نقطة امنية متقدمة عند رأس الناقورة تجعلها تسيطر تجسسيا على بقعة واسعة من البحر وصولا الى البر اللبناني بما يتجاوز كل قضاء صور.

ثانياً؛ بمجرد قبول لبنان بالتنازل عن هذه النقطة (B1) يعني قدرة اسرائيل القانونية على رفع دعوى امام المحاكم الدولية استنادا الى قانون البحار لتغيير كامل الخط البحري لاحقا الى ما سمي “خط هوف” وحتى الى الخط 1 شمال صيدا.

ثالثاً؛ ان تصبح النقطة B1 تحت السيادة الاسرائيلية يعني تنازل لبنان عن الحدود المُرسمة في العام 1923 (بوليه نيوكامب) بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني للحدود البرية بين لبنان وفلسطين، والمكرّسة عام 1926 وايضا في اتفاقية الهدنة عام 1949.

رابعاً؛ اي تغيير لنقطة برية ينسحب على كامل الحدود البرية وبالتالي اعادة ترسيم كامل الخط البري بما يفقد لبنان كل النقاط المتحفظ عليها بما فيها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر.

ما طرحه هوكشتاين هو ان اسرائيل تنازلت لكم في البحر، وعلى لبنان ان يتنازل لها في البر، كما ابلغ المسؤولين اللبنانيين ان شركة “توتال” ستكون جاهزة للبدء في التنقيب فور توقيع اتفاق الترسيم.

إقرأ على موقع 180  نتنياهو إلى أين يأخذ إسرائيل.. والعلاقة مع أميركا؟

بعد 22 عاما من الاحتلال الاسرائيلي للجنوب، لم تستطع اسرائيل ان تنتزع جزءاً بسيطاً من الحدود البرية. الآن تريد واشنطن ان تحقق لتل ابيب مكسباً استراتيجياً من دون طلقة نار واحدة، عبر التنازل عن النقطة B1 ما يعني تنازل لبنان عن خليج الناقورة الجنوبي الذي لن يعود للبنان، وسقوط اي حق قانوني للبنان في كل نقاط التحفظ البرية، وورقة بيد اي حكومة اسرائيلية لرفع دعوى تسقط الخط 23 وقانا لتصبح الحدود البحرية الخط رقم 1.

ما حمله هوكشتاين سيكون موضع تشاور بين الرؤساء الثلاثة، والمهم ان لا يتبرع اي احد من المحيطين بهم للدفاع عن المصالح الاسرائيلية من خلال تجميل الطرح الاميركي ـ الاسرائيلي، وبطبيعة الحال الجواب الرسمي اللبناني يُفترض ان يكون الرفض، وحينها ما أحلى الرجوع الى الناقورة بارادة المواجهة وتثبيت الحقوق استنادا الى قرار سياسي يستحوذ عليه رئيس الجمهورية وقرار استراتيجي يمسك به حزب الله، ولعل شهر سبتمر/ايلول يحمل مفاجآت هامة جدا، قد يكون أبرزها إعادة إشهار الخط 29 وإرساله إلى الأمم المتحدة قبل إنتهاء ولاية ميشال عون.

وكان هوكشتاين قد إنتقل من تل أبيب (حيث إجتمع صباحاً برئيس الوزراء يائير لابيد) إلى الناقورة، ومن هناك أقلته مروحية إلى بيروت، حيث إستقبله رئيس الجمهورية ميشال عون بحضور الوفد الأميركي المرافق وكل من الياس أبو صعب واللواء عباس إبراهيم وعدد من المستشارين عن الجانب اللبناني. وإكتفى هوكشتاين بعد اللقاء بالقول إنه متفائل بالتوصل إلى إتفاق. بعد ذلك إنتقل إلى عين التينة، حيث إستقبله رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال بعد اللقاء إن لبنان متمسك باتفاق الاطار وعازم على استثمار ثرواته في كامل المنطقة الاقتصادية الخاصة به، مشدداً على “ضرورة العودة الى الناقورة للتفاوض غير المباشر برعاية الامم المتحدة وبوساطة الولايات المتحدة، وفقا لاتفاق الاطار حتى الوصول الى النتائج المرجوة”، حسب المكتب الإعلامي لرئيس المجلس.

وإطلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الكبير على الأفكار التي يحملها الموفد الأميركي، “على أن يصار إلى التشاور بشأنها وإبلاغ هوكشتاين الجواب (اللبناني) عليها في وقت قريب”، وذلك حسب المكتب الإعلامي لميقاتي.

وفي مطار بيروت، وقبيل مغادرته لبنان، قال هوكشتاين، إنه يشعر بتحقيق تقدم في المفاوضات في الأسابيع الأخيرة، “وآمل أن نتابع التقدم ونحقق شيئاً ملموساً للتوصل إلى اتفاق، وهذا الاتفاق سيعطي الامل وينعش الاقتصاد في لبنان ويحقق الاستقرار في المنطقة، وسيكون جيداً لكل المعنيين”.

وأضاف: “أنا متفائل بكل المناقشات التي جرت اليوم (الجمعة)، ولكن يجب القيام بالمزيد من العمل وأميركا ملتزمة بمتابعة العمل من أجل حل الثغرات المتبقية لمعرفة ما إذا كان يمكننا التوصل إلى الاتفاق الذي سيفيد الشعب اللبناني، وهذا هو الهدف الذي نطمح إليه لحل هذه الأزمة”.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  "نهاية العالم قريبة": هل يتغلب الشرق الأوسط على أزمة المناخ؟