الإنتخابات النصفية.. وسؤال “الترامبية السياسية”

إلى أين تأخذ "الترامبية السياسية" الولايات المتحدة؟ السؤال طرح نفسه بإلحاح ظاهر فى الانتخابات النصفية الأمريكية.

بقدر الاستقطاب الحاد، الذى لاحق إرثه فى صناديق الاقتراع، لم يعد السؤال مستغرباً ولا احتمال عودته إلى البيت الأبيض افتراضياً.
«اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى».. «سنستعيد أمريكا».. و«الأهم من ذلك سوف نستعيد عام 2024 بيتنا الأبيض الرائع!».
هكذا لخص «دونالد ترامب» نظرته إلى الحزب الجمهورى، بما يراه هو من آراء وما يتطلع إليه من أدوار، كأنه الحزب مجسداً والاختلاف معه فى موقف أو آخر غير مسموح به، أو كأنه صدى تاريخياً لعبارة الملك الفرنسى «لويس الرابع عشر»: «أنا الدولة والدولة أنا».
قد يعود «ترامب» أو لا يعود إلى السلطة العليا، هذه مسألة تحسمها التفاعلات الداخلية فى الولايات المتحدة وداخل الحزب الجمهورى، الذى يحاول أن يفرض سطوته عليه قبل أن يتقدم باسمه مجددا إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
بشهادة نتائج الانتخابات النصفية، فهو رقم صعب فى الحزب الجمهورى لا يمكن تجاهله، أو إنكار تأثيره المنتظر على عمل مجلسى الكونجرس قبل العودة إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس جديد.
برغم ذلك لا يمكن الجزم بأنه قد حسم فرصه فى المستقبل.
الحزب الجمهورى ليس موحداً خلفه، أعداد كبيرة من الذين يدينون له بالولاء خسروا الانتخابات، مثل مرشحه المفضل «محمد أوز» فى بنسلفانيا، فيما تمكنت شخصيات جمهورية أخرى من تأكيد حضورها الطاغى فى صناديق الاقتراع مثل «رون دى سانتيس»، الذى فاز بولاية ثانية حاكماً لولاية فلوريدا بعيداً عن وصاية «ترامب».
«سوف أقود الجمهوريين لموجة حمراء»، هكذا تعهد قبل الانتخابات النصفية مباشرة.
حاول أن يؤكد ما ذهبت إليه استطلاعات الرأى العام من اكتساح جمهورى لمجلسى الكونجرس، النواب والشيوخ، وأن ينسب الفضل لنفسه مقدما حتى لو لم يعترف أحد بذلك، على ما قال حرفيا!
لم يحدث مثل هذا الاكتساح برغم الضيق العام من الأداء الاقتصادى للرئيس الحالى «جو بايدين»، الذى تدنت شعبيته إلى أسوأ درجاتها فى الأيام التى سبقت الانتخابات.
راهن «ترامب» على موجة حمراء، نسبة إلى لون الحزب الجمهورى، تدفع به خطوة كبيرة إلى الأمام يعلن عندها ترشحه مبكرا للموقع الرئاسى يوم (15) نوفمبر/تشرين الثاني الحالى عند ذروة النصر الذى توقعه كاسحاً.
ربما يتأنى لبعض الوقت، أو قد يندفع إلى الأمام كعادته دون تحسب.
لم تكن هناك هزيمة مروعة للحزب الديمقراطى فى صناديق الاقتراع.
النتائج أثارت شكوكاً عميقة فى قدرة الرئيسين الحالى والسابق على كسب الانتخابات الرئاسية وبدأ الحديث عن بدائل محتملة على الجانبين.
ليس هناك إجماع على «ترامب» فى الحزب الجمهورى، وقد تتنامى حسابات ضده ترى أنه بات عبئاً عليه.
بقدر مماثل قد تتنامى حسابات فى الحزب الديمقراطى ترى أن «بايدن» هو الآخر عبء يصعب التعويل على تجديد ولايته.
حاول «بايدن» أن يوحى بأنه اجترح نصرا كبيرا بالقياس على تجارب الرؤساء السابقين عند انتصاف ولاياتهم حيث جرت العادة على خسارة الحزب الحاكم بمعدلات أكبر مما حدث هذه المرة.. لكن دون جدوى!
الأولويات اختلفت فى الانتخابات النصفية، الجمهوريون ركزوا على التضخم وارتفاع تكاليف الحياة.. والديمقراطيون ركزوا على حق الإجهاض ومخاوف الانقضاض على الديمقراطية.
برغم تراجع شعبية «بايدن» أقبل أنصار الحزب الديمقراطى بمعدلات غير معتادة على التصويت، لم يكن ذلك دعماً له ولا اعتقاداً فى كفاءة إدارته للأزمة الاقتصادية بقدر خشيتهم من صعود «ترامب» مجدداً.

النتائج أثارت شكوكاً عميقة فى قدرة الرئيسين الحالى والسابق على كسب الانتخابات الرئاسية وبدأ الحديث عن بدائل محتملة على الجانبين. ليس هناك إجماع على «ترامب» فى الحزب الجمهورى، وقد تتنامى حسابات ضده ترى أنه بات عبئاً عليه. بقدر مماثل قد تتنامى حسابات فى الحزب الديمقراطى ترى أن «بايدن» هو الآخر عبء يصعب التعويل على تجديد ولايته

بصورة أو أخرى تحركت قطاعات واسعة من الشبان والمتعلمين والأقليات السوداء واللاتينية لدرء أشباح عودة «الترامبية السياسية»، وفى أذهانهم اقتحام مبنى الكونجرس «الكابيتول» لمنع استكمال إجراءات نقل السلطة إلى «بايدن».
لم يكن صعود «بايدن» إلى البيت الأبيض تعبيرا عن ثقة كبيرة فى كفاءته، فهو مرشح باهت يفتقد إلى أى حضور أو كاريزما.
كانت ميزته الكبرى أنه بديل لـ«ترامب».
بدا الأمر كله أقرب إلى استفتاء على «ترامب»، معه أو ضده.
المشكلة الحقيقية فى أمريكا أن ديمقراطيتها تهددت بعمق وشرخت الصورة التى ترسخت عنها لعقود طويلة.
هناك من شكك فى نزاهة الانتخابات، ومن لم يعترف بها، دون أن تتخذ أية إجراءات تحمى الديمقراطية والتنوع وحقوق الأقليات وتمنع التمييز العنصرى.
فى الانتخابات النصفية تكررت حجج مشابهة بصورة أقل لما زعمه «ترامب» بعد خسارته للانتخابات الرئاسية، كأن التشكيك فى آليات الديمقراطية إذا لم توافق الأهواء والنتائج من مقومات «الترامبية السياسية».
لم تغلق أمريكا صفحة «ترامب»، لا جرت تحقيقات موثوقة فى الادعاءات التى ترددت بغير تصفية حسابات ولا نوقشت باستفاضة الأسباب الحقيقية التى أسقطته.
فى حوار مطول قبل أسابيع على نيل القاهرة مع «آرثر جريج سالزبرجر» ناشر الـ«نيويورك تايمز» أكثر الصحف الأمريكية نفوذاً وتأثيراً، قلت: «أخشى أن تكونوا فى نيويورك تايمز وواشنطن بوست والسى. إن. إن. تتصورون أنكم الذين أسقطتم ترامب، فقد أسقطته إدارته بالغة السوء لجائحة كوفيد 19 والدور الذى لعبه فى إشاعة التمييز العنصرى وإثارة المخاوف العامة على الديمقراطية الأمريكية».. «هنا فى مصر لم نكن ــ نحن الصحفيين ــ من أسقطوا مبارك برغم أهمية الأدوار التى لعبت.. الحقيقة أن سياساته الاجتماعية والفساد المستشرى وزواج السلطة بالثروة وسيناريو التوريث هى التى أسقطته».
فى التفاتة موحية قال: «لا تستبعد أن يعود ترامب مرة أخرى».
كانت تلك نبوءة مبكرة من رأس الصحيفة الأمريكية الأكثر صداماً مع «ترامب» وما يمثله.
حسب استطلاع رأى شاركت فيه أخيراً الـ«نيويورك تايمز» نفسها، إذا ما أجريت الانتخابات الرئاسية الآن بين الرجلين فإن «ترامب» سوف يحصدها بفارق نقطة واحدة (45%) مقابل (44%) بدواعى الإحباط من إدارة «بايدن» وعجزه عن إدارة الملفين الاقتصادى والاجتماعى تحت ضغط التضخم فضلاً عن تورطه فى الحرب الأوكرانية، التى استنزفت أمريكا والغرب كله معها دون أفق سياسى منظور.

إقرأ على موقع 180  "ما عَمْ إفهم عربي.."!

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله السناوي

كاتب عربي من مصر

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  قبل الشتاء الأوكراني.. تدخل غربي مباشر أو تسوية؟