هذا ليس وصفاً لوهم أو توقع. صندوق النقد هو الجلاد، ولبنان هو الضحية. ما يُقال في التصريحات والتحليلات، يُخفي حقيقة شروط صندوق النقد الدولي. انه ليس جمعية خيرية. ولا يعرف من القيم، سوى قيمة الأرباح. لا يُقدِّم نقداً بل قيداً. هو يملي، وعليك أن تجهد كي تتنازل. “الصندوق”، استبداد لا بد منه. والذين يُعوِّلون عليه، إما كذابون أو شركاء، أو يجوز الوجهان.
“الصندوق” لا يلجأ الى القوة أبداً. يُهدّد من دون سلاح. يُخيّرك بين الركوع والإفقار. فماذا يريد منا؟ دفتر الشروط والقيود، كبير جداً. ورهانه هو الامتثال للقاعدة الذهبية التالية: البلدان التي تمر بأزمة اقتصادية، لا يسعها سوى الرضوخ. لذا، الناس في لبنان، تطالب بالرضوخ، لأن لا خروج من القاع، إلا بصنارة، او بتسليم القرار لأصحاب المال.
معلوم جداً أن لصندوق النقد الدولي سيرة مشينة. إنه الأقوى على الضعفاء. بيده رأس المال. والمال ضروري للإنقاذ، والنمو باهظ الثمن، وقيوده آمرة ولا مفر منها. إنه يُقرضك ليرهنك الى آجال بعيدة. ليس مهماً ان ترد “وديعته الإنقاذية”، بل أن تدفع الفوائد إلى آخر العمر. صندوق النقد يُوظّف الشعب لخدمة الديون. يقال إن فوائد صندوق النقد الدولي، لا سقف لها أبداً. يندر أن يخسر الصندوق. إنه يعرف جيداً أمراض كل بلد. الفساد يعرفه جيداً. الانفاق سرقة. المشاريع وهم. المهم أن يضع الصندوق يده. المصالح الخاصة المالية والتجارية تفوز في معركة مضمونة: الأغنياء ينتصرون دائماً على الفقراء. ولبنان المعاند راهناً، فقط لأن طغمته تريد حصة. وإلا فلا.. لا. الثمن باهظ جداً. يجب أن نبقى على قيد الحياة. لبنان راهناً دجاجة موعودة بالذهب.
من ينسى السياسة، في شروط الصندوق، أهبل. القروض وسيلة ضغط للحصول على أهداف سياسية. لبنان لم يستطع حسم خياراته الإقليمية بعد. هو في حالة انتصاف. لبنان ساحة منازلة بكل الأسلحة غير النارية، حتى الآن. لبنان ملزم بأن يلتئم مع الغرب. وتحديداً مع الولايات المتحدة، والطلاق مع الشرق، والأهم، ولوج ما تسمى “عملية السلام”
ماذا أمام اللبنانيين؟ الاستدانة ملحاحة. الانتظار إفقار. شروط الصندوق إملاء. لو أن الصندوق جمعية مالية لا تبغي الربح (وهذا تخريف) لكان بالإمكان رفع راية الأمل. عبث. الصندوق مملكة المصارف. ووظيفته، إستثمار الاستعمار، بغية الربح. استثمار الديون الفالتة بديون جديدة صارمة. إركع ثم لا ترفع رأسك يا أخي. الآمر والناهي، يرفض التنازل. وان كنت لا تصدق، وتدعي أن هذه مبالغة، فما عليك إلا أن تتعرف على الدول الراكعة على جباهها، بعد وضع يد صندوق النقد الدولي على الكيانات الإدارية والمالية في البلد الغارق بأذنيه، في الفساد. والغريب جداً، أن الصندوق لا يشترط الشفافية. إنه يشترط دفع الفائدة حتى أجل غير مسمى.
وعليه، اطلبوا صندوق النقد الدولي. ستصيرون خدماً ولن تكونوا مخدومين. التخلف مُستدام ومُكرس. قطاعات الإنتاج يتم تصحيرها. تسهيل انتقال الثروات، من الفقراء والغلابة الى الاغنياء في العالم. هذا واضح وممارس ولا يحتاج الى بحث وتقميش. صندوق النقد الدولي، جزء لا يتجزأ من الاجتياح الرأسمالي، الذي يُهدّد الشعوب بالانهيار، إذا لم يستجب لشروطه. ويقع هذا الكلام، في خانة الترسيمة العالمية للدول والشعوب. فهناك عالم أول متوحش. لا يشبع. اجتياحي. عنفي. تهديدي. يحمي نفسه بالتفوق، بأي ثمن او ضمن منطق الجريمة التي تسمى سياسة احتلال الأسواق. العالم الأول المتنافس في ما بينه، يتولى سياسة زيادة الإنتاج، وفتح الأسواق، وتسهيل مرور البضائع من الأغنياء الى الفقراء، وسداد الثمن بسرعة. هذه البلاد “الممتازة”، يرتفع فيها الدخل القومي والفردي، ويؤدي الى ارتفاع مستوى المعيشة. وعليه، تتراكم الثروات، ويفيض الرأسمال بآلاف المليارات من الدولارات. أما أنتم أيها الفقراء، فعليكم ان تشهدوا موت الحِرَف. اعتادوا البطالة. التضخم. الدخل القومي والفردي الى ضمور. تراكم الديون مستدام.
سياسات لبنان الاقتصادية، ارتكزت على فرضية مجرمة: لبنان ليس للصناعة والزراعة. انه جسر عبور. ملتقى البضائع. من إلى. بوابة الشرق على الغرب، وبوابة الغرب الى الشرق. هو ممر انتاج الآخرين. وهو مساحة للتجارة والسياحة والتبادل. أدت تلك السياسات إلى تهجير الأرياف. افراغ القرى، قتل الزراعة، تسكير المعامل، كل ما ينتج عندنا غير مرغوب فيه. كنا نلبس ثياباً من عندنا. أحذية من إسكافيينا. مؤونة. صناعات غذائية من عندنا. نحن ننتمي الى فئة المستهلكين. اختفت القدرة على المنافسة بين المحلي والاجنبي. التسليف للإنتاج مفقود. وتقليص التسليف المصرفي، شرط من شروط الإقراض.
يروي جوزف ستيغلتز تجربته في صندوق النقد الدولي. يقول إن اخصام العولمة كذّابون. نفرض على الدول الضعيفة والفقيرة هدم الحواجز الجمركية وتفكيكها، فيما هي تحافظ عليها. “اميركا هي المذنب الأول”. المصالح المالية والتجارية الخاصة، تنتصر دائماً. البلدان الصناعية تفرض على الدول الفقيرة فتح أبوابها لمنتوجاتها، ولا تفتح أسواقها لنتاج الدول الفقيرة. الأغرب، انها تدعم منتوجاتها الزراعية، وتطالب الدول الفقيرة بإلغاء الدعم على منتوجاتها الصناعية.
من أين يأتي الدعم لخدمة وتقوية الزراعة والصناعة والحِرَف؟
لا بد من أموال. صندوق النقد يفضل تقليص التسليف المصرفي. وعليه، يصير النمو إما باهظ الثمن، أو مستحيلاً.
يخلص ستيغلتز الى ما يلي: “في ايامنا هذه لا يتم اقتحام الأسواق الجديدة عن طريق القوة او التهديد باستخدام السلاح، بل، بواسطة القوة الاقتصادية والتهديد بالعقوبات او بحرمان البلدان العاصية، مساعدة ضرورية لمواجهة ازمة اقتصادية.. ويشترط الصندوق تسريع تحرير التبادل التجاري كي يقدم دعمه. والبلدان التي تمر بأزمة اقتصادية لا يسعها في المقابل سوى الرضوخ لشروطه” (عن كتاب الخيانات الاقتصادية، لوليد صليبي).
الأخلاق القيم، التضامن، كلمات مهجورة من صندوق النقد الدولي. يعرف ان الربح هو الغاية: “خذ.. ثم لا تتوقف عن سداد الديون، وإلا..”. وديون الصندوق لا سقف لمردودها.
سيُسرق لبنان. من زمان والنهّابون اللبنانيون يكسبون. والنهّابون ينتمون الى جمعية الرفق بالجيوب. وهم معروفون. قادة سياسيون. ملوك مصارف. قوى نفوذ. مصادرو الحقوق. إئتلاف القضاة. يُحاسِبون ولا يُحَاسَبون.. أسطوانة الفساد شغالة. هؤلاء، سيكونون رعاة لاستثمارات أموال الصندوق أو شركاء. خراب لبنان، لم يكن بسبب كسل اللبنانيين. كان بسبب جُبنهم واكتفائهم بفتات الفساد. والفساد، في لبنان، هو الدين السياسي لعصابات الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
المصيبة أن صندوق النقد، يعرف الفعل والفاعل والمفعول، ويقيم علاقة وطيدة مع الفاعل. والفاعل مدعوم بتأييد طائفي مرصوص. هؤلاء، سيكون عليهم اغراق لبنان. وقادة الانهيار المتداولون إعلاميا ستكون حصتهم، رعاية خطة النهوض، وتنفيذ طلبات الصندوق. ثم، “مطرحك يا واقف”.
النهّابون ينتمون الى جمعية الرفق بالجيوب. وهم معروفون. قادة سياسيون. ملوك مصارف. قوى نفوذ. مصادرو الحقوق. إئتلاف القضاة. يُحاسِبون ولا يُحَاسَبون.. أسطوانة الفساد شغالة. هؤلاء، سيكونون رعاة لاستثمارات أموال الصندوق أو شركاء. خراب لبنان، لم يكن بسبب كسل اللبنانيين. كان بسبب جُبنهم واكتفائهم بفتات الفساد
من ينسى السياسة، في شروط الصندوق، أهبل. القروض وسيلة ضغط للحصول على أهداف سياسية. لبنان لم يستطع حسم خياراته الإقليمية بعد. هو في حالة انتصاف. لبنان ساحة منازلة بكل الأسلحة غير النارية، حتى الآن. لبنان ملزم بأن يلتئم مع الغرب. وتحديداً مع الولايات المتحدة، والطلاق مع الشرق، والأهم، ولوج ما تسمى “عملية السلام”.
الصندوق، لن يعالج الأسباب التي دفعت لبنان الى الإفلاس. بل لن يهتم بالإفلاس الحاصل. سيفرض تقليص الضمانات الاجتماعية. إغلاق مزاريب الهدر. تصغير القطاع العام. زيادة الضرائب، رفع الدعم، أي المزيد من الافقار. والغريب، أنه لا يطلب من المصارف الشفافية، ولا يهتم بالمساءلة، ولا يلتفت الى واجبات القضاء. والسبب، انه يملك المال. فهو إذاً القضاء والقدر.
تجارب الصندوق في العالم، ليست مستورة. في عهدته، تمت أوسع عملية نقل ثروات من شعوب البلدان النامية إلى اغنياء العالم. “نهب اقتصادي شرعي”. تماماً، كما هي حال النهب الذي ترتكبه طبقة التحالف الطائفي المالية. وعليه، سيزداد الأثرياء فجوراً، وستضاف أعباء ضريبية على الفقراء. (رفع الأسعار الراهن، سيتضاعف في زمن الاحتلال الدولي، عبر الصندوق).
هل سينجو لبنان من جحيمه الراهن؟ أشك في ذلك كثيراً. لأن اللصوصية الدولية تكرس التخلف. تَتَسيَّد على القرارات.
يزداد الفقر. يتراكم التضخم. تُدمّر القطاعات الإنتاجية، وتهاجر الأموال من الفقراء الى الأثرياء. وتتضخم أرباح المصارف والسماسرة والقادة السياسيين.
أخيراً، لا بد من توقع الأسوأ. الصندوق، استبداد لا بد منه.