عبدالله بن زايد في دمشق.. هل انطلق قطار التسويات؟ 

حطّ وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عبد الله بن زايد، ضيفا على الرئيس السوري بشار الأسد، في زيارة مفاجئة، لم يتم الإعلان عنها مسبقاً، في خطوة جديدة تدل على تنامي العلاقات الإماراتية - السورية، بل تشكل دعما إضافيا من جانب الإمارات، للتوجهات السورية في الإقليم العربي. 

في التوقيت، تأتي الزيارة غداة سلسلة من التطورات توّجت نهاية عام.. وبداية عام جديد، لا سيما منها فتح الخطوط السياسية بين دمشق وأنقرة والتي يفترض أن تكون محطتها التالية مع لفاء وزيري خارجية البلدين في موسكو أو أي مكان آخر يتفق عليه البلدان، على أن يتوج هذا المسار بقمة تركية سورية، لم يعرف ما إذا كانت ستعقد قبل موعد الإنتخابات الرئاسية التركية المقررة في شهر حزيران/يونيو المقبل.

وجاءت في التوقيت أيضاً مع إشهار كل من الرياض وأبو ظبي تمايزهما عن الأميركيين في ما يخص تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولا سيما لجهة خروجهما عن سياق قمة جدة وما قررته في موضوع زيادة إنتاج النفط وبالتالي إلتزامهما بقرارات “أوبيك بلاس” بالتفاهم مع روسيا، الأمر الذي أثار حفيظة الأميركيين.

لقد حملت زيارة عبدالله بن زايد مضامين سياسية واقتصادية، فالجانبان السوري والإماراتي، يلتقيان في مقاربتهما للأزمة السورية، ولا سيما لناحية التأكيد على وحدة الأراضي السورية وطي صفحة الإسلام السياسي الإخواني بكل مسمياته، فضلاً عن ضرورة وضع سوريا على سكة العودة إلى الأسرة العربية.

عناوين اللقاء غير البروتوكولي، بين الرئيس الأسد والوزير الإماراتي، تمحورت حول العلاقات الثنائية، وتحديدا الاقتصادية والتجارية، حيث جرى اطلاع الجانب الإماراتي، على تطورات الأوضاع في سوريا، وجهود الحل السياسي فيها، ومسار التقارب السوري – التركي برعاية روسية، والذي يحظى بتشجع أبو ظبي، فضلاً عن تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها دمشق.

وحسب وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام)، تناول الاجتماع التطورات في سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط الأوسط، حيث أشار بن زايد إلى “دعم الإمارات للحل السياسي في سوريا”.

بدورها، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن بن زايد أكّد دعم بلاده لاستقرار سوريا وسيادتها على كلّ أراضيها، والتزام وحرص دولة الإمارات على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة، يعيد أمن واستقرار ووحدة سوريا، ويلبي تطلعات الشعب السوري في التنمية والتطور والرخاء.

وبعيدا عن البيانات الرسمية، يمكن القول إن العلاقات السورية – الإماراتية شهدت منذ إعادة فتح سفارة ابو ظبي في دمشق قبل نهاية العام ٢٠١٨ تطورات متلاحقة. فقد زار الرئيس الأسد الإمارات في الثامن عشر من آذار/مارس الماضي، وهي أول زيارة يقوم بها منذ العام ٢٠١١ إلى دولة عربية، في أجواء غابت عنها البروتوكولات الرسمية أيضاً. كما سبق الزيارة اتصالان بين حكومتي البلدين، فضلا عن الزيارة الاولى للوزير بن زايد إلى دمشق في ٩ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢١.

وتأمل دمشق من هذا الانفتاح الحصول على مكاسب اقتصادية، يمكن أن تساهم في انتشال اقتصادها من وضعه المتردي، وتفعيل المشروعات الاستثمارية الروسية المتوقفة في سوريا، عبر إقناع الإمارات بتمويلها والمساهمة في إعادة الإعمار التي تمثّل اليوم واحدةً من أكثر القضايا الخاضعة للنقاش، ولا تزال المصادر المحتملة للتمويل الأجنبي غير مؤكّدة إلى حدّ كبير. وهناك تعويل سوري على الدور المحتمل الذي قد تضطّلع به الإمارات، بفضل قوّتها الاقتصادية وقطاعها الخاص النشط، لا سيما لجهة المشاركة على نحوٍ فعّالٍ في جهود إعادة الإعمار الهائلة التي تتطلّبها سوريا.

لكن يبقى هذا كله مرهوناً بموقف واشنطن التي سبق وأعربت عما أسمتها “خيبة أملها من التقارب الثنائي والانفتاح الإماراتي على سوريا”، ما يعني امكانية تعرض أي دولة تنفتح على دمشق إلى ضغوط كبيرة من واشنطن. وتجلى ذلك في الضغط على جامعة الدول العربية قبل نهاية السنة الماضية لمنع دعوة دمشق إلى قمة الجزائر العربية.. وحتما لا تريد واشنطن لأبو ظبي أن تقدّم أي دعم لدمشق، لأن هذا الدعم قد يصب في مصلحة روسيا، من وجهة نظر الأميركيين.

كما تنظر أبو ظبي إلى تطور العلاقات مع دمشق، من منظور جيوستراتيجي، إذ تسعى إلى استغلال علاقاتها للدخول في مساومات مع مختلف الأقطاب الإقليمية، كما أن سوريا قد تصبح في المستقبل معبرا لخط طاقة يصل إلى أوروبا، ويشكل بديلا للغاز الروسي.

فضلا عن ذلك، تريد الإمارات علاقات مع جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة، بصورة تضمن أمنها، ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وفي المقدمة منها استقرار الخليج، بأسلوب يحفظ صورتها بوصفها واحة آمنة للخدمات والاستثمار.

التسويات الإقليمية لا تبدو حتمية في المدى القريب، بل تحتاج إلى المناخ المناسب الذي لم ينضج بعد، ولكن يبدو أن سوريا ستكون حاضرة أكثر من أي وقت مضى في العديد من الملفات الإقليمية، فهل سيكون العام ٢٠٢٣ هو عام التسويات الكبرى والاندفاع التدريجي نحو دمشق؟

وفي القراءة الدالة على مضامين الزيارة، لا يمكن فصلها عن التطورات في المنطقة، فتوقيتها يشكل خطوة في إطار مسار عربي اقليمي متكامل.

إقرأ على موقع 180  نقاش استباقي و"مصلحي" لخيار السلام مع "إسرائيل"

فأبو ظبي تنتهج، منذ أكثر من سنة، سياسة تصفير المشاكل مع مختلف الأقطاب الإقليمية، بهدف خلق شبكة علاقات آمنة، تحميها في حال حصل تراجع مفاجئ في الالتزامات الأمنية الأميركية حيال دول الخليج.

لا شك أن الإمارات، تمثل السعودية في العديد من ملفاتها، باعتبارها تمثل دور الوسيط في العلاقات العربية – العربية، كما أن الاجتماع الوزاري السابق في موسكو بين (روسيا وسوريا وتركيا)، في ٢٨ كانون الأول/ديسمبر الماضي يشكّل دافعاً عربياً خليجياً للانفتاح أكثر نحو دمشق بلغة المصالح، ويسري ذلك بالدرجة الأولى على المملكة العربية السعودية. وهنا لابد من التأكيد على حضور العوامل الايرانية والاسرائيلية والاميركية في التحركات الإماراتية.

ويمكن الإشارة في هذا السياق، إلى حدث مرتبط بما سبق، حيث سبقت زيارة الأسد إلى الإمارات، بأشهر قليلة، زيارة قام بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إلى تركيا، وصفت آنذاك بأنها “اختراق استراتيجي” للعلاقة الصعبة والمعقدة بين البلدين، بعد التوترات التي شابت علاقتهما في السنوات الأخيرة، حول عدد من القضايا الإقليمية، واصطفاف تركيا إلى جانب قطر (حماية مشروع الإخوان المسلمين في المنطقة)، وتناقض المصالح السياسية والاقتصادية في القرن الافريقي، والصراع الليبي، وغيرها..

بيد أن موضوع الإخوان ودعم أنقرة للحركات الاسلامية الاصولية، تعتبره ابو ظبي تهديداً لأمنها القومي، لذلك انصب طموحها مذاك على احتواء جهود تركيا.

اما في سوريا، وبعد أن وسعت أنقرة نفوذها في شمال البلاد، وأصبحت طرفا في مسار استانة، عمدت الإمارات إلى إدانة عملية “غصن الزيتون” في العام ٢٠١٨، كما تعاطفت مع الأكراد، وأعلنت في آب/أغسطس ٢٠١٨، عن تقديمها دعما ماليا بقيمة ٥٠ مليون دولار للبرنامج الأميركي لتحقيق الاستقرار في مناطق سيطرة “قسد”، كما ادانت في العام ٢٠١٩ الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا، قائلة إنه يمثل اعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة، بما يتنافى مع القانون الدولي، ويمثل تدخلا صارخا في الشأن العربي.

أما في ما يتعلق بايران، فإن غير المعلن في زيارة بن زايد هو النقطة الأبرز، وتحديداً كيفية إنتزاع دمشق من الحضن الإيراني، فالإمارات كما السعودية وباقي الدول الخليجية، ترهن إلى حد كبير مسار التطبيع الكامل مع دمشق، بإعادة الإعتبار إلى البوابة الشرقية (العراقية ـ السورية) التي لطالما كانت تشكل سداً بوجه أي محاولة لتوسيع النفوذ الإقليمي من قبل جيران هاتين الدولتين العربيتين.

وسبق لوزير الخارجية الإماراتي، أن حث كلا من إيران وتركيا، على إنهاء ما سماها أفعالهما الاستعمارية في سوريا ومحاولات تقليص سيادة الدولة السورية.

لقد تم الإشارة إلى ما سبق، للتأكيد على النفوذ الذي تمتلكه الإمارات، فيما خص الموضوع السوري، والمصالحة مع أنقرة، والحاجة إلى هذا الثقل لحلحلة العقد، المرتبطة بـ”قسد” كون أبو ظبي على علاقة جيدة معها.

التسويات الإقليمية لا تبدو حتمية في المدى القريب، بل تحتاج إلى المناخ المناسب الذي لم ينضج بعد، ولكن يبدو أن سوريا ستكون حاضرة أكثر من أي وقت مضى في العديد من الملفات الإقليمية، فهل سيكون العام ٢٠٢٣ هو عام بداية التسويات الكبرى والاندفاع التدريجي نحو دمشق؟.

Print Friendly, PDF & Email
شوكت أبو فخر

صحافي سوري

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  10 إشارات إيجابية من فيينا.. وطهران وواشنطن!