قطر “تقتحم” لبنان بالرئاسة والغاز.. و”ترتيبات الجنوب”!

صارت وظيفة اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان لبنانية بامتياز. ملء الوقت الضائع بالكلمات واللقاءات والتحركات المناسبة. ثمة اقتناع لدى بعض أطراف اللجنة أن الخارج ليس قادراً وحده على انتاج رئيس جمهورية جديد ولا الداخل وحده يستطيع تحمل هذه المسؤولية. لا بد من قفل ومفتاح لترتيب الواقع اللبناني في المرحلة المقبلة.

يُنتظر أن يستمع رئيس المجلس النيابي نبيه بري هذا الأسبوع إلى جديد سفراء “الخماسية”، وتقييماتهم لما سمعوه من زوّارهم في المجالس المعلنة والمغلقة، وبعدها يُقدّم الرجل تقدير موقفه في ضوء ما حمله السفراء في جعبتهم، من ثم وأمام الإيجابية الدائمة التي يتحلى بها رئيس حركة أمل، ينطلق سفراء اللجنة إلى جولة جديدة يستهلونها من منزل رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، لتكمل طريقها باتجاه البطريرك الماروني بشارة الراعي تليها زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وستختتم في نهاية الأسبوع بلقاء الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.

والهدف المعلن من تحريك عجلات “الخماسية” هو تلمس وجود فرصة سياسية جديدة لإحداث خرق في جدار الملف الرئاسي المسدود منذ سنة وخمسة أشهر تقريباً، نتيجة تمسك كل طرف بمرشحه ورهانه على تسويقه لدى الطرف المقابل، فيما تتعامل اللجنة الخماسية مع الأطراف والكتل كأمانة سر تجمع منهم خلاصة الموقف والمقترحات رداً على ورقة الأسئلة التي كان قد وزعها سابقاً المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، والذي باتت عودته إلى بيروت مُعلّقة بقرار أميركي عبّرت عنه السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون في إجتماعات الخماسية الأخيرة، وتم تتويجه بموقف للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي أبدى استخفافه بقدرات نظيره الفرنسي وأصل مهمته.

بالمقابل، تبرز اندفاعة قطرية إزاء الملف السياسي اللبناني؛ في ظل شهية تُعبّر عنها أطراف لبنانية بضرورة ترجمة هذا الاهتمام ليصبح أكثر حضوراً في المعالجات الآنية والمستقبلية المطلوبة للأزمة السياسية والاقتصادية والمالية في لبنان.

لن تكون زيارة علي حسن خليل إلى الدوحة يتيمة، بل ستستتبع بزيارات مرتقبة لكل من وليد جنبلاط وجبران باسيل، فيما أسرّ أحد نواب “تكتل الاعتدال الوطني” أن هناك نقاشاً قد يستوجب زيارة يقوم بها النائب أحمد الخير إلى الدوحة في العشر الأخير من شهر رمضان، لاستكشاف حدود التنسيق بين الرياض والدوحة

وبرغم توجس أطراف داخلية من علاقة الدوحة برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وهي علاقة متقدمة يُجسّدها باسيل بزيارات مستمرة إلى قطر، إلا أن هذا الأمر لا يثير حفيظة بري، فهو يُدرك في العمق مقاربة القطريين وتعاطيهم مع الأطراف وفقاً للأحجام والأدوار والتوازنات الداخلية وحتماً بتغطية أميركية، لذا فإن رئيس المجلس مهتمٌ بتوطيد هذه العلاقة لتصبح أكثر حضوراً وفاعلية، مثلما كان يُردّد دائماً أن الحضور العربي في لبنان ولا سيما السعودي والمصري يزيد لبنان حصانة ويُضيف إلى أدوار هذين البلدين على الصعيد الإقليمي.

وعلى الرغم من التكتم الذي أحاط بزيارة علي حسن خليل إلى الدوحة، إلا أن الزيارة التي أتت بدعوة قطرية، هدفت إلى وضع الأطراف اللبنانية الفاعلة في صورة الاتصالات والمفاوضات الجارية لتكريس هدنة ما في قطاع غزة؛ من هنا سمع خليل نصيحة بضرورة ضبط منسوب التصعيد في جنوب لبنان وعدم الوقوع في فخ توسعة دائرة النيران، لأن لا أحد قادر على ضمان ما قد تُقدم عليه حكومة الحرب الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.

وكان واضحاً في مناقشات الرجل أن القطريين لم يناقشوا بجدية الترتيبات الأمنية المرتقبة، في ظل كل الكلام الغربي والأميركي عن مشاركة عربية في دعم توسيع انتشار الجيش اللبناني وحضوره وتوسيع قوة “اليونيفيل” في منطقة جنوب نهر الليطاني، ويعزو كثر هذا السلوك لحرص الدوحة على التنسيق العربي والخليجي في ملفات لبنان والمنطقة.

وإذا كانت الدوحة حريصة على الإستفادة من الترتيبات المرتقبة للمنطقة لخلق تفاهم لبناني على رئيس جمهورية توافقي في لبنان والذهاب لتشكيل حكومة إصلاحية فاعلة سواء من خلال “الخماسية” أو من خلال دور قطري مباشر بالتنسيق مع الأميركيين، إلا أن الجو السائد في الدوحة لم يعد مؤيداً لإسم محدد للرئاسة، على الرغم من كل محاولات توريطها سابقاً بدعم مرشحين، إما عبر المرشحين أنفسهم، أو حتى من بعض المقربين من الدبلوماسية القطرية والذين أثاروا لأشهر أسئلة عديدة عن طبيعة تسمية أو تزكية مرشحين محتملين للرئاسة، لتعود الدوحة لتقويم هذا الأمر والعودة إلى المبدأ الذي أعلنت عنه في بيان اللجنة الخماسية في منتصف تموز/يوليو المنصرم.

وقد طرح القطريون على رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي خلال آخر زيارة له إلى الدوحة معادلة تقوم على أساس استبعاد خياري سليمان فرنجية وجوزيف عون، فمن هي الشخصية التي يُمكن أن يقبل بها “الثنائي الشيعي” في لبنان؟

وعندما استفسر ميقاتي عن الأسماء المطروحة، أجابه القطريون بطرح اسم مدير المخابرات الأسبق في الجيش اللبناني العميد جورج خوري، فكان جوابه أن الرئيس بري يقبل بهذا الإسم أما حزب الله فسيبقى ملتزماً بسليمان فرنجية أياً كان المرشح غيره. وبعد ذلك سأله الجانب القطري عن رأيه بالوزير السابق ناصيف حتي، فكان جواب ميقاتي ايجابياً في السياق نفسه، وعندها قال له نظيره القطري: “ولماذا استقال حتي من وزارة الخارجية”؟ فترك رئيس حكومة لبنان الرد لسفيرة لبنان في الدوحة فرح نبيه بري التي أجابت “بسبب تعارض توجهاته مع توجهات حكومة حسان دياب”. وعقّب رئيس وزراء قطر على ذلك بالإشادة بناصيف حتي قائلاً إنه بعد تقاعده من عمله سفيراً للجامعة العربية في باريس كانت هناك تجربة تعاون مشتركة بينه وبين قطر.

إقرأ على موقع 180  أميركا تُسقط "المنطاد" ولا تستفز الصين.. الأولوية لروسيا! 

في الوقت نفسه، لن تكون زيارة علي حسن خليل إلى الدوحة يتيمة، بل ستستتبع بزيارات مرتقبة لكل من وليد جنبلاط وجبران باسيل، فيما أسرّ أحد نواب “تكتل الاعتدال الوطني” أن هناك نقاشاً قد يستوجب زيارة يقوم بها النائب أحمد الخير إلى الدوحة في العشر الأخير من شهر رمضان، لاستكشاف حدود التنسيق بين الرياض والدوحة، طالما أن سفير الرياض في بيروت وليد البخاري مستمرٌ في اتباع سياسة الصمت المطبق.. والأجوبة الفضفاضة، علماً أن الخير زار دولة الإمارات في الآونة الأخيرة واجتمع برئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي شدّد على نيل بركة السعودية من جهة واستمرار التنسيق مع رئيس المجلس الينابي نبيه بري من جهة ثانية.

وهواجس “كتلة الاعتدال” وغيرها من الكتل السنية لن تتبدد إلا بسماع الأجوبة الشافية حول مسار العلاقة بين الجانبين، وخاصة أن الحملات التي خاضها بعض المقربين من السفارة السعودية ضد جهود المبعوث القطري جاسم بن فهد آل ثاني (“أبو فهد”) وطروحات عقد الحوار الخماسي تحت سقف الدوحة وبرعايتها على أرض قطر، تبين أن محركها مرشح رئاسي وليست الرياض وسفيرها، علماً أن رئيس المجلس تحفظ على عقد أي حوار أو تشاور لبناني خارج العاصمة اللبنانية.

برغم الرسائل التي تتطاير من بيروت وطرابلس والبقاع الغربي باتجاه الدوحة أو سفارتها في بيروت، فإن الرد القطري يندرج في إطار واحد، وهو التعاطي الإيجابي المغلف بالتردد، فلبنان ليس مساحة لخلق نزاعات وصراعات عليه مع دول صديقة.. وحليفة

من هنا باتت الحاجة إلى الدور القطري مرتبطة برغبة قطر نفسها، وهي التي تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل وتراقب عن كثب صعود الجمهوريين، ولو أنها ما تزال تُعوّل على مفاجأة تبقي حليفها الديموقراطي جو بايدن في البيت الأبيض لولاية رئاسية جديدة، لتبني على الأمر مقتضاه، وهي التي ترغب بالاستثمار في قطاع التنقيب عن الغاز في البلوكات اللبنانية وتحديداً الشمالية، وهذه الرغبة تحتاج إلى التنسيق مع واشنطن من جهة وتحديد جهة دولية تتولى التنسيق مع الجانب السوري من جهة ثانية، خصوصاً إذا برزت خلافات بحرية حدودية بين الجانبين اللبناني والسوري.

وفيما تكثر الأحاديث عن رغبة القطريين في الدخول إلى قطاعات المصارف والسياحة والزراعة اللبنانية، تتحاشى الدبلوماسية القطرية تثبيت أقدامها في حقل الألغام اللبناني وتحديداً في عالم السياسة الهجين والمحاط بمنغصات داخلية (تعنت القوى ورغباتها) والحساسيات الخارجية (النقزتان السعودية والإيرانية).

لذا فإن البيئة السنية والتي تعد أكثر البيئات خصبة للتنشيط والترتيب في ظل استمرار غياب سعد الحريري وظهيره الإقليمي، ستكون مقبلة على تحولات ستتعاطى معها قطر بكل حذر وترقب، برغم الرسائل التي تتطاير من بيروت وطرابلس والبقاع الغربي باتجاه الدوحة أو سفارتها في بيروت، فيما الرد القطري يندرج في إطار واحد، وهو التعاطي الإيجابي المغلف بالتردد، فلبنان ليس مساحة لخلق نزاعات وصراعات عليه مع دول صديقة.. وحليفة.

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  أيّها الكلي الطوبى.. ما هكذا يُحمى وجود المسيحيين في لبنان!