إسرائيل تغتال الرنتيسي بعد ياسين.. ماذا عن عرفات؟ (112)

لم تكتفِ "إسرائيل" باغتيال مؤسس حركة “حماس” وقائدها الشيخ احمد ياسين بل قررت مواصلة عملية "قطاف شقائق النعمان" الهادفة إلى تصفية قيادات سياسية في الحركة، وعلى رأس هؤلاء عبد العزيز الرنتيسي الذي حلّ محل ياسين.

يقول رونين بيرغمان، في هذا الفصل من كتابه “إنهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية” إنه مع إنقضاء فترة الحداد الوطني على الشيخ أحمد ياسين، عيّن مجلس شورى الحركة، وهو الهيئة القيادية العليا، عبد العزيز الرنتيسي خلفاً لياسين. وقد أدى القائد الجديد اليمين الدستوري من على منصة أقيمت في أحد ملاعب كرة القدم في أحد مخيمات اللاجئين في غزة، بحضور قيادة الحركة وأمام حشد جماهيري كبير، وتخلل الحفل عرض عسكري قام بعده اعضاء القيادة بتقبيل يد القائد الجديد، وقال الرنتيسي في خطابه للمناسبة “سنقاتل العدو في كل مكان وسنُعلّمه معنى المقاومة”، وختم بالتعهد بالانتقام لمقتل ياسين.

كان “الإسرائيليون” على اطلاع بخطط العرض العسكري ومراسم تنصيب الرنتيسي ولكن رئيس الوزراء أرييل شارون أمر جهاز “الشين بيت” وسلاح الجو الا يطلقوا النار على حفل “حماس” في غزة خشية قتل أعداد كبيرة من المدنيين من جهة ولأنه كان هناك العديد من شبكات التلفزة العالمية تتولى تغطية الحدث وسيكون اطلاق النار فرصة للنقل الحي للهجوم “الإسرائيلي”. وعلى اي حال في تلك اللحظة كان شارون قد اعطى الاذن باغتيال القائد الجديد (الرنتيسي). وكان القرار هذه المرة اسهل بكثير من قرار اغتيال ياسين. فالرنتيسي كان يفتقر للسلطة الدينية التي كان يتمتع بها ياسين، ولا أعتراف عالمياً به كقائد سياسي عربي، ولم يكن هناك اي نقاش بشأن تورطه في أعمال “الإرهاب”، والأهم من كل ذلك، ان سابقة الإغتيال (قتل ياسين) قد حصلت وبالتالي أصبح بالإمكان تصفية أي قائد لحركة “حماس”، يقول بيرغمان.

كان شارون ينظر إلى عرفات بوصفه الشخص الذي “أسّس نظاماً إرهابياً في المناطق التي حكمها. يُدرّب إرهابيين بطريقة منظمة ومرعية من الدولة ويُحرّضهم ويُموّلهم ويُجهّزهم ويُسلّحهم ويُرسلهم ليقتلوا في كل أنحاء إسرائيل”

كان الرنتيسي حذراً ويحاول أن يكون مخادعاً، يقول بيرغمان، ويضيف “كان يتنقل من مخبأ إلى اخر. يلبس شعراً مستعاراً ويستخدم عدة أسماء مستعارة في هواتفه الخلوية، ولكن قاعدة العمامة للتنصت (تابعة للوحدة 8200) لم تجد صعوبة في رصد اتصالاته. وفي 17 ابريل/نيسان 2004، وفقط بعد أسابيع قليلة من توليه مسؤولية القيادة في حركة “حماس”، ذهب إلى منزله ليضع الترتيبات النهائية لزواج نجله أحمد. كانت زيارته قصيرة، أعطى خلالها زوجته الأموال التي تحتاجها لاتمام التحضيرات وغادر. كانت سيارته “السوبارو” تمضي في طريقها في شارع الجلاء عندما انفجر بها صاروخ مجنح. تجمهر حشد من مئات الناس حول بقايا السيارة التي تفحمت، وعمل فريق الاسعافات الأولية يائساً لإنقاذ حياة الرنتيسي ومرافقيه الإثنين اللذين كانا معه. وقد أظهرت وكالة “رويترز” حشداً من الناس يصرخ ويبكي مع رجل يرفع يديه عالياً وهما ملطختان بدم القائد القتيل”.

وفي تعليقه على مقتل الرنتيسي، قال وزير الدفاع شاوول موفاز للصحافة الإسرائيلية “لقد كان طبيب أطفال يتعامل بصورة أساسية مع قتل الأطفال”. فيما كان مساعدو شارون أوضح في تعليقهم عندما قال أحدهم “على عرفات أن يُلاحظ الأمر، فأي شخص تكون أعماله إرهابية يجب أن يكون قلقاً على مصيره”.

وحمل مقتل الرنتيسي، بحسب بيرغمان، “الرقم 168 في عمليات القتل المتعمد التي اتبعتها “إسرائيل” منذ قيام الانتفاضة في العام 2000، وفي تلك اللحظة، نجحت عملية “قطاف شقائق النعمان” في وضع حركة “حماس” في حالة من الصدمة والإرتباك، فقام مجلس شورى الحركة على الفور بتعيين خلف للرنتيسي، ولكنه كان شخصية ثانوية وأبقي على إسمه سرياً كي لا ينتهي ميتاً كمن سبقه، واتخذ جميع القادة الكبار في الحركة تدابير استثنائية لكي يبقوا بعيدين عن أعين “إسرائيل” ورادارتها، ما جعلهم يعملون طوال الوقت فقط للبقاء على قيد الحياة. وجاء في بيان نشرته الحركة على صفحتها الرسمية على الشبكة العنكبوتية “لقد نجح العدو الصهيوني في إغتيال العديد من أخوتنا المقاتلين، وجاء ذلك في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لكل واحد من هؤلاء المقاتلين الأنقياء.. لا شك على الإطلاق أن الإهمال كان سبباً رئيسياً في نجاح العدو، لأن طائرات التجسس الإلكترونية لا تُغادر سماء غزة، والأعين المكلفة بهذه المهمة لا تغفو وطائرات “الأباتشي” جاهزة باستمرار مع صواريخها وتنتظر أي فرصة. أنتم هدفاً دائماً للإغتيال يومياً، وحتى كل ساعة من ساعات اليوم”.

بعد أسبوعين من إغتيال الرنتيسي، يقول بيرغمان، “توجه الجنرال عمر سليمان، وزير الاستخبارات المصرية والرجل الأقوى في مصر بعد الرئيس حسني مبارك في زيارة طارئة إلى إسرائيل، وذلك لعقد لقاء مع موفاز ورئيس الأركان موشيه يعالون ورئيس جهاز “الشين بيت” آفي ديتشر، وينقل عنه بيرغمان قوله لهم “أتيت اليكم برسالة تسوية”، وعرض عليهم اقتراح حركة “حماس” وجوهره الآتي: “لا اغتيالات.. لا هجمات إرهابية”. شكر موفاز لسليمان زيارته وقال له “كالعادة فان جهود مصر لايجاد تسويات في المنطقة محل تقدير ولكن لا يوجد شيء لنبحثه في هذا المجال فـ”إسرائيل” لن توقف عمليات القتل المتعمد ولا حملتها لقتل قادة “حماس” بصورة خاصة”. غضب عمر سليمان كثيراً، وقال له “أتيتُ إليكم كل الطريق من القاهرة حاملاً لكم عرضاً لوقف الهجمات وهو ما تريدونه، فلماذا إصراركم على موقفكم”؟ فأجابه موفاز أن “حماس” تريد هدنة من أجل أن تُقوّي نفسها “وعلينا أن نهزمهم وألا نسمح لهم بأن يتنفسوا”. ناشد سليمان رئيس الوزراء أرييل شارون الذي حيّاه بحرارة من دون أن يثمر اللقاء عن شيء، إذ قال له “إن موقف مؤسستنا الدفاعية هو ألا نوافق على أي وقف لإطلاق النار وأنا لا أستطيع أن أعارض جنرالاتي”، ولكنه عرض بالمقابل أن يراقب سلوك “حماس”.

وضعت الاستخبارات “الإسرائيلية” يدها على حيز كبير من أرشيف ياسر عرفات عندما استولى الجيش “الإسرائيلي” على جزء من مقر قيادته في رام الله، وقد وفرت الملاحظات والمواد الموجودة فيه دعماً لاتهامات شارون، فقد أمر عرفات وبخط يده بنقل كميات كبيرة من الأموال لدعم النشاطات “الإرهابية” لحركة فتح

عمل نشطاء حركة “حماس” على منع المُسيرات “الإسرائيلية” وطائرات “الأباتشي” من إصطيادهم، “فكانوا لا يتحركون الا عند الضرورة، ويستخدمون الدراجات النارية في تنقلاتهم، ويسلكون الأزقة والطرقات الضيقة، ومع كل هذه التدابير، قُتلَ إثنان بالصواريخ الأول في غزة في 30 مايو/أيار (2004)، والثاني في مخيم بلاطة للاجئين بعد أسبوعين، وفي اليوم نفسه جاء عمر سليمان لمقابلة شارون بنفسه مرة ثانية، بعد اتصالات هاتفية مكثفة جرت منذ الزيارة الأولى، وقال له “السيد رئيس الوزراء الآن أنتم ترون أن عرضهم كان جدياً وقد أوقفوا الهجمات، فوافق شارون على مضض على وقف القتل المتعمد، فيما أعطت “حماس” الأوامر بالوقف الفوري والمطلق للهجمات الانتحارية”، حسب رواية بيرغمان.

إقرأ على موقع 180  ميدل إيست آي: بن زايد أمام "منعطف" قد يعيد تشكيل المنطقة

بعد ذلك أصبحت لشارون اليد العليا في محاربة “الإرهاب”، يقول بيرغمان، “وخلال تلك الفترة التي بات فيها الوضع الأمني هادئاً، بدأت تراود شارون فكرة التوصل إلى حل سياسي للصراع التاريخي في الشرق الأوسط. فتقاربه الشديد مع الرئيس جورج دبليو بوش والعلاقات العميقة التي طوّرها مع كل الإدارة الأمريكية – التي بدأت بالموافقة على تجميد الاستيطان مقابل ضوء أخضر أمريكي لعمليات القتل المتعمد – كل ذلك جعل شارون يصل إلى شعور بأن الأمريكيين يريدون باخلاص مساعدة دولة إسرائيل”.

وينقل بيرغمان عن دوف ويسغلاس، كبير مستشاري شارون وأمين سره قوله “وصل شارون إلى استنتاج مفاده أنه لا يهم من يجلس في البيت الأبيض – فهم دائماً سيعتبرون المستوطنات مشكلة جوهرية”. وبالنسبة لشارون، فإن المستوطنات – التي سوّق لها من كل قلبه في مواقعه السابقة – لم تكن أمراً ايديولوجياً أو دينياً بل إعتباراً أمنياً”، ويضيف ويسغلاس “في اللحظة التي فهم فيها شارون أن المستوطنات باتت عبئاً وليست ميزة لم يكن لديه مشكلة في إخلائها وإعطاء ظهره للمستوطنين”، فشارون المعروف عنه أنه صقر في السياسة وأنه بنى كل تاريخه المهني على سياسة العداء للعرب بصورة عامة وللفلسطينيين بصورة خاصة “شهد تحولاً دراماتيكياً، فقد أراد أن يخرج من مرحلة الجنرال المحارب ليصبح الصانع العظيم للسلام”.

ولكن على أي حال ـ يضيف بيرغمان ـ “كان شارون يعتبر أن هناك عقبة أساسية لتحقيق رؤيته: إنها ياسر عرفات. وقد توصل رئيس الوزراء إلى قناعة أن لا إمكانية لمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولكن ذلك لم يُقلّل من كراهيته لعرفات. كان شارون ينظر إلى عرفات بوصفه الشخص الذي “أسّس نظاماً إرهابياً في المناطق التي حكمها. يُدرّب إرهابيين بطريقة منظمة ومرعية من الدولة ويُحرّضهم ويُموّلهم ويُجهّزهم ويُسلّحهم ويُرسلهم ليقتلوا في كل أنحاء إسرائيل”. هذا ما قاله شارون لوزير الدفاع الروسي سيرغي ايفانوف في مكالمة هاتفية، ووصف خلالها عرفات بأنه “مريض بالكذب، وقاتل أعطى الأوامر بقتل الأطفال والنساء والرضع”.

يتابع بيرغمان، “وضعت الاستخبارات “الإسرائيلية” يدها على حيز كبير من أرشيف ياسر عرفات عندما استولى الجيش “الإسرائيلي” على جزء من مقر قيادته في رام الله، وقد وفرت الملاحظات والمواد الموجودة فيه دعماً لاتهامات شارون، فقد أمر عرفات وبخط يده بنقل كميات كبيرة من الأموال لدعم النشاطات “الإرهابية” لحركة فتح. وكان الرئيس الفلسطيني والدائرة المحيطة به متورطين بكم من الفساد غير المسبوق. واشارت الوثائق إلى أن عرفات خالف بصورة متكررة وعوده لـ”إسرائيل” وللمجتمع الدولي في بناء دولة ديموقراطية حقيقية ذات إقتصاد عصري وقوة عسكرية واحدة. لقد فشل في تحقيق الإنتقال من زعيم منظمة حرب عصابات إلى زعيم دولة ديموقراطية وواصل إدارة السلطة الفلسطينية بنفس طرق الفساد والاستفراد ومنطق “فرق تسد” الذي كان يدير به منظمة التحرير الفلسطينية بهدف تأكيد بقائه كقائد فلسطيني”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الشرق الأوسط "المزعج" لأوباما: داعش عاصفة في فنجان! (5)