إيران وإسرائيل.. الحرب قد لا تبقى “في الظل”!

تمر العلاقات الأميركية-الإيرانية بأدق مرحلة منذ عام 2018، تاريخ إنسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة (الإسم الرسمي للإتفاق النووي لعام 2015)، وتنشيط "حرب الظل" بين إسرائيل وإيران مؤشر ينذر بتطورات قد تكون أخطر هذه المرة، نظراً إلى الأوضاع الداخلية السائدة في كل من الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. 

تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام عن العثور على آثار يورانيوم مخصب بنسبة 84 في المئة في منشأة فوردو الإيرانية المدفونة تحت جبل جنوب طهران، كان بمثابة جرس إنذار عبّر عنه مساعد وزير الدفاع الأميركي كولن كال بأن المدة الفاصلة بين طهران والقنبلة تقلصت إلى 12 يوماً، علماً أنه لم ينسَ التذكير بأهمية الإتفاق النووي الذي أبرمه باراك أوباما وجعل المسافة بين إيران والقنبلة عاماً بكامله.

ويهرع رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي إلى إسرائيل، ويلحق به وزير الدفاع لويد أوستن. سبقت ذلك زيارات لوزير الخارجية أنطوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير الإستخبارات المركزية الأميركية “سي أي إي” وليم بيرنز.

صحيح أن غليان الضفة الغربية يضعها على شفا إنتفاضة ثالثة في توقيت سيء للولايات المتحدة، لكن الملف الإيراني هو الأرجح ما يرمي إليه تكثيف التنسيق العسكري بين أميركا وإسرائيل. وفي كانون الثاني/يناير الماضي، وتحت ضجيج الحرب الروسية-الأوكرانية، أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل أوسع مناورة جوية بعيدة المدى بين الدولتين حتى الآن.. ولا شك أن الرسالة وصلت إلى طهران.

“ذا ناشيونال إنترست”: “الأكثر أهمية أن الطموح إلى مبادلة المُسيّرات وربما الصواريخ الباليستية الإيرانية بمقاتلات “سو-35″ الروسية المتطورة، يشكل حساباً قاتماً بالنسبة إلى الغرب. إن المبادلات العسكرية الحالية بين طهران وموسكو قد كشفت عن مشهد جيوسياسي جديد”

ثم أتى بعدها تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن العثور على اليورانيوم المخصب بنسبة 84 في المئة، أي أقل بـ6 في المئة فقط عن نسبة الـ90 في المئة الضرورية لحيازة مواد إنشطارية تصنع منها القنبلة النووية. إيران قالت إن الأمر ناجم “عن تقلبات لا إرادية” خلال عملية التخصيب، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تطالب بإيضاحات أوفى. ولهذه الغاية، طار المدير العام للوكالة رافييل غروسي إلى طهران وقابل الرئيس إبراهيم رئيسي ونظيره الإيراني محمد إسلامي.

وإذا إستطلعنا الحيثيات التي سبقت العثور على اليورانيوم المخصب بنسبة 84 في المئة، فإن هذا التطور أتى بعد إستئناف “حرب الظل”، والتي في سياقها قصفت مُسيّرة مصنعاً عسكرياً في أصفهان في 29 كانون الثاني/يناير الماضي، وفي 18 شباط/فبراير إتهمت إسرائيل إيران بقصف ناقلة نفط يملكها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب. وفي اليوم التالي، شنّت إسرائيل غارة على حي كفرسوسة بدمشق، قيل إنه إستهدفت إجتماعاً لخبراء إيرانيين وسوريين معنيين بملف المُسيّرات.

وناهيك عن “إقتراب” إيران من عتبة القنبلة النووية، فإن “حرب الظل” هذه المرة محفوفة بمخاطر الإنفلات إلى حرب إقليمية أوسع، وفق ما كتبت داليا داسا كاي في فصلية “الفورين أفيرز” الأميركية. هناك المأزق الداخلي الذي يعيشه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب الإصلاحات القضائية التي يحاول تمريرها لكف يد المحكمة العليا وجعل الكنيست يحكم في القضايا الأكثر مثاراً للجدل. هذا يضع إسرائيل على فوهة بركان داخلي لم تشهده منذ التأسيس. وإذا ما أضيفت التطورات المتسارعة في الضفة الغربية التي تدفع بإتجاهها حكومة أقصى التشدد الديني والقومي في إسرائيل، وصولاً إلى إقتحام المستوطنين لبلدة حوارة قرب نابلس والمخاطر التي قد تترتب على إطلاق يد المستوطنين كي يعيثوا فساداً في مدن الضفة وقراها، فإن مأزق نتنياهو يزداد تعقيداً. حوارة أنهت مفاعيل الإجتماع الأمني الإقليمي في العقبة.

بين الداخل الإسرائيلي والضفة الغربية، قد يختار نتنياهو الذهاب إلى إيران، في وقت يلمس تعاظماً في الإستياء الأميركي من طهران، في ضوء توسع العلاقات العسكرية الروسية-الإيرانية، ولا سيما تزود موسكو بالمُسيّرات الإيرانية. وفي هذا السياق، كتبت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن “روسيا في سبيلها إلى الحصول على المزيد من المُسيّرات المتقدمة، التي تُقارَن بمُسيّرات “بيرقدار تي بي2″ التركية، لأن أوكرانيا نجحت في التصدي للمسيرات الإنتحارية الأصغر، التي كان يتعين عليها الطيران على إرتفاع منخفض قبل أن تصل إلى أهدافها”.

وترى مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأميركية أن “الأكثر أهمية، هو أن الطموح إلى مبادلة المُسيّرات وربما الصواريخ الباليستية الإيرانية بمقاتلات “سو-35″ الروسية المتطورة، يشكل حساباً قاتماً بالنسبة إلى الغرب. إن المبادلات العسكرية الحالية بين طهران وموسكو قد كشفت عن مشهد جيوسياسي جديد. إن واشنطن وحلفائها يواجهون الآن محوراً أكثر نشاطاً وعدائية من أي وقت مضى”.

ولا ينحصر التعاون الروسي ـ الإيراني في الجانب العسكري، بل إن البلدين اللذين يرزحان تحت وطأة عقوبات غربية قاسية، عمدا في الأشهر الأخيرة إلى إقامة قنوات إتصال مالية مباشرة بين المصارف في الجمهورية الإسلامية وأكثر من 800 مؤسسة مالية في روسيا. ويأخذ تكثيف التنسيق العسكري الأميركي-الإسرائيلي هذا البعد العسكري المتنامي بين روسيا وإيران، في الإعتبار، لما يُمكن أن يترتب عليه مستقبلاً في المنطقة.

إقرأ على موقع 180  ألبير مخيبر وزيراً.. الرجل يصنع الكرسي لا العكس (3)!

ومنذ أيلول/سبتمبر الماضي، عندما إندلعت إحتجاجات هي الأوسع في إيران منذ عام 1979، على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من إحتجازها في مركز للشرطة بسبب الوضعية “غير المناسبة” لحجابها، لم يعد البرنامج النووي والنفوذ الإقليمي هما الملفان الخلافيان فقط بين الولايات المتحدة وإيران. أضيف إلى ذلك القيود التي فرضتها إيران على الإحتجاجات، من الإعدامات إلى الإعتقالات، ثم تفاقمت الأمور بعد تزوُد روسيا بالمُسيّرات الإيرانية.

يجري كل ذلك وسط غياب أي تواصل ديبلوماسي أميركي ـ إيراني منذ توقف المفاوضات النووية غير المباشرة بين الجانبين في العام الماضي، بإستثناء ما تسرب عن أكثر من إجتماع جمع مسؤول الملف الإيراني في الإدارة الأميركية روبرت مالي بالسفير الإيراني في الأمم المتحدة سعيد إيرواني، في نيويورك، مطلع السنة الحالية. وفي واشنطن، ثمة من يلوم إدارة جو بايدن على ترددها في التوقيع على إتفاق يحيي خطة العمل المشتركة الشاملة، لأنه مع وجود هكذا إتفاق، كان من الصعب على إيران أن تذهب إلى حد تزويد روسيا بالمُسيّرات.

في المقابل، أمعنت العقوبات الغربية الجديدة في تردي الوضع الإقتصادي في إيران وهوت بالريال إلى مستويات قياسية في مقابل الدولار الأميركي. يحدث ذلك برغم أن صندوق النقد الدولي أعلن قبل فترة قصيرة أن الصادرات الإيرانية من النفط قد زادت أكثر من الضعف منذ عام 2020، بعدما كانت بلغت أدنى مستوى لها عام 2020. ويذهب معظم النفط الإيراني إلى الصين، البلد الذي يعارض حملة الضغط الأميركية على الدول الأخرى. وبدّدت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مؤخراً للصين ما اعترى العلاقات الصينية-الإيرانية من تساؤلات، عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وما تخللها من تأسيس لعلاقات شراكة إستراتيجية بين بكين ودول الخليج.

زيارة غروسي إلى طهران ما كان لها أن تحصل في هذا التوقيت الذي يسبق إجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية، إلا في ضوء “مؤشرات إيجابية” رفعها خبراء الوكالة الذين يزورون طهران منذ الحادي والعشرين من شباط/فبراير الماضي

ومع ذلك، زادت الإضطرابات الداخلية في إيران من مخاوف الذهاب إلى صراع إقليمي أوسع في حال زادت وتيرة الضغوط الغربية عليها. كما أن الإهتزازات الداخلية جعلت القيادة الإيرانية حساسة حيال أي تطور إقليمي. مثلاً، عبّرت طهران علناً عن الإنزعاج حيال إستثنائها من عملية تطبيع العلاقات التركية-السورية برعاية روسية. فكيف يُمكن أن يكون الرد الإيراني في مثل هذه الظروف الدقيقة على عملية إسرائيلية قد تعتبرها طهران تغييراً في قواعد اللعبة وخارج نطاق “المعركة بين الحروب”؟

إن الرفع “غير المقصود” لنسبة تخصيب اليورانيوم، قد يكون من بين الرسائل التي ترد بها طهران على رسائل التنسيق العسكري الأميركي-الإسرائيلي المتزايد وعلى العقوبات الأميركية التي تلحق ضرراً فادحاً بالإقتصاد الإيراني.

كل هذه العوامل تساهم في إحتدام الصراع الإقليمي وتُشرّع باب التساؤلات عما سيلي موت الديبلوماسية بين أميركا وإيران، إلا إذا برزت تطورات مفاجئة يُمكن أن ترسم مسارات جديدة، خاصة أن زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافييل غروسي إلى طهران ما كان لها أن تحصل في هذا التوقيت الذي يسبق إجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية، إلا في ضوء “مؤشرات إيجابية” رفعها خبراء الوكالة الذين يزورون طهران منذ الحادي والعشرين من شباط/فبراير الماضي، وهي المؤشرات التي إستدعت توجيه دعوة إيرانية إلى غروسي لزيارة طهران. ولعل البيان المشترك بين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس (السبت)، بمضمونه الإيجابي، يصب في هذا الإتجاه، فضلاً عن إعلان غروسي أنه لمس خلال الزيارة وجود إرادة جدية لدى الإيرانيين لإعادة إحياء الإتفاق النووي.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الاتفاق النووي سيُوقّع.. ماذا عن غير المُوقّع؟