“مزاج” أكراد تركيا.. يتحكم بمستقبل إردوغان

بدأت الحملات الانتخابية في تركيا تستعر. يوشك أثر زلزال السادس من شباط/فبراير أن ينتهي في الفضاء التركي العام. كل ما يعني الأتراك الآن هو مصير رجب طيب إردوغان، ونتائج الانتخابات المقبلة، ورصد "المزاج" الانتخابي للأكراد.

مصير إردوغان في تولي رئاسة الجمهورية التركية مرهون بفوزه بالانتخابات المقبلة في 14 أيار/مايو. هي المنازلة الديموقراطية الأخيرة التي سيخوضها، وفي حال فوزه بها، أمّن لنفسه ولحزبه خمس سنوات جديدة في الحكم.

يريد رجل تركيا الأقوى أن يحتفل بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية في نهاية هذا العام وهو متربّع على السلطة. هذا هو حلم إردوغان الذي غالباً ما يُعبّر عنه بلا خجل.

غير أن الأحلام شيء، والوقائع شيء آخر. الفوز بالانتخابات صعب هذه المرة وإن لن يكون مستحيلاً. يواجه إردوغان تحالف ستة أحزاب معارِضة لا مشترك بينها سوى هدف إسقاطه، فيما ينحو الخطاب السياسي والانتخابي إلى المعادلة التالية: إما مع إردوغان وإما ضده. قلة تسأل عن برنامج المعارضة الانتخابي أو مشروعها إن حقّق مرشحها، كمال كيليتشدار أوغلو، الفوز، أم إن كانت ستبقى متحدة أو ستختلف وتتناتش المقاعد الوزارية والإدارية لاحقاً.

أبعد من إردوغان وأخصامه السِتة، تنحو الأنظار حول موقف الأقلية الكردية في تركيا، إذ أن أصواتها باتت، في المنازلة الإنتخابية المرتقبة، مفصلية، ويمكنها، دون شك، أن ترجّح كفة إردوغان أو كفة خصومه.

ليس الأكراد في تركيا كتلة شعبية أو ناخبة واحدة. الانقسام السياسي فيما بينهم أكبر حتى من الانقسام بين الأتراك أنفسهم. في المجتمع الكردي إسلاميون موالون لإردوغان، وإسلاميون متشددون موالون لحزب “السعادة” المعارِض. كما أن هناك “حراس القرى” والعشائر الكردية المتحالفة مع الجيش التركي منذ العام 1985، والعاملة كجناح شبه عسكري في قمع الطموحات القومية الكردية. إضافة إلى ذلك، هناك القوميون واليساريون الذين يدورون في فلك حزب “الشعوب الديموقراطي”، وهو الحزب الأبرز والأقوى في المجتمع الكردي في تركيا، والذي يتمتع بحوالى 10 بالمئة من مجمل أصوات الأتراك في استطلاعات الرأي الحديثة. هذا دون أن ننسى فئة الموالين لحزب “العمال الكردستاني”، وزعيمه الأبدي عبدالله أوجلان المعتقل منذ العام 1999 في السجون التركية، والكارهون لإردوغان وكيليتشدار أوغلو على حد سواء.

الملعب الإنتخابي إذاً مفتوح لخطب وِد الأكراد واستمالتهم انتخابياً، أكان من إردوغان نفسه أم من الأحزاب السِتة. هؤلاء يبدون أكثر دهاءً حتى الآن، إذ أن هذه الأحزاب قد إتخذت مواقف مقبولة من الشارع الكردي، فاعتبروا أن لا مانع من الالتقاء مع “الشعوب الديموقراطي”، كما لا مانع من إجراء بعض الإصلاحات القانونية التي تُعطي الأكراد المزيد من الحقوق المُستحَقة

القسم الأكبر من أكراد تركيا يعتبر نفسه جزءاً لا يتجزأ من “القومية” التركية. هؤلاء، وعددهم ليس بقليل، تم تتريكهم في القرن الماضي. هم “ضحايا” السياسات “الأتاتوركية” الماضية التي كانت ترفض وجود أي شعب اسمه أكراد وأي قضية اسمها “القضية الكردية”، فكانت تسميهم “أتراك الجبال”، للدلالة على أن هؤلاء قد تناسوا هويتهم التركية الأصيلة، ويجب إعادة تتريكهم من جديد و”دمجهم في حضارة المُدن”.

هذا التنوّع والتشتت الانتخابي في آن معاً، يفيد إردوغان وخصومه على حد سواء، إذ يجهد الطرفان للظفر بأصوات الأكراد، خاصة وأن حزب “الشعوب الديموقراطي” قد أعلن رسمياً أنه لن يُرشّح أحداً إلى رئاسة الجمهورية كما كان يفعل في الماضي، وسيكتفي بخوض الانتخابات النيابية فقط.

الملعب الإنتخابي إذاً مفتوح لخطب وِد الأكراد واستمالتهم انتخابياً، أكان من إردوغان نفسه أم من الأحزاب السِتة. هؤلاء يبدون أكثر دهاءً حتى الآن، إذ أن هذه الأحزاب قد إتخذت مواقف مقبولة من الشارع الكردي، فاعتبروا أن لا مانع من الالتقاء مع حزب “الشعوب الديموقراطي”، كما لا مانع من إجراء بعض الإصلاحات القانونية التي تُعطي الأكراد المزيد من الحقوق المُستحَقة.

لا يعني ذلك، في مطلق الأحوال، أن الأكراد سيلهثون للعمل لصالح الأحزاب الستة، خاصة وأن بينهم “الحزب الجيد”، القومي في العقيدة والممارسة، والمعادي للأكراد بشكل عام. كما أن إردوغان قد قدّم، طوال فترات حكمه، الكثير من “المكرمات” الرئاسية والتشريعات القانونية التي تعطي الأكراد بعض الحقوق، ومنها الاعتراف بالمشكلة الكردية وهو انحاز في مرحلة أولى إلى العمل على تسويتها سلمياً قبل أن يعود إلى تبني الحل العسكري، كما قرّر السماح لهم بتأسيس الجمعيات والمحطات الإعلامية الناطقة بالكردية، كما التكلم بلغتهم في المحاكم والشارع والإدارة الرسمية، والأهم هو الحق في تعلّم لغتهم الخاصة في المدارس الرسمية.

ولا تغيب “الحرب” الدائرة بين الجيش التركي من جهة والموالين لـ”حزب العمال الكردستاني” من جهة أخرى، عن تشكيل “مزاج” انتخابي كردي. هذه “الحرب” المصغّرة، تدور في جبال الأناضول الشرقية منذ ثلاث سنوات بين متمردين أكراد يقطنون الجبال، وبين الجيش التركي الذي يسعى للقضاء عليهم. وغالباً ما تتسبب الاشتباكات بين الطرفين في وفاة أطفال مخطوفين في الجبال، أو تؤدي إلى تفجيرات وعمليات أمنية في القرى والمدن ذات الأغلبية الكردية يكون ضحاياها عادة من المدنيين.

إقرأ على موقع 180  مصارف لبنان تدفع ثمن توسعها.. العراق نموذجاً

هذه المواجهات المتنقلة هي استمرار للحرب الدائرة بين الطرفين منذ العام 1984، وهو تاريخ إعلان عبدالله أوجلان الثورة على الحكم التركي والدعوة إلى تأسيس دولة كردستان. هذه المواجهات، تقسم المجتمع الكردي بين حالم بدولة كردية يأمل أن ترى النور مستقبلاً، وبين واقعي يرى أن الأفضل هو الإندماج بالدولة التركية والإستفادة من تقديماتها وأولها توفير فرص العيش الكريم. القسم الأول لن ينتخب لا إردوغان ولا كيليتشدار أوغلو، لأن الإثنين يحملان فكراً قومياً بشكل أو بآخر. فيما القسم الثاني، سيُوزّع أصواته بين المرشحين المتنافسين على رئاسة الجمهورية.

من ناحية أخرى، يبدو حزب “الشعوب الديموقراطي” أكثر ميلاً لانتخاب مرشح أحزاب المعارضة، لا حباً بها إنما كُرهاً بإردوغان، فيما عدم ترشيحه لأحد في الانتخابات الرئاسية هو تعبير عن هذا الميل. علماً أن حزب “الشعوب الديموقراطي”، اليساري الفِكر، يواجه موجة من الانتقادات من حزب إردوغان، كما يواجه إمكانية حلّه قانونياً بتهمة “الترويج الدعائي لحزب العمال الكرستاني” المُصنّف بـ”الحزب الإرهابي” في تركيا.

إن تصويت حزب “الشعوب الديموقراطي” الذي يمثل 10 بالمئة من أصوات الأتراك لمرشح المعارضة المدعوم من سِتة أحزاب، سيجعل مهمة إردوغان أصعب، ومستقبله السياسي في خطر حقيقي.

الجدير ذكره أن عدد الناخبين الأكراد يُقدّر بنحو 15 مليون صوت من أصل 65 مليون ناخب تركي، وبالتالي يُقارب صوت الأقلية الكردية حدود الـ 25%، ولذلك، يتهافت المرشحون على نيل هذا الصوت، برغم عدم تجانسه، نظراً لقدرته على إحداث فارق في نتائج الإنتخابات.

Print Friendly, PDF & Email
تركيا ـ جو حمورة

كاتب لبناني متخصص في الشؤون التركية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "قلّن إنّك لبناني"..!