حكومة نتنياهو و”خيار شمشوم”.. في غزة!

لم تكن المجزرة المروعة التي ارتكبها العدو الصهيوني في غزة، أمس الأول، مجرد عملية اصطياد لثلاثة قادة بارزين من حركة الجهاد الإسلامي مع أفراد عائلاتهم من نساء وأطفال، بل هي تؤشر إلى أن حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو قررت أن تلجأ إلى “خيار شمشوم" ("عليَّ وعلى أعدائي") بسبب الحصار الذي تعيشه داخلياً وإقليمياً ودولياً.

في الشكل، نفذ الهجوم سرب من المقاتلات الحربية “الإسرائيلية” مؤلف من أربعين طائرة، أي أنها وضعت في الحسبان إحتمال التدحرج. وفي الشكل أيضاً، فإن القادة الثلاثة، وبحسب رواية مصادر الجهاد الإسلامي، قد خرجوا من مخبأهم لأنهم كانوا يتهيأون للتوجه الى مصر، سواء بوصفها معبراً إلزامياً للإنتقال منها إلى أي مكان آخر، أو بحكم متابعة القيادة المصرية للشأن الفلسطيني، ما جعلهم يعتبرون ان الإحاطة المصرية تُشكّل حصانة لهم. وبالتالي فان الغارة ضربت عرض الحائط العلاقات مع مصر برغم أهمية الدور المصري في تهدئة الأوضاع في هذه الجولة وغيرها من الجولات.

في الشكل، ركّز الإعلام “الإسرائيلي” على دور حركة حماس وتم تدبيج عشرات التقارير حول عملية عسكرية وشيكة في الضفة، كما تم التركيز على البنية التحتية لحركة حماس في جنوب لبنان، ودور قادة حمساويين، لكن الرد “الإسرائيلي” لم يكن لا في لبنان ولا في الضفة بل في غزة نفسها وضد رموز حركة الجهاد، وهذه العملية التمويهية صارت مألوفة.. وحتماً لم تكن معظم الفصائل الفلسطينية في حالة استرخاء.

وأيضاً في الشكل، سبقت ساعة الصفر موجة تسريبات في وسائل الاعلام الصهيونية تفيد بأن بنيامين نتنياهو قد أمر الأجهزة الأمنية لديه باستئناف العمليات الموجهة لاغتيال قادة فلسطينيين، وان حكومته جاهزة للرد على أي رد فعل تقوم به المقاومة الفلسطينية. ولم تكن هذه التسريبات لتنشر لو لم يكن هناك إرادة رسمية بنشرها، وفي ذلك ما يشبه الدعوة المباشرة للمقاومة للجوء الى الخيار العسكري الفوري ضد الكيان.

أما في المضمون، فلا بد من قراءة الظروف المرافقة لمثل هذا الهجوم المجرم، وهي بمجملها تشكل حصارات قاسية على القيادة الصهيونية. بداية من الحصارات الداخلية بشقيها الأول هو “إسرائيلي/إسرائيلي” يتمثل بالتظاهرات اليومية التي تعم مدن فلسطين المحتلة منذ أكثر من 19 أسبوعا ضد مشروع ما يسمى بـ”الإصلاح القضائي” الذي يهدف الى وضع الحكومة يدها على السلطات القضائية، والثاني فلسطيني/”إسرائيلي” يتمثل بتصاعد العمليات الفدائية التي تنفذها مجموعات فلسطينية ناشئة لا علاقة لها بالمنظمات الفلسطينية التقليدية والتي باتت تضرب في تل أبيب والقدس وليس فقط في مدن الضفة الغربية وقراها.

المسألة تتجاوز واقعة بعينها وصولاً إلى محاولة رسم قواعد إشتباك جديدة قوامها إلتزام “إسرائيلي” للمصريين بالتوقف عن الإغتيالات مقابل توقف هذه الجولة التي أظهرت فيها قوى المقاومة مجتمعة قدرة على الفاعلية بدليل مئات الصواريخ التي إنطلقت وأصابت العمق “الإسرائيلي” (تل أبيب)، وما تزال عملية “ثأر الأحرار” التي أطلقها المقاومون مستمرة لليوم الثاني

هذا في الداخل، اما إقليميا ودولياً؛ تعيش الحكومة “الإسرائيلية” الحالية حالة حصار خانق، بدأ من الخلاف الواضح مع الإدارة الامريكية بقيادة الرئيس جو بايدن الذي وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة أشهر على وجود نتنياهو في رئاسة الحكومة لم يوجه إليه الدعوة لزيارة البيت الأبيض على جاري عادة العلاقة بين البلدين والقيادتين، وفي ذلك مؤشر على تردي العلاقة، بالإضافة الى الموقف الأمريكي الذي أعرب عنه بايدن علنا في رفض التعديلات القضائية التي يقترحها نتنياهو. اما العلاقة مع الاتحاد الأوروبي فليست بأفضل منها مع أمريكا، اذ ان الاتحاد الأوروبي بدأ يُعبّر عن نفاذ صبره من ممارسات الحكومة اليمينية المتطرفة في قمع الشعب الفلسطيني وفي سياسة الاستيطان الى درجة ان قيادة الاتحاد ألغت احتفالا كان مقررا في تل ابيب أمس الأول بسبب إصرار الحكومة على ارسال وزير الامن ايتمار بن عفير لتمثيلها وهو شخصية غير مرغوب بها أوروبيا.

اما الطامة الكبرى إقليميا ودوليا فهي الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، وهو الإتفاق الذي شكّل ضربة قاسية لكل سياسات التطبيع التي كانت تراهن عليها القيادة الصهيونية، وبالمعنى الاستراتيجي للموضوع فان هذا الاتفاق ضرب الفكرة التي عملت عليها “إسرائيل” برعاية أمريكية على مدى يزيد عن عقد ونصف العقد من الزمن وهي ان العدو الرئيسي للعرب عموما ودول الخليج خصوصاً هو إيران وما يندرج في خانة “اذرعتها” في المنطقة، من حزب الله في لبنان الى حركات المقاومة في فلسطين مروراً بالحوثيين في اليمن.

وما زاد من شعور القيادة الصهيونية بالحصار هي الخطوات المتسارعة لتنفيذ الاتفاق السعودي الإيراني على امتداد بؤر الصراع من اليمن الى العراق وسوريا وربما لبنان، بحسب وسائل الاعلام العبرية. وفوق كل ذلك خروج الرئيس بشار الأسد، منتصرا مما يمكن تسميتها “الحرب الكونية” التي شُنّت على بلاده منذ أكثر من عقد من الزمن.

امام هذه الخريطة الاستراتيجية قد يبدو للقيادة السياسية للعدو ان “خيار شمشوم” هو المخرج الوحيد لها لإعادة توحيد الوضع الداخلي لديها ولخلط الأوراق في المنطقة عبر حرب تكون سريعة بحسب تقديراتها، غير ان قرار الحرب من حيث الشكل يتخذ في الحكومة الصهيونية المصغرة لكنه في المضمون يحتاج الى موافقة القيادات العسكرية أولا وموافقة الإدارة الامريكية ما قبل أولا، حتى لا نقول ثانيا. وهنا من الواضح ان هذين العنصرين لا يمكن ان يوافقا على هكذا قرار في الأوضاع الراهنة.

إقرأ على موقع 180  إلى البعض من أحبتي اللبنانيين.. لسنا في موناكو!

فالقيادة العسكرية الصهيونية تعاني من الارباك الناجم عن التظاهرات الداخلية بسبب انحياز اعداد من عسكرها الى طرف المتظاهرين بالإضافة الى تقديراتها انها غير قادرة على تحقيق انتصار بائن في اية حرب تخوضها ضد المقاومة في لبنان فكيف إذا كانت تلك الحرب ستشمل جبهات أخرى من غزة الى سوريا. وقد كانت “البروفه” التي قدمتها قوى المقاومة في المنطقة في الشهر الماضي نوعا من الدرس والرسالة للقيادة الصهيونية عندما انطلقت الصواريخ من غزة وجنوب لبنان والجولان كما من غور الأردن بالإضافة الى عثور الجيش المصري على راجمة صواريخ في شبه جزيرة سيناء موجهة الى المستوطنات الصهيونية. وفوق كل ذلك هناك النفوذ الامريكي داخل المؤسسة العسكرية نفسها والذي لا يستهان به ابدا، اذ من غير الوارد على هذه القيادة اتخاذ قرار الحرب من دون الاستناد الى دعم امريكي واضح سياسيا وعسكريا.

اما عن الموقف الأمريكي فان انشغال أمريكا في حرب أوكرانيا (فتح كل مستودعات السلاح الأمريكية في إسرائيل والأردن وغيرهما لمصلحة دعم الجيش الأوكراني) وفي المواجهة الفاترة مع الصين في جنوب شرق اسيا وبحر الصين وعلى مقربة من تايوان بالإضافة الى علاقتها السيئة مع نتنياهو يجعلها غير متحمسة ابدا لفتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط. من هنا فان “خيار شمشوم” قد لا يكون متاحا ايضا لنتنياهو.

هل يعني ذلك ان المقاومة ستكتفي برد صاروخي على اغتيال قادتها؟

المسألة تتجاوز واقعة بعينها وصولاً إلى محاولة رسم قواعد إشتباك جديدة قوامها إلتزام “إسرائيلي” للمصريين بالتوقف عن الإغتيالات مقابل توقف هذه الجولة التي أظهرت فيها قوى المقاومة مجتمعة قدرة على الفاعلية بدليل مئات الصواريخ التي إنطلقت وأصابت العمق “الإسرائيلي” (تل أبيب)، وما تزال عملية “ثأر الأحرار” التي أطلقها المقاومون مستمرة لليوم الثاني على التوالي، وسط ذهول قادة الكيان.

هل يمكن أن يتحرج الموقف أكثر؟

ليس مستبعداً الانجرار الى حرب صغيرة ستكون أولى مفاعيلها الإطاحة بحكومة نتنياهو اليمينية، لان الإدارة الامريكية الراهنة من مصلحتها اغراق نتنياهو للتخلص منه.

بمعزل عن كل هذه الأمور فقد اثبتت المقاومة في كل من فلسطين ولبنان انها باتت تتمتع بغرفة عمليات عسكرية مشتركة وبتنسيق دقيق في كل التفاصيل وبقيادة حكيمة تجعلها تتخذ القرار الصائب لمواجهة الحالة الاستثنائية التي نعيشها والتي يبدو فيها ان الكيان دخل النفق الذي يؤدي الى الذوبان ان كان حربا او عبر تسوية ستكون شروطها اقسى عليه مما يتصور.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  حسابات بوتين محكومة بنظرة.. ثلاثية الأبعاد