الصحافة العبرية عن عملية جنين: “حبة أسبيرين”!

قلّلت معظم تعليقات الصحافة الإسرائيلية من قيمة "الإنجاز" الذي حاولت حكومة بنيامين نتنياهو تصويره من خلال تنفيذها ما أسمتها "عملية بيت وحديقة" في جنين، لا سيما أن هكذا خطاب لم يعد مُقنعاً للمستوطنين ولا يُشعرهم بالأمان في المقبل من الأيام.

منذ سنة ونصف ينشط المقاومون الفلسطينيون في ابتكار وتنويع طرق مواجهتهم للعدو الإسرائيلي، سواء في الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر، ولم تمنعهم عملية “درع ورمح” وقبلها “السور الواقي” من الاستمرار في تدفيع جيش الكيان ثمن اعتداءاته على الفلسطينيين. حتى أمسى في الوعي الجمعي الإسرائيلي أن هؤلاء المقاومين الجدد لا يمكن التخلص منهم طالما هناك بيئة حاضنة لهم.

وعليه، يطالب المستوطنون بعملية “سور واقِ” ثانية في الضفة الغربية، تُعيد صناعة حالة الأمان والاستقرار بنظرهم، وتستأصل البنى التحتية لـ”لإرهاب”، فيما ينبري صوت أكثر من محلل إسرائيلي للتحذير من أن هذه “الجولات” الإسرائيلية القتالية قد تؤدي في لحظة ما إلى إستدراج كل “الساحات” للتضامن مع الضفة الغربية.

وكان لافتاً للإنتباه أن المستوى السياسي الإسرائيلي حاول إيجاد توازن ما بين ما يطلبه المستوطنون وبين تقديرات الجيش و”الشاباك”، فكانت عملية “بيت وحديقة” محدودة بالمكان والزمان والأهداف. برغم حشد كمْ كبير من المدرعات والطائرات المروحية والمُسيّرة، وأكثر من ألف جندي تناوبوا على العمل خلال ساعات القتال.

والمفارقة هنا، أن الجيش الإسرائيلي اعتمد كثيراً على الغارات الجوية وعمليات القصف والاغتيال، وهذا ما يؤشر إلى أن الضفة بات أمر احتواء معادلاتها ومقاتلة مقاوميها مسألة معقدة ولا تختلف كثيراً عن المواجهات في غزة وعلى الحدود الشمالية.

وزيارة نتنياهو إلى موقع “سالم” العسكري القريب من ساحة المعركة، هدفت إلى رفع الروح المعنوية لدى المستوطنين لكنها لم تؤتِ أُكلها، وكانت أشبه بتمثيلية على مسرح روماني.

تسفي برئيل: “البضاعة التي يبيعها رئيس الحكومة “هي بضاعة قديمة وكاذبة ومسمومة وخطِرة. التهديد الحقيقي يكمن في عدم الثقة الذي تحول إلى بنيوي في كل ما تدّعي هذه الحكومة أنها تفعله، وفي الأهداف التي تسوّقها”

وفي زحمة التهليل والتبجيل بإنجازات جيش الاحتلال، ناقش المحلل السياسي في “يسرائيل هيوم”، غرشون هكوهين، البعد السياسي لهجوم الجيش و”الشاباك” فجر الإثنين الماضي على مخيم جنين، والذي استمر نحو 48 ساعة، وأسفر عن ارتقاء 12 شهيداً، واعتبر ما أُنجز لا يعدو أكثر من “انجاز تكتيكي ينتظر أفقاً سياسياً”. ويضيف الكاتب “أن الكثير من المحللين يتنكرون بقدر كبير للمعنى السياسي لـ “الإرهاب” المتجدد في السنة الأخيرة في أرجاء “المناطق”. فتعاظم “الإرهاب”، مع وفرة السلاح المهرب من الأردن، هو الذي يدل على القيود الأساس التي يفترض بدولة إسرائيل أن تفرضها على كل مسار ممكن لأفق سياسي يُملى عليها من الأسرة الدولية”.

فيما يناقش زميله في “هآرتس”، عاموس هرئيل، المنحى الأمني، ويقول “أثبتت أيام العملية قدرة الفلسطينيين على إخراج عمليات انتقام إلى حيز التنفيذ، ومنها عملية الطعن في بني براك وعملية الدهس والطعن في تل أبيب”، ويضيف الكاتب “تصرف المسلحون حسب قواعد حرب العصابات، وفي المكان الذي كان فيه ضعفهم واضحا فقد اختاروا عدم الاشتباك”.

وطال ليف رام، الكاتب في “معاريف”، يبدو متشائماً، ولا يرى أن ما يقوم به جيش الاحتلال في شمال الضفة يُشكل حلاً ناجعاً، ويقول “توصيفات الاجتياح متواضعة، والفهم هو أن حملة واحدة، مهما كانت ناجحة، لن تحل مشكلة “الإرهاب” في الضفة. وذلك حين تكون المسألة العسكرية هي فقط عنصر واحد في مسائل معقدة أخرى تؤثر على الاستقرار الأمني في الميدان فيما فقدت السلطة الفلسطينية في شمال “السامرة”، وأساساً في جنين، سيطرتها السلطوية والأمنية في المنطقة”.

ويتفق معه المحلل السياسي في “هآرتس” تسفي برئيل بقوله إن البضاعة التي يبيعها رئيس الحكومة “هي بضاعة قديمة وكاذبة ومسمومة وخطِرة. التهديد الحقيقي يكمن في عدم الثقة الذي تحول إلى بنيوي في كل ما تدّعي هذه الحكومة أنها تفعله، وفي الأهداف التي تسوّقها”.

غيورا آيلند، الكاتب في “يديعوت” يقول إنه فيما يتجه الانتباه الآن الى جنين، “لكن من المحظور أن ننسى بان التهديد العسكري الأكبر هو “حزب الله”، ويعتبر أن إقامة خيمتين في الجانب الإسرائيلي من الحدود الشمالية (مع لبنان) في هاردوف هو مؤشر، محذرا بالتالي من أن إيران “تتطلع الى توحيد الساحات ضد إسرائيل. وهي تشعر بأن مكانتها المتحسنة تخلق الفرصة لخطوة كهذه. من المهم أن نعرف، حتى عند التركيز على جنين، كيف نشخص ميولاً أكبر وأكثر خطراً”.

بدوره، المحلل السياسي في “يديعوت أحرونوت” آفي يسخروف يرى أن العملية في جنين هي عبارة عن إعطاء مريض ميؤوس من شفائه حبة أسبيرين، ويضيفيمكن وصف العملية في جنين بأنها من العمليات الناجحة سياسياً بالنسبة إلى نتنياهو. وليس عبثاً أن نراه يكبّد نفسه عناء التقاط الصور في ضواحي جنين وإظهار وجوده. الإصلاح يمكن أن يتسلل ببطء، الاحتجاج أصبح أقل إثارة للاهتمام، وربما صور القتلى من جنين ستمنح حكومته غير المستقرة بضعة أسابيع أو أشهر من الاستقرار”.

إقرأ على موقع 180  عشائر سوريا والمشروع الأميركي: هل المواجهة حتمية؟

“لا يمكن أن نتوقع من الحكومة الحالية، التي جوهرها تأبيد سيطرة إسرائيل على الضفة والقضاء على إمكان الوصول إلى تسوية، أن تعمل لتقوية الشريك الممكن في رام الله (محمود عباس). (…) ويجب أن يتذكر إسقاطات سياسة إسرائيل؛ سُلطة فلسطينية ضعيفة تعني “إرهاباً” قوياً يقوم في هذه المرحلة بصناعة محميات كتلك الموجودة في جنين، ستفرض على سلاح الجو وأفضل الوحدات في الجيش أيضاً التعامل معها، وفي المرحلة القادمة يمكن أن يدفع قدماً بهجمات قاسية ويشعل حريقاً كبيراً”، كما يقول عوفر شيلح، الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي”، وعضو الكنيست السابق.

من ذلك نفهم، أن تحقيق الأمان للإسرائيليين، سواء في دولة الكيان المزعومة، أو في المناطق التي إحتلت عام 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة)، أمر فيه استحالة طالما هناك من بمقدوره أن يشعل الجبهات المتعددة، سواء من يشعل كان تنظيماً مقاوماً أو مجموعات وكتائب مستحدثة على غرار “عرين الأسود” وأخواتها التي قد تظهر في غير مكان من الضفة، سواء في شمالها وربما في جنوبها أيضاً.

جنين بمدينتها ومخيمها؛ بحاضرها وماضيها حاضرة في الذهن الإسرائيلي، ولها رمزية خاصة في المقاومة والصمود. شكلت حصناً منيعاً عنيداً أمام العصابات الصهيونية، وقبلها كانت معقلاً للثورة الفلسطينية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي، ما دفع أحد المستشرقين الإسرائيليين إلى القول “إنها كانت عصية على نابليون قبل 200 سنة وقام بحرقها”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية وصحيفة “الأيام” الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  لبنانيون يعترفون بمرارة: نستحق هذا البؤس!