عندما نُشِر أول مقال لي في صحيفة “السفير”، اعتبرته إجازة من رئيس تحرير “السفير” لدخولي عالم الصحافة العربية من بابه الواسع. من بعدها، صرت أتباهى بمقالاتي وأتحدث بفخر واعتزاز عن “السفير” وطلال سلمان، وحتماً يصعب عليك أن تفصل بين الإثنين.
عندما زرت الأستاذ طلال في في “السفير” للمرة الأولى، شعرت أن هذا المكتب يختصر تاريخاً لبنانياً وعربياً غنياً جداً. إستضاف آلاف الشخصيات السياسية والثقافية وقامات إعلامية وإجتماعية وفنية. لكل زاوية في مكتبه حكاية، لكن القاسم المشترك هو نكهة العروبة وفلسطين.
صدقني يا أستاذ طلال لو عُدتَ اليوم مُجدداً وجلستَ في مكتبك لكنت أنا من بين أولئك الذين سيقفون مرات ومرات لكي ألقي السلام عليك تماماً كما فعلت أنت عند لقائك الأول مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في دمشق.
لا أعلم مدى الألم والحزن الذي تحملته بمفردك عندما أطفأت شمعة صحيفة “السفير”، في مطلع العام 2017، لكن الأكيد أن حزناً عميقاً كنت تخفيه خلف كل ابتسامة رسمتها على مبسمك منذ ذلك اليوم وحتى الرمق الأخير، فكيف للأشجان أن تفارق روح وجسد إنسان دفن ولده في ربيعه الثالث والأربعين؟ كيف وأنت من فضّل أن يُضحي بروحه على أن يستسلم لرغبات خفافيش الليل والظلام؟ كيف وأنت قاومت بشهامة حيل الخصوم حتى آخر نفس حتى يرقد جسدك في مثواه الأخير وهو مُحمّل بكم هائل من الجراح والخيبات.
لو تعلم يا أستاذ طلال كم أشعر بالأسى وأنا أكتب هذه الكلمات.. وأنت أكبر من أن تكون بحاجة إلى دموعنا. كنتُ أتمنى أن يكون قلمي هذا في يد فنان مثلك فالروح تحتاج إلى غذاء من النوع الذي لا يجيد تحضيره إلا عظيم مثلك.
أبا أحمد؛
حين أطفأت شمعة “السفير” لم تخدعك أموال السياسيين ولا وعودهم وفضّلت أن تكون ذاك الرجل الذي لا يبيع مواقفه وقناعته ووطنيته فكان القرار الأصعب والأغلى والأخطر: إغلاق صحيفة “السفير”. كانت المرة الأولى التي يُوارى فيها طلال سلمان الثرى، فمنذ ذلك اليوم سقيتنا الحزن أكواباً لكنك رفضت أن يقع القلم الذي طالما كان علماً شامخاً في لبنان وكل العالم العربي.
أستاذ طلال؛
منذ أن عرفتك لم تتبدل ولم تتغير ولم تتخل أبداً عن مبادئك الراسخة، وبرغم أنك قرّرت أن تترجل عن قمة عالم الإعلام التي كنت على رأسها لسنوات خلت، إلا أنك تبقى الأستاذ طلال سلمان الذي عرفناه مناضلاً صلباً لا يُهادن ولا يُساوم.
أستاذي؛
أنت وُوريت الثرى مرتين، وأطفئت شمعة روحك مرتين؛ مرة عندما أطفأت بيديك شمعة “السفير” ومرة أخرى حين أغمضت عينيك للأبد ولبيت دعوة الباري لتراقب من عليائك صراع الحق والباطل.
كم أتمنى أن أرى وليدتك صحيفة “السفير” تجعل من سيرة مؤسسها ركيزة لإنطلاقة جديدة حتى نعيد لمهنة الصحافة إعتبارها بروح العصر الجديد.