“فورين بوليسي”: “الناتو” الآسيوى.. بمواجهة “الخطر الصيني”

نشرت مجلة "فورين بوليسى" مقالا للكاتب مايكل جرين، أوضح فيه لماذا يرى البعض فى تشكيل تحالف أمنى آسيوى شبيه بالناتو ضرورة، نظرا لاضطراب القوى العظمى.. إذ يشهد العالم صعودا مقلقا للصين مع فقدان أمريكا لتفوقها العسكرى فى المجال البحرى. لكن هذا لا يمنع تخوف قادة بعض الدول من احتمالية الانجرار إلى صراع لا تحمد عقباه إذا أُسس هذا التحالف، وما بين داع ومحذر من تأسيس هذا التحالف. نعرض من المقال ما يلى:

بداية، يقول كاتب المقال إن التحالفات التى تؤسسها إدارة جو بايدن مع شركاء الولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ وصلت إلى الذروة. ولمزيد من التوضيح فقد بدأت الإدارة الأمريكية الأمر مبكرا مع رفع مستوى الحوار الرباعى بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند إلى مستوى مؤتمرات القمة المنتظمة. ثم، فى أيلول/سبتمبر 2021، تم التوصل إلى اتفاق ثلاثى للأمن بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة «أوكوس» (AUKUS) لإنتاج غواصات تعمل بالطاقة النووية لأستراليا والتعاون فى أبحاث القدرات المتقدمة مثل الأسلحة التى تفوق سرعتها سرعة الصوت والحوسبة الكمومية.
بالتوازى، أصدر الناتو مفهومًا استراتيجيًا جديدًا فى حزيران/يونيو 2022، والذى حدّد الصين كأولوية استراتيجية بالغة الأهمية. لذا، بدأ الاتحاد الأوروبى فى دعوة زعماء أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية لحضور مؤتمرات القمة السنوية. وفى الشهر الماضى، استضاف الرئيس الأمريكى جو بايدن رئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا والرئيس الكورى الجنوبى يون سوك يول فى كامب ديفيد للبناء على المصالحة اليابانية الكورية الجنوبية الأخيرة. وقد أسفرت القمة عن تعهد ــ باستخدام لغة ترتبط عادة بمعاهدة دفاع جماعى ــ بالتشاور فى حالة حدوث طوارئ أمنية.
وبعد قمة كامب ديفيد، رد مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيك سوليفان على التكهنات حول نوايا الولايات المتحدة بتشكيل «حلف شمال الأطلسى الجديد لمنطقة المحيط الهادئ» بالنفى الصريح.
قد لا تكون لدى الولايات المتحدة والحكومات الشريكة النية فى السعى إلى إنشاء حلف شمال الأطلسى الآسيوى اليوم، ولكن الجغرافيا السياسية التى تتكشف فى المنطقة تجعل هذا الخيار أكثر قبولا مما كان عليه طوال سبعة عقود من الزمن. بمعنى آخر، من المهم أن ننظر إلى السبب وراء عدم قيام المنطقة مطلقًا بتطوير منظمة للأمن الجماعى فى المقام الأول، ولماذا يصر المسئولون الأمريكيون وحلفاؤهم الآن على عدم التخطيط لمثل هذه الكتلة، ولماذا وكيف يمكن أن يتغير ذلك؟

بما أن استراتيجيات الحرب الصينية المعلن عنها تتصور هجمات إقليمية أوسع نطاقا ضد نقاط وصول الجيش الأمريكى فى المنطقة، فإن حلفاء واشنطن المقربيين يخشون الآن الاحتمال المتزايد بأن ينجرفوا إلى صراع بغض النظر عن نواياهم

إن منطق تعزيز الأمن الجماعى فى آسيا أصبح أكثر إلحاحا مما كان عليه فى خمسينيات القرن العشرين لأسباب عديدة:

أولًا؛ فقدت الولايات المتحدة تفوقها العسكرى فى المجال البحرى. والآن تواجه واشنطن وحلفاؤها تهديدا مماثلا لما واجهه حلف شمال الأطلسى فى أوروبا خلال الحرب الباردة.

ثانيًا؛ زادت التهديدات العسكرية المباشرة من جانب الصين وكوريا الشمالية ضد حلفاء الولايات المتحدة وشركائها بشكل واضح فى السنوات الأخيرة.

ثالثًا؛ قامت اليابان بمراجعة التفسير السلمى السابق للمادة الـ 9 من دستورها لإعطاء الأولوية لمزيد من الاستعداد العسكرى بالإضافة إلى العمليات المشتركة مع الولايات المتحدة ودول أخرى. كذلك، خفضت أستراليا وقت التحذير الرسمى من 10 سنوات إلى فورى، (من الضرورى التذكير بأن حقيقة عدم وجود وقت إنذار ــ وبعبارة أخرى، الحاجة إلى الاستعداد للقتال فى أى لحظة ــ كانت أحد الأسباب وراء إنشاء كل من حلف شمال الأطلسى والتحالف الثنائى بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لقيادات مشتركة ومجمعة).

وبما أن استراتيجيات الحرب الصينية المعلن عنها تتصور هجمات إقليمية أوسع نطاقا ضد نقاط وصول الجيش الأمريكى فى المنطقة، فإن حلفاء واشنطن المقربيين يخشون الآن الاحتمال المتزايد بأن ينجرفوا إلى صراع بغض النظر عن نواياهم. ومع تزايد احتمال أن يكون أى صراع على مستوى المنطقة بالكامل ويأتى دون سابق إنذار، فمن الواضح أن المخططين يفضلون القيادة والسيطرة معا. وبعبارة أخرى، ضرورة تشكيل هياكل أمنية شبيهة بحلف شمال الأطلسى.
معلومة أخيرة، تختلف علاقات أعضاء حلف شمال الأطلسى مع الاتحاد السوفيتى عن العلاقات خلال المرحلة الأولى من الحرب الباردة ــ عندما لم تكن للولايات المتحدة والحلفاء الآخرين بشكل عام علاقات اقتصادية مهمة مع السوفييت ــ إذ تعد الصين اليوم الشريك التجارى الأول لليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وأستراليا ومعظم حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الآخرين فى المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت هذه الدول عن هدفها المتمثل فى استعادة علاقة أكثر إنتاجية مع بكين فى نهاية المطاف على الرغم من الاحتكاك الحالى، وهى تدرك أن التحالف على غرار حلف شمال الأطلسى من المرجح أن يمنع هذا المستقبل.
جوهر القول، يشير الحلفاء المقربون مثل أستراليا واليابان إلى أن التحالف الإقليمى من شأنه أن يؤدى إلى تنفير البلدان المهمة فى جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ فى بيئة تتسم بالمنافسة الاستراتيجية على النفوذ فى مجالات عسكرية وغير عسكرية متعددة. وقد يتراجع بعض حلفاء وشركاء الولايات المتحدة وينشقون بدلا من الانضمام، الأمر الذى من شأنه أن يعيق الردع ويشجع الطموحات الصينية. إذن، لا عجب أن سوليفان قال بكل تأكيد إن الولايات المتحدة لا تعتزم إنشاء حلف شمال الأطلسى الآسيوى.

إقرأ على موقع 180  "النوافذ المغلقة" بين إيران والسعودية.. هل يفتحها الكاظمي؟

لكن، من الضرورى الإشارة إلى أنه إذا تجاوزت المخاوف إزاء ردع ووقف حرب إقليمية مدمرة المصالح التجارية أو التماسك الإقليمى، فإن الترتيبات الحالية بين الولايات المتحدة وحلفائها الثنائيين والشركاء ذوى التفكير المماثل يمكن أن تتحرك بشكل جيد فى اتجاه تأسيس تحالف شبيه بالناتو فى المنطقة. فإن سلوك بكين القسرى ضد جيرانها يمكن أن يؤدى إلى هذه النتيجة بطريقة مجزأة. ولا ينبغى أن يكون هذا هدف واشنطن، لكنه يجب أن يظل خيارًا يوجه أولويات التحالف بهدوء. وبعد ذلك، سوف يعود الأمر للرئيس الصينى شى جين بينج لتحديد ما إذا كان حلف شمال الأطلسى فى المحيط الهادئ سيصبح حقيقة واقعة فى نهاية المطاف أم لا؟

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  أمواج يسار أميركا اللاتينية تضرب.. شمالاً!