هذه الأحزاب التي تتهمها طهران بتهريب السلاح علی طول الحدود المشتركة تستغل وجودها في إقليم كردستان العراقي الذي يضم ثلاث محافظات هي أربيل والسليمانية ودهوك. وعلی مدی السنوات التي أعقبت الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، شهدت هذه الحدود التي تشكل رُبع الحدود الإيرانية العراقية المشتركة البالغة ألفاً وأربعمئة كلم إنفلاتاً أمنياً ساهم أفسح أمام إدخال أسلحة ومتفجرات وعبوات ناسفة إلی داخل المدن الإيرانية إضافة إلی عمليات تهريب للسلع والبضائع.
في منتصف يوليو/تموز 2022، أعلنت وزارة الداخلية العراقية نشر كتيبة علی طول هذه الحدود بالتنسيق مع سلطات إقليم كردستان؛ فيما تم نصب نحو 50 برج مراقبة و40 كاميرا للمراقبة خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر الماضيين إستناداً إلى مباحثات وتفاهمات بين العراق وإيران انخرطت فيها سلطات الإقليم الكردي وقادها مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي.
وكانت إيران قد شنّت سلسلة هجمات صاروخية ومدفعية وجوية استهدفت مقرات هذه الأحزاب الكردية الإيرانية المتواجدة في الإقليم؛ ما إستوجب وضع هذا الملف على جدول أعمال القيادة الأمنية في كلا البلدين.
والجديد في هذا السياق، إعلان طهران وبغداد الأسبوع الماضي توقيعهما علی إتفاقية لتعزيز الترتيبات الأمنية علی الحدود المشتركة واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الأمن علی طول هذه الحدود وغلق كل ما من شأنه خلق حالة من إنعدام الأمن بين جانبي الحدود. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إلى التزام بغداد بنزع السلاح من “الجماعات الكردية الإرهابية” ونقل المخيمات إلی نقاط أخری بعيداً عن الحدود المشتركة. وزاد أن الإتفاق وضع تاريخ 19 أيلول/سبتمبر الجاري موعداً لإتمام هذه الترتيبات؛ وإلا كما قال كنعاني “ستتصرف إيران وفق مسؤولياتها”، من دون أن يُحدّد ماهية هذه المسؤولية وكيفية التصرف بها؟ إلا أن هشام الركابي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني رأی أن هذا الإتفاق هو رسالة إلی دول الجوار مفادها أن العراق سيمنع وجود أي جماعات مسلحة تُهدّد أمن وسلامة تلك الدول.
يُذكر أن هذا الإتفاق وُضِعَ له وللمرة الأولى استحقاق زمني (19 الجاري)، وهو ينص علی البنود الآتية: منع تسلل المسلحين، تقديم المطلوبين وفق القانون، نزع السلاح ونقل المخيمات إلی نقاط تُحدّدها الحكومة العراقية.
وجود مجموعات مسلحة غير عراقية تستهدف دول الجوار لا يُمكن أن يخدم الأمن القومي لإقليم كردستان العراقي ولا يخدم العراق ومصالحه الجيوسياسية والجيواستراتيجية خصوصاً في المرحلة التي تفكر فيها الحكومة العراقية بإعادة تثبيت حكم دولة القانون
وذكرت مصادر في إقليم كردستان العراقي أن حكومة الإقليم كانت منخرطة في هذا الإتفاق وأن التنسيق كان تاماً مع الحكومة العراقية لتعيين نقطتين غرب الإقليم تُنقل إليهما المخيمات خلال المهلة الزمنية المحددة.
وبرغم أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد اللاجئين الأكراد المتواجدين في العراق، إلا أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ذكرت أن عددهم يصل إلى 16 ألف لاجىء يتمركز أغلبهم في مخيم الطاش في محافظة الأنبار غرب العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي؛ وبعد تدهور الأوضاع الأمنية في العراق بعد العام 2003، أُخلي المخيم وتم نقل سكانه إلی إقليم كردستان؛ وثمة تقديرات غير رسمية تُشير إلی أن عدد الاكراد الإيرانيين في العراق يصل إلى 40 ألف لاجىء يستوطن معظمهم في الإقليم. أما الأحزاب الكردية الإيرانية التي تُعتبر في أغلبها مسلحة وتمارس نشاطها العسكري الذي تعتبره طهران “تخريبياً” و”إرهابياً” داخل المدن الإيرانية، فإنها تتمركز في محافظات الإقليم وبالقرب من الحدود المشتركة مع إيران وأبرزها “حزب حرية كردستان”، “الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني”، “حزب الكادحين الثوريين” (كوملة)، “حزب الحياة الكردي”، حزب “بيجاك” وعدد آخر من المجاميع المسلحة. هذه الأحزاب مُتهمة من قبل طهران بعسكرة الاحتجاجات التي نشبت في إيران العام الماضي، إثر وفاة الشابة مهسا أميني في 16 أيلول/سبتمبر 2022، وذلك بمساعدة جهات خارجية معادية، وهو الأمر الذي أكّده مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون بقوله في مقابلة بثتها قناة “بي. بي. سي” البريطانية إن الأمريكيين أرسلوا أسلحة إلی إقليم كردستان في العراق “لتهريبها” إلی داخل المدن الإيرانية؛ إضافة إلی ذلك، فإن السلطات الأمنية الإيرانية قدّمت وثائق للقيادة العراقية في بغداد وأربيل بشأن تورط هذه الجماعات بأعمال تهريب الأسلحة إلی داخل إيران من أجل زعزعة الأمن في المحافظات الإيرانية.
وتعتبر طهران أن الأمن داخل أراضيها “خط أحمر”، وهي تريد إغلاق هذا الملف مع الجانب العراقي حفاظاً علی العلاقات الجيّدة التي تربطها بإقليم كرستان العراقي والحكومة المركزية في بغداد.
ويتفق خبراء عراقيون وإيرانيون على أن نزع سلاح تلك المخيمات ونقلها بعيداً عن الحدود الإيرانية خطوةٌ تساهم في تعزيز السيادة الوطنية العراقية وتسحب كل الذرائع التي تؤدي إلی نقض هذه السيادة، حيث تشير المعلومات إلی أن الإتفاق الأخير الذي انخرطت فيه الأطراف الثلاثة طهران وبغداد وأربيل حدّد سقفاً زمنياً هو 19 أيلول/سبتمبر الجاري، ويحق لإيران بعد هذا التاريخ القيام بعملية عسكرية برية محدودة داخل حدود الإقليم من أجل إنهاء الوضع الشاذ المتمثل في وجود هذه المجموعات المسلحة.
وبعيداً عن التفسيرات والأهداف، فإن وجود مجموعات مسلحة غير عراقية تستهدف دول الجوار لا يُمكن أن يخدم الأمن القومي لإقليم كردستان العراقي ولا يخدم العراق ومصالحه الجيوسياسية والجيواستراتيجية خصوصاً في المرحلة التي تفكر فيها الحكومة العراقية بإعادة تثبيت حكم دولة القانون وإطلاق ورشة تنموية بعد حقبة صعبة ومكلفة من الحرب مع تنظيم “داعش” وباقي المجموعات الإرهابية.