“(…) حتى نشر هذا التقرير، بحسب تقارير إسرائيلية، بلغت كلفة الحرب على غزة 35 مليار شيكل: 22 مليار شيكل نفقات عسكرية، و13 مليار شيكل نفقات مدنية (سعر صرف الدولار، عند نشر هذا التقرير كان 3.73 شيكل). ويقول محللون وخبراء اقتصاديون إن التجارب علمت أن تغطية الكلفة مقدور عليها، وسيتم إيجاد القنوات للتسديد، ولهذا فإن الانتقاد الأساس موجه لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ورئيس حكومته بنيامين نتنياهو، بسبب شكل إدارتهما للأزمة الاقتصادية، واتهامهما بأنهما على الرغم من حجم الإنفاق الضخم، فإنهما لا يتراجعان عن صرف ميزانيات زائدة لصالح الأحزاب المشاركة في الحكم. ويرى محللون ضرورة تغيير سلم الأولويات بشكل عميق.
ورأى العديد من المحللين أن إسرائيل ماثلة أمام أزمة مشابهة لتلك التي غرقت فيها في العام 2002، ولأكثر من عامين، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فبدلا من معالجة الأزمة كان الإنفاق الحكومي دون التفات لضرورة تغطية المصاريف العسكرية، ما عمّق العجز في الموازنة العامة، وهذا النهج، بحسب محللين، أدى إلى فقدان الثقة وتقريبا إلى انهيار مالي، ففي منتصف 2002 كان سعر الدولار 5 شواكل. والفائدة على السندات الحكومية في إسرائيل ارتفعت إلى 12%، وكانت إسرائيل على شفا الإفلاس، ما اضطرها للتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، لطلب ضمانات مالية، تساعدها في تجنيد سندات دين عالمية.
وتقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزوروف في مقال لها في صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية التابعة لصحيفة “هآرتس”، إنه “مثلما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث أن فقدان الحماية كلفنا 1200 قتيل و240 مخطوفاً و3 فرق تقوم بعملية برية في غزة، فإن فقدان الحماية لميزانية الدولة أيضاً يمكن أن يكلفنا اضرارا مالية، وميزانية فظيعة. والاعلان الآن عن تقليص 6 مليارات شيكل من أموال الائتلاف يمكن أن يمنع ذلك. هذا ما يجب على سموتريتش أن يفعله، الآن وعلى الفور”.
وأضافت أرلوزوروف أن “لا أحد يعرف التنبؤ بشكل انتهاء الحرب، فإطالة زمن الحرب لأشهر كثيرة وانزلاقها إلى جبهة أخرى مع لبنان هي أخطار كبيرة. لذلك فإن واضعي سياسة الاقتصاد الإسرائيلي يحذرون من وضع تقديرات بخصوص 2024، لكن التقدير بأن تكلفة الحرب ستكون أعلى من 100 مليار شيكل، بات يزداد أكثر. ويتحدث المتشائمون عن 200 مليار شيكل، وهذا تقريبا 10% من الناتج السنوي الإسرائيلي”.
وتسأل: “ما هي احتمالية أن يتحمل اقتصاد إسرائيل هزة تبلغ 100 مليار شيكل؟ هذا يتعلق بكيفية ادارة الاقتصاد. مؤخرا تم حسم المرحلة الأولى من الصراع حول إدارة الاقتصاد، بشكل مقلق. وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، قرر اختراق إطار ميزانية 2023 والسماح بتدفق النفقات – 35 مليار شيكل. لا يوجد خيار آخر، إسرائيل بحاجة الآن إلى استثمار كل ما هو مطلوب من أجل الانتصار في الحرب، لكن هناك الكثير من الخيارات بخصوص استعداد الاقتصاد لهذه النفقات الضخمة وسموتريتش اختار فعل القليل. بالإجمال، من بين الـ 35 مليار شيكل التي تمثل نفقات الحرب، 32 مليار شيكل ذهبت مباشرة إلى بند العجز في الميزانية والدين العام لإسرائيل. وتوصية قسم الميزانيات هي أن يتم اقتطاع كل الزيادة في النفقات المدنية، 13 مليار شيكل، أي أن يتم اقتطاع 10 مليارات شيكل”.
وحسب أرلوزوروف فإن “أسواق المال العالمية تتوقع مسؤولية في الميزانية الإسرائيلية، وأن تفعل كل ما في استطاعتها من أجل تقليص الدين الآخذ في التضخم”. وإذا لم تفعل هذا إسرائيل، فإن ذلك سيقلص مستوى الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي.
حسب تقديرات محللين وخبراء، فإن التضخم المالي في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وفي الشهرين المقبلين، سيكون “سلبيا”، كانعكاس لحالة تباطؤ في النشاط الاقتصادي وحركة السوق، برغم بلاغ شركات بطاقات اعتماد في الأيام الأخيرة عن ارتفاع في شراء الجمهور
في سياق متصل، طالب بنك إسرائيل المركزي حكومته، في الأسبوع الماضي، بإجراء تقليص جدي في ميزانية الدولة للعامين الجاري والمقبل، وقصد بشكل خاص الميزانيات الضخمة المخصصة لطلبات الأحزاب التي تشكل حكومة بنيامين نتنياهو، بناء على اتفاقيات الائتلاف قبل عام، وهي ميزانيات يستفيد منها بالدرجة الأولى جمهور مصوتي هذه الأحزاب، وبشكل خاص المتدينون المتزمتون (الحريديم)، وأيضا جمهور المستوطنين، ومعه جمهور التيار الديني الصهيوني.
وسعى وزير المالية سموتريتش لتجاهل الدعوات لتجميد هذه الأموال، وفي مخطط تعديلات ميزانية العام الجاري، أبقى مليار شيكل من هذه الميزانيات للأحزاب المذكورة، إذ نصت تلك الاتفاقيات على صرف ما مجموعة 13 مليار شيكل خلال 4 سنوات، على مصالح هذه الأحزاب.
الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب:
أولاً؛ التضخم المالي:
سجل التضخم المالي في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الشهر الأول للحرب، ارتفاعا بنسبة 0.5%، وفق ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي، في الأسبوع الماضي، وبهذا يكون التضخم المالي قد سجل في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري ارتفاعا بنسبة 3.4%، وهذا فوق سقف الحد الأقصى الذي حددته السياسة الاقتصادية لبنك إسرائيل في السنوات الـ 15 الأخيرة، وهي 3%. وفي حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، فقد ارتفع التضخم إلى نسبة 3.7%، ويرى المحللون أنه في حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، فإن التضخم في وتيرة هبوط مستمر.
وتأثر التضخم من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 0.9%، وأسعار الخضراوات والفواكه بنسبة 3.9%، وأسعار الملبوسات والأحذية بنسبة 3.2%.
وحسب تقديرات محللين وخبراء، فإن التضخم المالي في تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وفي الشهرين المقبلين، سيكون “سلبيا”، كانعكاس لحالة تباطؤ في النشاط الاقتصادي وحركة السوق، برغم بلاغ شركات بطاقات اعتماد في الأيام الأخيرة عن ارتفاع في شراء الجمهور.
وتتجه الأنظار إلى قرار بنك إسرائيل المركزي بشأن الفائدة البنكية، الذي سيعلن عنه في الأيام الأخيرة من الشهر الجاري، وتتراوح التقديرات ما بين تجميد للفائدة أو تخفيضها بقليل.
ثانياً؛ البطالة:
قالت عدة تقارير صادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية الإسرائيلية (مؤسسة التأمين الوطني)، إن عدد الذين تم إخراجهم إلى سوق البطالة منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول الماضي، تجاوز 120 ألف شخص، غالبيتهم العظمى ممن فرضت عليهم إجازات ليست مدفوعة الأجر، بمعنى ليس فصلا كاملا من العمل، وفي الوقت نفسه يكونون مستحقين لمخصصات بطالة، وحسب التقديرات، فإن كلفة البطالة الناشئة في الشهر الماضي بلغت 1.2 مليار شيكل. حسب آخر تقديرات المؤسسة نفسها، فإنه في كل يوم يتم إخراج حوالي 5 آلاف عامل وعاملة بالمعدل إلى البطالة، في إطار إجازات ليست مدفوعة الأجر.
ثالثاً؛ كلفة من تم إخلاؤهم من بيوتهم:
قالت تقديرات في وزارة المالية الإسرائيلية إن كلفة إقامة من تم إخلاؤهم من بيوتهم، خاصة في محيط قطاع غزة، وفي درجة أقل من مناطق شمال البلاد، ستكلف الخزينة العامة 10 مليارات شيكل في السنة الواحدة، وهذا يشمل إقامة في فنادق أو بيوت مؤقتة، والصرف على مخصصات اجتماعية، وإعادة تأهيل بيوت وبلدات تضررت من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
رابعاً؛ ارتفاع قيمة الشيكل:
واصلت قيمة الشيكل الارتفاع أمام العملات العالمية وخاصة الدولار، وسجّل سعر صرف الدولار مع إغلاق المداولات الأسبوعية الرسمية للعملات الأجنبية، ظهر يوم الجمعة 17 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، 3.73 شيكل، وهذا ما كان عليه الشيكل يوم 14 آب/أغسطس الماضي، أي أن قيمة الشيكل ارتفعت خلال 3 أسابيع بنسبة 8.6%، مقارنة مع سعره يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر الذي سجل فيه ذروة 12 عاما، وبلغ سعر الدولار يومها 4.08 شيكل، وكان الشيكل قد فقد خلال الأسابيع الثلاثة الأولى للحرب نسبة 5.7%.
وقد ارتفعت وتيرة عودة قيمة الشيكل إلى أيام ما قبل الحرب بأسبوعين، حينما أعلن بنك إسرائيل بيع 8.2 مليار دولار لحماية قيمة الشيكل، وهذا من أصل 30 مليار دولار، أعلن بنك إسرائيل سابقا عزمه على بيعها لحماية الشيكل. وبعد هذا البيع الفعلي، بقي في احتياط العملات العالمية في بنك إسرائيل 191 مليار دولار، وهذا أيضاً حجم قياسي.
إلا أنه بحسب تقارير محلية وعالمية، فإن تراجع قيمة الدولار عالمياً ساهمت في ارتفاع قيمة الشيكل. وكما ذكر في الأسبوع الماضي، فإن محللين إسرائيليين يحذرون من أن عوامل تراجع قيمة الشيكل ما زالت قائمة بفعل الحرب المستمرة”.
(*) راجع النص كاملاً على موقع “مدار“