“دود الخل مِنهُ.. وفيه”!

"دود الخل منه وفيه". يُضرب هذا المثل الشعبي الفلسطيني للتدليل على أن جزءاً من المشكلة التي تواجه الإنسان في بعض الأحيان تكون بسبب الإنسان نفسه.

قد لا يكون هذا هو الوقت المناسب للبحث في موضوع الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية، ولكن أحياناً تجد نفسك مضطراً للرد وتوجيه الإنتقاد لشخص يُعتبر مسؤولاً ومعنياً بملف القضية الفلسطينية التي تواجه تحديات وجودية تاريخية في هذه الأيام المصيرية.

قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ إنه من غير المقبول الاعتقاد بأن طريقة “حماس” مع إسرائيل كانت المثل الأعلى، وأضاف في تصريحات لوكالة “رويترز” أن كل ما يحدث يستحق إجراء تقييم جاد وصادق ومسؤول لحماية الشعب الفلسطيني وقضيته، (أي المحاسبة).

ولطالما سمعنا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس انتقاداته لفصائل المقاومة وأنه يُفضّل العمل الدبلوماسي على العمل المقاوم، لا بل ذهب أبعد من ذلك عندما وضع بعض القيادات وشباب المقاومة في الضفة الغربية في سجون السلطة الفلسطينية، ولم تتوانَ أجهزته الأمنية في تسليم مناضلين بموجب اتفاقات مُبرمة مع الأجهزة الأمنية للعدو الصهيوني.

لا أفهم كيف يجرؤ فلسطيني مثل حسين الشيخ في أن ينتقد حركة “حماس” التي خطّطت ونفذت عملية فدائية ضخمة ومعقدة ومركبة وفريدة من نوعها في عصرنا الحالي، لا بل من أنجح العمليات في تاريخ العمل الفلسطيني المقاوم، ويُسجل لها أنها أعادت إحياء قضية فلسطين بعدما كادت تندثر وتصبح طي النسيان من بعد توقيع اتفاقيات أوسلو والتي كان المفاوض الرئيسي فيها رئيس السلطة الفلسطينية الحالية.

هل يُقدّم حسين الشيخ (في الصورة أعلاه مع بلينكن) أوراق اعتماده كبديل لرأس السلطة الفلسطينية، كونه كان المسؤول عن إدارة التواصل مع الأمن الصهيوني، ويرى نفسه الأكفأ للقيام بدور “أنطوان لحد” أو “سعد حداد”، العميلان اللذان أدارا حقبة الإحتلال في جنوب لبنان في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؟

بمعنى آخر، يرى حسين الشيخ بأنه يجب “محاسبة” حركة “حماس” لما قامت به، ويبدو أنه ما زال يعتبر أن العمل المقاوم لا جدوى منه، وأنه بالتعاون مع الولايات المتحدة وبرعايتها بالإمكان التوصل إلى صيغة تعيد التوازن إلى علاقات السلطة الفلسطينية والإحتلال الصهيوني.. وبأن السلطة مستعدة لادارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية!

لا أحد يملك رؤية واقعية بعد الذي جرى في 7 تشرين/أكتوبر 2023، مع كل هذه الضبابية والتي عزّزها أيضاً محمود عباس بعدم تقديمه خطة واضحة لما بعد الحرب لمناقشتها مع المبعوثين الأميركيين، برغم إصرار واشنطن على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة، علماً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض بأن تحكم السلطة بشكلها الحالي قطاع غزة.

بعد عملية “طوفان الأقصى” وفي مقابلة بثتها قناة “سكاي نيوز” في 14 كانون الأول/ديسمبر 2023، رفضت سفيرة إسرائيل في بريطانيا تسيبي هوتوفلي أي حل يتضمن إقامة دولة فلسطينية. وقالت هوتوفلي: “قطعا لا”. وأضافت: “إسرائيل تعرف ذلك اليوم، وعلى العالم أن يعرف ذلك الآن، السبب في فشل اتفاقات أوسلو هو أن الفلسطينيين لم يرغبوا قط في أن تكون هناك دولة إلى جانب إسرائيل”. وتابعت تسيبي هوتوفلي: “يريدون أن تكون لهم دولة من النهر إلى البحر”، أي من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.

إزاء هذا التشدد لا أعرف ما هي الصيغة التي ستحكم قطاع غزة بعد الحرب، فجهابذة الإدارة الأميركية لم يجدوا لغاية الآن الصيغة المناسبة، وما زالت التصريحات تتوالى حول الصيغ المناسبة لذلك، ولكن لم يستقر الرأي لغاية الآن على صيغة محددة.

والمُحيّر في الأمر أن السلطة والفصائل الفلسطينية المختلفة، لم يتمكنوا لغاية الآن من بلورة صيغة ما يتفقون عليها لطرحها أمام المجتمع الدولي، فما يجري الآن من تأييد عارم على مستوى العالم بأجمعه للقضية الفلسطينية لا مثيل له من قبل، وبدل العمل على استغلال هذه الفرصة، لتوحيد الصفوف وطرح رؤية وطنية برنامجية شاملة وواضحة ومتناسبة مع كل الذي جرى بعد 7 تشرين/أكتوبر، تراهم يختلفون على الشكل والمضمون.

المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني تكاد تكون الأعنف بتاريخ البشرية. أكثر من 20 ألف شهيد نصفهم من الأطفال و50 ألف جريح و8000 مفقود تحت الركام، وتدمير أكثر من 80% من البنية التحتية للقطاع، وأكثر من 50% من المباني والمنازل والشقق السكنية، ناهيك عن حالات الجوع والعطش والبرد القارس الذي يعاني منه النازحون إذ لا مأوى لهم إلا السماء والأرض.. ثم يأتيك من يفترض أنه من لحمك ودمك وأنه “مسؤولٌ” في السلطة الفلسطينية، ليطالب بمحاسبة “حماس”، بدل أن يطالب بمحاسبة المحتل على ممارسة حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من أعتى قوة “نازية” في العصر الحديث مدعومة وبمشاركة أعتى قوى عالمية ارتكبت المجازر على مر تاريخها منذ نشأتها لغاية الآن.

إقرأ على موقع 180  أفول اليسار.. ولو أن شيئاً واحداً بقي!

فهل يُقدّم حسين الشيخ (في الصورة أعلاه مع بلينكن) أوراق اعتماده كبديل لرأس السلطة الفلسطينية، كونه كان المسؤول عن إدارة التواصل مع الأمن الصهيوني، ويرى نفسه الأكفأ للقيام بدور “أنطوان لحد” أو “سعد حداد”، العميلان اللذان أدارا حقبة الإحتلال في جنوب لبنان في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؟

فعلاً، صدق المثل القائل: “اللي يذوق الطعمية يرجع على الصينية”!

Print Friendly, PDF & Email
أكرم بزي

كاتب وباحث لبناني

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  هيكل من منظور إسرائيلي