أقوال ميلمان تترافق مع الكثير من المقالات التي تُعبّر عن أن ما تستخدمه إسرائيل من قوة تدميرية وما تملكه من هذه القوة لم يجعلها في نظر نفسها وفي نظر العالم أكثر قوة.
وهذا ما يتردد في أوساط كثير من الفلسطينيين والعرب ممن رأوا بأم العين أن ٧ تشرين الأول/أكتوبر أظهر أن إسرائيل بعبع في بعض جوانبها أكثر مما هي فعلاً قوة عظمى. كما أن استمرار الحرب وطولها في غزة (83 يوماً) بيّنا أيضاً أن جانباً هاماً من الحرب يُظهر أن الكيان الذي أُنشئ للسيطرة على أمة بكاملها وهزيمة جيوشها جميعاً، بات يواجه مصاعب حقيقية في تحقيق انتصار واضح وحاسم على قوة لا تزيد عن بضعة آلاف.
والأهم من كل ذلك أن تاريخ ٧ تشرين الأول/أكتوبر وما تلاه من مقاومة باسلة بيّنت أن كل ما جرى ويجري الحديث عنه عن أجيال الحرب والتكنولوجيا العليا يصطدم بواقع أنه يمكن بوسائل بدائية وبما يتوفر من موارد إذا استخدمت بشكل عاقل أن تُشكّل تحدياً هائلاً. بصاروخ أو قذيفة قيمتها عشرات أو مئات الدولارات يُمكنك أن تُربك وتُحيّد أو تُدمّر معدات وأجهزة وصواريخ بملايين الدولارات، وهذا يقودنا إلى مسألتين مهمتين: الأولى تتعلق بالحرب على غزة والثانية تتعلق بالحرب على لبنان.
الجيش الإسرائيلي الذي تعذر عليه حسم المعركة في غزة منذ حوالي الثلاثة أشهر، سيجد أن الوضع أصعب بكثير مع لبنان سواء لجهة الإتساع أو كون الساحة اللبنانية مفتوحة على سوريا امتداداً نحو العراق وإيران أو لجهة القوة والخبرة القتالية التي تراكمت لحزب الله والمقاومة في لبنان
بخصوص الحرب على غزة، يُكثر القادة الإسرائيليون الحديث عن انتهاء مرحلة عملانية أخرى والإنتقال قريباً إلى مرحلة جديدة أساسها إقامة حزام أمني شرقي القطاع وغارات “جراحية” لمحاولة تحقيق الأهداف الباقية للحرب في الشهور المقبلة. وباختصار؛ الإنتقال من الحرب كثيفة التدمير إلى حرب استنزاف لحركة “حماس”.
أما بخصوص لبنان، فيُكثر قادة إسرائيل من إطلاق التهديدات بحرب تُعيد لبنان كما غزة إلى العصر الحجري. ولكن التهديد شيء والفعل شيء آخر.
أمريكا لا تريد هذه الحرب مع لبنان وليست متحمسة لها. وهي كما يبدو ليست متشجعة لأي عمل عسكري واسع حتى ضد اليمن لأنها لا تريد حرباً واسعة في المنطقة. وبالتأكيد، فإن الحرب مع لبنان ستكون أوسع وقد تفتح أبواباً إقليمية مغلقة على الجحيم، سواء على إسرائيل أو على الوجود الأمريكي في المنطقة.
وعدا ذلك فإن الجيش الإسرائيلي الذي تعذر عليه حسم المعركة في غزة منذ حوالي الثلاثة أشهر، سيجد أن الوضع أصعب بكثير مع لبنان سواء لجهة الإتساع أو كون الساحة اللبنانية مفتوحة على سوريا امتداداً نحو العراق وإيران أو لجهة القوة والخبرة القتالية التي تراكمت لحزب الله والمقاومة في لبنان.
وإذا لم يكن هذا كافياً فإن الإنتاج العسكري الأمريكي للذخائر يعاني حتى الآن من مصاعب لجهة القدرة على تلبية طلبات إسرائيل وأوكرانيا، وبالتالي سيواجه مصاعب أكبر إذا وقعت حرب مع لبنان.
ومن المعروف أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الذخائر ومن عجز أمريكي مفتعل أو حقيقي في توفير مثل هذه الذخائر.
كما أن الإقتصاد الإسرائيلي يكاد يكون على حافة الإنهيار سواء بسبب خروج قسم كبير من القوة العاملة عن خطوط الإنتاج (الإستدعاء للإحتياط أحد الأسباب) أو بسبب تراجع خطوط الإمداد وازدياد أكلافها.
الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تسرح وتمرح وتفعل كل ما يخطر ببالها في المنطقة انتهى وصار لزاماً عليها أن تحسب ألف حساب لكل خطوة يُمكن أن تُقدم عليها
في هذا السياق، أُعلن أن مليوني إسرائيلي باتوا تحت خط الفقر في دولة كانت تُعتبر بين الدول الأكثر تقدماً وتطوراً في العالم. وتدل الأرقام على تراجع قدرات الإنتاج التكنولوجي العالي في إسرائيل بسبب الحرب التي اندلعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
في كل حال تُهدّد إسرائيل بأن نافذة الفرص للتوصل إلى تسوية سياسية تُبعد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني في الجنوب اللبناني تقترب من الإغلاق. وأن زمان هذه التسوية التي تقودها أمريكا وفرنسا ينفذ تدريجياً.
وإذا كان من معنى لكل ما سلف فإن الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تسرح وتمرح وتفعل كل ما يخطر ببالها في المنطقة انتهى وصار لزاماً عليها أن تحسب ألف حساب لكل خطوة يُمكن أن تُقدم عليها.
إسرائيل بعد ٧ تشرين الأول/أكتوبر لم تعد القوة العظمى إقليمياً، غير أن مأساة منطقتنا أنه حتى الآن لم تتوفر قوة عربية يمكنها أن تعلن عن نفسها أنها صاحبة القرار في إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة لمصلحة العرب وفلسطين. والخوف هو أن تبقى أوراق المنطقة بأسرها في يد أمريكا ما يعني بقاءها في يد إسرائيل التي لم تعد قوية، كما كانت في الماضي.
(*) النص تم تحريره بتصرف وهو نقلاً عن مجموعة “الوضع القائم، غزة” (واتساب) ويحاول من خلالها الزميل حلمي موسى توفير فرصة لثلة كبيرة من الأصدقاء لمواكبة الأحداث يومياً على أرض غزة.