“مرّ أقل من أسبوع على تقديم فرنسا اقتراح وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. تقرير “رويترز” بشأن الاقتراح، منح (السيد) حسن نصرالله فرصة لكي ينشر رده “الرسمي”، فقال في خطاب ألقاه بمناسبة “يوم الجريح”، الذي يُقام سنوياً: “إن وقف إطلاق النار على حدود فلسطين المحتلة مرتبط بوقف النار في غزة”.
حكومتا إسرائيل ولبنان اللتان قُدم لهما الاقتراح لم تنشرا ردهما الرسمي. ومن الواضح من كلام نصرالله أن أي خطة سياسية لإنهاء المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، والسعي (الفرنسي والأميركي) للفصل بين الساحتَين وتحريك عملية منفصلة خاصة بلبنان، أمور كلها مرتبطة بنتائج النقاشات التي تجري في القاهرة بين رؤساء الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية والمصرية والأميركية، وبمشاركة رئيس الحكومة القطري.
الربط بين التطورات في غزة وبين الجبهة في لبنان، كما أراد نصرالله، ينقل الآن موضوع “وحدة الساحات” من الساحة العسكرية إلى الساحة الدبلوماسية
في غضون ذلك، بعد 3 أيام على اجتماع الأمين العام لحزب الله ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي وصل خصيصاً إلى بيروت، والتقى ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية، فإن التوجيهات الإيرانية، التي لم تُذكر علناً، هي الامتناع من توسيع نطاق المواجهة، أي إن “معادلة الردع المتبادل” هي التي ستواصل رسم حدود المواجهة وحجمها، على الأقل في الجانب اللبناني. نصرالله أوضح قواعد المواجهة: “إذا نفّذ العدو أي عملية، فسنعود إلى العمل وفق المعادلة التي كانت قائمة سابقاً. هدف المقاومة هو ردع العدو، وردودنا ستكون مناسِبة”. وبحسب كلامه، فإن الردع كان فعالاً: “منذ سنة 2006، وحتى نشوب الأحداث الأخيرة، ونحن نعيش بأمان وهدوء، واعتمد دفاعنا على توازُن الردع”. هذا الستاتيكو هو الذي يطمح نصرالله إلى العودة إليه، من دون أن يضطر إلى سحب قواته إلى ما وراء نهر الليطاني، كما تطلب إسرائيل. “العدو ليس في موقع يفرض الشروط على لبنان”، بحسب قوله. وطلب من الحكومة اللبنانية “وضع شروط جديدة للقرار 1701، وعدم تطبيقه حرفياً”.
هذه صيغة جديدة لموقف قديم للحزب، وهي تتعارض مع البند الموجود في القرار بشأن نزع سلاح حزب الله، لكن على ما يبدو، هذا الطلب غير ضروري. فالحكومة اللبنانية ليست وحدها التي لم تعد تتحدث عن نزع سلاح حزب الله، بل اللجنة الخماسية أيضاً، التي تضم السعودية وقطر ومصر وفرنسا والولايات المتحدة، والتي تتحدث فقط عن سحب قوات الحزب ونشر الجيش اللبناني على طول الحدود.
تشمل مبادىء الاقتراح الفرنسي 3 مراحل. تجري خلالها مفاوضات سريعة خلال 10 أيام من أجل بلورة اتفاق أولّي بشأن انسحاب قوات حزب الله، وتفكيك المواقع التي أقامها الحزب بالقرب من الحدود، ونشر نحو 15 ألف عنصر من الجيش اللبناني على طول الحدود. ولاحقاً، تبدأ المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان. لكن هذا الاقتراح رفضه نصرالله، حين قال إن “كل الوفود الأجنبية التي تأتي إلى لبنان مع أفكار ومقترحات، هدفها شيء واحد، الدفاع عن أمن العدو.. وفي كل أوراقهم، غزة غير موجودة”.
ليس من الواضح إلى أي حد يمثل الاقتراح الفرنسي مواقف مجموعة “الدول الخمس” كلها، التي لم تردّ عليه حتى الآن. توجد توترات داخلية بين فرنسا، التي تعتبر نفسها وصية على لبنان، لكنها لا تملك أدوات تأثير في إسرائيل، وبين الولايات المتحدة القادرة على التدخل في تصرفات إسرائيل؛ وهناك توتر بين السعودية، التي تملك مفتاح ترميم لبنان، والتي تعمل بالتنسيق مع إيران، وبين واشنطن، التي تسعى للدفع قدماً بالمطالب الإسرائيلية، لكنها أيضاً تريد كبح توسُّع الجبهة. وهذه التوترات تعيق بلورة موقف متفق عليه.
يضاف إلى ذلك المعركة السياسية الداخلية في لبنان بشأن انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة دائمة. يتطلع نصرالله إلى استغلال الحرب ومحادثات وقف إطلاق النار كأداة ضغط من أجل انتخاب سليمان فرنجية، مرشحه لرئاسة الجمهورية، والذي من صلاحياته اختيار رئيس الحكومة.
الربط بين التطورات في غزة وبين الجبهة في لبنان، كما أراد نصرالله، ينقل الآن موضوع “وحدة الساحات” من الساحة العسكرية إلى الساحة الدبلوماسية. نظرياً، الأمين العام لحزب الله يضع بين يدي “حماس” وإسرائيل صلاحية أن يقررا مكانه متى يحدث وقف إطلاق النار، لكن الطلب اللبناني يذهب إلى ما هو أبعد من وقف متبادل لإطلاق النار، وليس هناك ما يضمن أنه إذا جرى التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة في إطار صفقة تحرير المخطوفين، سيوافق نصرالله على طلب سحب قواته بعيداً عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.
فرضية العمل الأميركية، حسبما عرضها الموفد الخاص عاموس هوكشتاين خلال زياراته السابقة، هي أن الاتفاق بشأن ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان والاعتراف نهائياً بخط الحدود كحدود دولية، يحرمان حزب الله الأساس الرسمي لتبرير استمرار قتاله ضد إسرائيل، وهو تحرير الأراضي اللبنانية “المحتلة”. في المقابل، هذا سيسمح للحكومة اللبنانية الطلب من الجيش اللبناني نشر قواته على طول الحدود، من أجل فرض السيادة اللبنانية على كامل أراضيها، والمطالبة بسحب قوات حزب الله.
ما دام لم يتم التوصل إلى حل لمسألة مزارع شبعا، فإن حزب الله يستطيع الاستمرار في التمسك بهذه الذريعة من أجل مواصلة معركته ضد إسرائيل، وحتى إفشال اتفاق ترسيم الحدود
لكن فرضية العمل هذه تتضمن شحنة ناسفة غير محلولة، أشار إليها هوكشتاين نفسه في كانون الثاني/يناير، حين أوضح أن خطة عمله لا تشمل حلاً لمزارع شبعا، بل فقط قضية “الخط الأزرق” (خط الحدود الذي جرى الاتفاق بشأنه بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في سنة 2000، والذي لا يعترف به لبنان كحدود دولية). تُعتبر مزارع شبعا جزءاً من الأراضي السورية، على الرغم من ادعاء لبنان أنها تعود له، وأي تسوية بشأن مستقبل هذه المنطقة مرتبطة بمفاوضات مع سوريا التي لا تنوي التنازل عن ملكيتها لهذه الأراضي. وما دام لم يتم التوصل إلى حل لمسألة مزارع شبعا، فإن حزب الله يستطيع الاستمرار في التمسك بهذه الذريعة من أجل مواصلة معركته ضد إسرائيل، وحتى إفشال اتفاق ترسيم الحدود.
حتى لو تحولت فرضية العمل الأميركية إلى خطة عمل تحظى بموافقة الحكومة اللبنانية وحزب الله، وتبنّى حزب الله اتفاقاً طويل الأمد لوقف إطلاق النار مع “حماس”، فإنه من غير الواضح كيف ستكون سياسة إسرائيل حيال لبنان. إن إبعاد المستوطنات الإسرائيلية عن مدى نيران صواريخ حزب الله المضادة للدروع لا يزيل تهديد عشرات الآلاف من الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى التي لدى حزب الله. معادلة الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله، والتي خُرقت ودُحضت في أيام الحرب، هي التي ستواصل التحكم في الواقع على طول الحدود”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية