المثقفون العرب المستغرِبون.. وسمفونيات الحداثة

تتعلم الشعوب عادة من تجاربها ومآسيها، ما خلا شعوبنا العربية. قد أكون مخطئاً أو ظالماً في حكمي وتقييمي، لكن لا أحد منا معصوماً عن الخطأ ولكن هيا بنا نلتفت إلى الوراء.

جاءت ثورة جمال عبد الناصر في مطلع خمسينيات القرن الماضي فألهبت حماسة الشعوب العربية وأيقظت روح القومية العربية. القومية؟ نعم القومية هي تاريخياً محرك حماية الأوطان وزيادة اللحمة بين المواطنين. يكفي الاستماع إلى الأناشيد الوطنية (النشيد الفرنسي مثلاً) أو متابعة الاحتفالات الوطنية (الأعلام الأميركية في مسيرات شوارع نيويورك) إلى آخره.

وقبل أن تظهر أخطاء ثورة جمال عبد الناصر ـ ولا ثورات بلا أخطاء ـ وقفت الدول الغربية، وهي نفسها التي تدعم اسرائيل اليوم في حربها على غزة، موقفاً مناوئاً للنظام المصري الوليد برغم محاولاته الصريحة التقرب منها، ظناً منه أن هذه الدول «المتقدمة» ستدعم روح التقدم والحداثة والعدالة الإجتماعية.. ولكن حصل العكس.

ما حصل مع عبد الناصر تكرّر مع العراق؛ مع الصومال؛ مع اليمن؛ مع سوريا؛ مع السودان؛ مع ليبيا، وأيضاً مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي إنتهى معتقلاً في غرفة صغيرة مظلمة في مقاطعة رام الله التي حوصر فيها طويلاً، بينما تلك الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تنادي اليوم بحل الدولتين، لم تُحرك ساكناً لنجدته وإخراجه من حبسه الصغير إلا ليذهب مسموماً إلى سرير الموت في باريس.

ولقد تعمدت ذكر إسم الزعيم الفلسطيني أبو عمار وحده من دون ذكر أسماء قادة عرب آخرين في البلدان المذكورة أعلاه حتى لا أستفز ما تسمى “شريحة المثقفين” الذين كان معظمهم ينحاز لتعامل الغرب مع بلدانهم بذريعة الحرص على حقوق الانسان وأولوية محاربة الديكتاتورية!

وعوض أن يكون التغيير نابعاً من ثنايا هذه البلدان وناسها وواقعها وعاداتها وتقاليدها، لأجل كسر ما هي بحق ديكتاتوريات، جاء موسم التغيير “الموعود” والمُنزل من فوق لنجد هؤلاء المثقفين المستغربين المنفصلين عن واقع بلادهم يلهثون وراء سراب الحداثة المزيفة التي زُيّنت لهم واعتقدوا بأن هذا الغرب يريد أن يبني لهم جنة الله على الأرض بكل تفاصيل مفاتنها ومحاسنها!

أريد هنا أن أتوجه إلى هؤلاء المثقفين الذين ما أن سمعوا “سمفونية حقوق الإنسان” بإدارة المايسترو الغربي، حتى راحوا يرقصون ويحلمون بتحويل بلدانهم إلى جنات غربية (النموذج السويسري مثلاً)، لكن هؤلاء أثبتوا لنا أنهم مجرد مساكين لا يقرأون التاريخ ويلهثون وراء سراب الحداثة المُزيفة والمستوردة.

ومن دون التغاضي عن مساوئ الديكتاتوريين، أريد أن أسأل هؤلاء المثقفين: خبّروني عن عراق ما بعد صدام حسين، البلد الذي يشهد فساداً لا مثيل له في التاريخ حد الترحم على الماضي الراحل؟ خبّروني عن ليبيا ما بعد معمر القذافي المنقسمة بين شرق وغرب؟ عن صومال ما بعد سياد بري المُشتت حد سيطرة جماعات “الشباب” الإرهابية عليه؟ وما هو حال اليمن الحزين والفقير وأي مآلات بلغتها أرض بلاد الشام وأهلها؟

وأستدرك لأسأل أيضاً: كيف كانت القاهرة؟ يكفي أن نعود إلى الأفلام المصرية في الحقبة الناصرية ونُشاهد مايوهات الاسكندرية والقبلات الحارة في سينما سكوب وتلك الرقصات الجذّابة والسواعد الطرية.

الجواب أيضاً حاضرٌ ومعلبٌ غربياً: الإسلام هو المسؤول!

لكن يا أصدقائي؛ الإسلام كان حاضراً في تلك الأقاليم منذ قرون. في بغداد العراق كما في دمشق سوريا وطرابلس ليبيا وخرطوم السودان. وُجد الإسلام كباقي الأديان والأيديولوجيات، وهل من نموذج أفضل من إسلام فلسطين المنفتح المتوازن المتعايش بسلام مع مسيحية مشرقية غنية؟

لا أطرح هذه الأسئلة دفاعاً عن اشتراكية ناصرية أو دكتاتورية بعثية أو جنونية قذّافية، بل أوجّهها مكتوبة لمن ساهموا، عن جهل، بتخريب أوطانهم واللهاث وراء سراب حداثة غربية لا تريد من أوطاننا سوى ثرواتها ومقدراتها، عسى أن يتبصر هؤلاء ويتفحصوا ما حصل لأخذ العبر والدروس. وبعد ذلك الالتفات إلى غزة لأنها مثالٌ مكبرٌ لما حصل في بلادنا بـ”فضل” الإستعمار.

وبما أن هؤلاء المثقفين يتعلّقون بكل ما هو «فرنجي برنجي».. هيا بنا نأخذ شعر MAGA الذي يدوّر له دونالد ترامب ولنقرأه Make Arabs Great Again

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الهوية السورية بين عاصمتين.. و"أخ أكبر"
بسّام خالد الطيّارة

كاتب وأستاذ جامعي مقيم في فرنسا

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ماكرون ولوبن يُدشّنان معركة الرئاسة في الإنتخابات المناطقية