مساعدات غزة “حصان طروادة” والهدف.. تفكيك حماس!

استغرق الرئيس الأمريكي جو بايدن خمسة أشهر، بتمامها، من معاناة أهل قطاع غزة حتى يقول إن ما يجري هناك لما يقرب من مليوني فلسطيني من قصف وتهجير ودمار وخراب وجوع هو "أمرٌ مفجعٌ". جاء كلام بايدن في خطاب "حالة الاتحاد" للعام 2024 في السابع من آذار/مارس في مجلس النواب الأمريكي.

مرّ 150 يومًا على حرب الكيان المؤقّت على غزة وأهلها منذ اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023؛ الحرب التي وُصّفت بـ”الإبادة الجماعية” بكل المعايير القانونية والأخلاقية والإنسانية. الأيام التي مرّت وخلّفت أكثر من 31 ألف شهيد وحوالي 73 ألف جريح فلسطينيّ، وفق الأرقام الرسمية الفلسطينية، لم تدفع الرئيس بايدن للاستنفار في مجلس الأمن الدولي لدعم قرار وقف إطلاق النار. وباتجاه معاكس، عرقلت إدارة بايدن كل قرارات وقف الحرب أو وقف إطلاق النار. حتى عندما شاهد العالم بصيص نور في محكمة العدل الدولية إثر الدعوى القضائية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا على الكيان تتهمه فيها بارتكاب “إبادة جماعية” في قطاع غزة، تدخّلت الإدارة الأمريكية عبر وزير خارجيتها، أنطوني بلينكن، للضغط والدفع باتجاه قرار مشوّه ومبتور؛ إذ حكمت بـ”منع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين”، لكن من دون أن تأمر بوقف إطلاق النار.

أمريكا.. وعادة “الفيتو”!

إنّها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها واشنطن حق النقض (“الفيتو”) في مجلس الأمن الدولي لمصادرة آلام الشعوب وقرارات الدول الأخرى، ولن تكون الأخيرة. منذ العام 1945، سنة تأسيس مجلس الأمن، حتى الآن، لجأت الولايات المتحدة لقرار حق النقض “الفيتو” 114 مرة من أصل 260 مرة، بينها 80 مرة لمنع إدانة الكيان العبري، و34 مرة ضد قوانين تساند حق الشعب الفلسطيني؛ أي أنها صادرت من القرارات ما نسبته 100% ضد القضية الفلسطينية وشعبها. كما تنكّرت بشكل تام لمعظم قرارات الأمم المتحدة المؤيدة للحقوق الفلسطينية، ووفّرت للكيان الغطاء والحماية لأجل التنصل من تنفيذ هذه القرارات أو الالتزام بها، تمامًا مثلما فعلت بعد قرار محكمة العدل الدولية. فقد تحدّى الكيان طوال ما يزيد عن شهر وعشرة أيام، حتى الثامن من آذار/مارس 2024، قرار محكمة العدل الدولية القاضي بمنع الإبادة الجماعية عبر تجاهل التزامه بضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزّة وتقاعسه بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية الكافية، وفق تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في 27 شباط/فبراير 2024.

هي عقيدة “الصدمة أو الفوضى الخلّاقة” التي تؤمّن للإدارة الأمريكية التملّص من المسؤوليات عن ارتكاب الجرائم والحروب وإسقاط الحكومات واندلاع الثورات الملوّنة والظهور بدور “المنقذ”، بينما تقود الإبادة وتتقن لعب “تبادل الأدوار” مع حليفها وشريكها “الإسرائيلي” في حين أنها تمتلك قرار الحرب وتسعى لحماية الهيمنة الأمريكية في المنطقة والكيان المؤقّت

 الممر الإنساني.. و”الكارثة”!

وتصرّح هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، بشأن الانتهاك الصارخ لقرار محكمة العدل الدولية، بأن عدد الشاحنات التي تدخل غزّة انخفض في الأسابيع الثلاثة التي أعقبت صدور أمر محكمة العدل الدولية بنحو الثلث، من متوسط 146 شاحنة في اليوم في الأسابيع الثلاثة السابقة للقرار، إلى متوسط 105 شاحنات يوميًا. وللعلم، هذه المساعدات لا تكفي احتياجات أهل غزة البتة، ولا تسد الجوع عنهم، إذ قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت تدخل كمعدّل، حوالي 500 شاحنة إلى غزّة يوميًا، وكانت أقلّ بكثير من تلك اللازمة لتلبية احتياجات الناس، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة.

أما “الممر الإنساني البحري” الذي تُروّج له إدارة بايدن حاليًا، فلن يوقف “الكارثة الإنسانية” في غزة، على حد تعبير أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية. ويدعم هذه النتيجة ما صرّحت به سيغريد كاغ، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، للصحفيين، في السابع من آذار/مارس 2024 حيث أكدت أن عمليات التسليم الجوية والبحرية “لا يمكن أن تُعوّض النقص في طرق الإمداد البرية”.

وأعلن الرئيس بايدن في خطاب “حالة الإتحاد” أن الولايات المتحدة ستقود جهود الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول شريكة أخرى معنية في إطلاق الممر البحري. وللمفارقة، فإن الدول التي دعمت صمود جيش العدو بالحرب ضد الشعب الفلسطيني وعملت و/أو راقبت عمليات القتل والتجويع والإبادة، تتصدّى أخيرًا للمساعدة في دخول المساعدات؛ والجيش الأمريكي الذي أدارت قيادته غرفة العمليات المشتركة منذ بدايات الحرب سيبني ميناء موقتًا على ساحل قطاع غزة لاستقبال المساعدات (يحتاج وفق التقديرات الأمريكية إلى ما بين ثلاثين إلى ستين يومًا). صفّق الحاضرون خلال الخطاب لبايدن، لكن ماذا عن كيفية التوزيع وطريقة إدارته ومصير الفلسطينيين خلال هذه المدّة، خاصة وأنّ التقارير الرسمية المسؤولة تتحدث عن ضعف وتيرة المساعدات في رفع “الكارثة”، وأن الناس تموت أثناء عملية استلام المساعدات؛ تارة لا تفتح المظلّات، وتارة أخرى تتسبب بفوضى وبطوابير انتظار وبسقوط ضحايا.

ورقة تضليل

اليوم، يثير خطاب “حالة الاتحاد” جدلًا سياسيًّا وإعلاميًّا في الداخل والخارج بين من يستشعر فيه ناحية إنسانية أمريكية باعتبار سمات النظام القائم على قواعد “الديمقراطية الليبرالية” وشعارات “الحريات وحقوق الإنسان”؛ وبين مَن يعيش وهج القيادة الأمريكية القوية مع إعلان الرئيس بايدن قيادة الجيش الأمريكي جهود المساعدة وأن واشنطن تتطلع الآن إلى التحرك وربما أخذ الأمور على عاتقها؛ وبين آخرين يستدلون به على الفشل لأنه مؤشر على أن الضغط الأمريكي لمحاولة إقناع حليفه “الإسرائيلي” بالسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة لم ينجح حقًا، أو على الأقل لم ينجح بما فيه الكفاية، كما يُعبّر مراسل “سكاي نيوز” في الشرق الأوسط، أليستر بونكال. ويمكن إضافة رأي رابع وهو أن كل ما يجري يأتي في سياق استكمال إدارة بايدن مسار تأمين الروافع الانتخابية اللازمة بعد تراجع نقاطه الانتخابية في ظل موجة الغضب الداخلية على سياسته تجاه الحرب في غزة، فضلًا عن المشكلات الداخلية، وتحديدًا في ملفي الحدود والتمويل الخارجي.

إقرأ على موقع 180  "إقتصادنا" للشهيد الصدر.. مقاربة ثورية أم كلاسيكية؟ (1)

ويمكن القول إن الاندفاعة الأمريكية عبارة عن ورقة تضليل دعائي وانتخابي أخرى تضاف إلى جانب عملية “بعث” فكرة “حل الدولتين” التي تهدف بالدرجة الأولى إلى “القضاء على حركة حماس” بعدما عجزت الآلة العسكرية الصهيونية عن تحقيق الهدف الأول لحكومة نتنياهو في الحرب على غزة.

وكما سارعت الإدارة الأمريكية بعد “طوفان الأقصى” لمساعدة الكيان، وبشكل غير مسبوق، خوفًا من انهياره، تلجأ الإدارة نفسها بعد الفشل “الإسرائيلي” في تحقيق إنجازات استراتيجية لإحياء “حل الدولتين” كرؤية أمريكية في التعامل مع “حركات التمرّد” عبر محاولة تفكيك حركة حماس سياسيًّا واجتماعيًّا. يقرّ الجميع بأن طرح الفكرة مجددًا يفتقر للهيكلية والرؤية الواضحة والآليات الصريحة.

“الصدمة أو الفوضى الخلاّقة”

وفي مقاربة مماثلة، لا يُظهر الإعلان الأمريكي عن بناء ميناء ورصيف بحري لإدخال المساعدات من القوة بما يكفي ليَخرج من إطار البروباغندا السياسية التسويقيّة، فالمساعدات، إن وصلت، لن تكفي وستطيل أمد الحرب؛ والأكيد أنها قد تملأ بطن طفل جائع قبل أن يتناثر جسده إلى أشلاء بالقنابل الأمريكية الصنع. الرئيس بايدن في خطابه يرفض أن تكون المساعدات الإنسانية “اعتبارًا ثانويًّا أو ورقة مساومة”، ويحثّ حكومة بنيامين نتنياهو على “بذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين والسماح بإدخال المساعدات”، لكنه يسمح باستمرار الحرب والقتل، بينما لسان حال أهل غزة وكل حرٍّ: “أوقفوا الحرب ونحن نأكل” و”لا تطعمونا وتقتلونا”. هي عقيدة “الصدمة أو الفوضى الخلّاقة” التي تؤمّن للإدارة الأمريكية التملّص من المسؤوليات عن ارتكاب الجرائم والحروب وإسقاط الحكومات واندلاع الثورات الملوّنة والظهور بدور “المنقذ”، بينما تقود الإبادة وتتقن لعب “تبادل الأدوار” مع حليفها وشريكها “الإسرائيلي” في حين أنها تمتلك قرار الحرب وتسعى لحماية الهيمنة الأمريكية في المنطقة والكيان المؤقّت، بالدرجة الأولى. أما الخلافات التي يركن إليها البعض فليست أكثر من عملية مزايدة سياسية بشأن كيفية تحقيق هدف محاولة “القضاء على حماس” وطمس إنجازات صمود الشعب الفلسطيني بغية محاولة تأمين الربح في حرب الكيان على فلسطين.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

أستاذة جامعية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  رضي الموسوي “صيدٌ ثمينٌ”.. هل تنقلب معادلات الميدان؟