يتضمن القرار 2728 بندين رئيسيين:
أولاً؛ يطالب القرار بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف، مما يؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار، ويطالب أيضًا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات السكان الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، وأن يمتثل الطرفان لالتزاماتهما بموجب القانون الدولي في ما يتعلق بجميع الأشخاص الذين يحتجزونهم؛
ثانياً؛ يُشدّد القرار على الحاجة الملحة لتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في قطاع غزة بأكمله، ويُكرّر مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، بما يتماشى مع القانون الدولي الإنساني.
انطلاقًا من مضمون هذا القرار والظروف المحيطة بصدوره، يُمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
1- صدر هذا القرار بعد فشل مجلس الأمن في تبني ثلاثة مشاريع قرارات بفعل مواجهتها بالفيتو الأميركي ومشروعي قرارين بالفيتو الروسي والصيني. وقد حظي القرار 2728 بموافقة 14 دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت هي الولايات المتحدة. والجدير ذكره أن الدول الأعضاء غير دائمة العضوية في مجلس الامن هي التي تقدمت بمشروع القرار بعد مشاورات اعقبت فشل المجلس في تبني اي قرار آخر. يُعتبر امتناع الولايات المتحدة عن التصويت موقفًا متقدمًا بالمقارنة مع مواقفها السابقة باستخدام الفيتو على أي قرار يتضمن وقف اطلاق النار المستدام.
هذا النص الملتبس يجعل من القرار إطاراً للتفاوض المستمر حاليًا بوساطة مصرية قطرية ومشاركة أميركية بين حركة “حماس” وإسرائيل للتوصل إلى هدنة، ولا سيما لجهة تثبيت الوقف الفوري لاطلاق النار
2- اتخذ القرار 2728 وفق البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة وعنوانه “حل النزاعات سلميًا، أي
Pacific Settlement of Disputes
وجرت العادة ان لا ترد في متن القرار عبارة البند السادس وانما يُذكر البند السابع في حال تبني أي قرار وفق هذا البند، ويعني ذلك أن القرار ملزمٌ سياسيًا لكنه لا يدعو إلى استخدام القوة المسلحة لتنفيذه كما هو الحال في القرارات المتخذة وفق البند السابع وعنوانه “التدابير المتخذة بشأن التهديدات للسلام وخروقات السلام والعدوان”، أي
Action with respect to threats to the Peace, Breaches of the Peace, and Acts of Aggression
3- يمكن وصف القرار بالملتبس إذ أنه يطلب وقف إطلاق النار في شهر رمضان الذي بقي منه أسبوعان فقط ولا يوضح ماذا يجري بعد انقضاء هذا الشهر.
4- لا يتضمن القرار أي ذكر لآلية مراقبة وقف إطلاق النار ولا ينص على ايجاد قوة مراقبين تشرف على تنفيذه وتسجل الخروقات وتعالجها، أي أنه يفتقد لأية آلية تنفيذية.
5- يستخدم القرار تعبير الإفراج الفوري عن “الرهائن”، وهذا تعبير تستعمله إسرائيل وداعميها فيما تستعمل حركة حماس تعبير “الأسرى”، وبالتالي هل ستحصل مفاوضات من أجل ابرام صفقة تبادل بين أسرى فلسطينيين تسميهم إسرائيل معتقلين وبين “رهائن” إسرائيليين؟
6- لا يذكر القرار شيئًا عن عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمالي القطاع كما يُطالب الجانب الفلسطيني أو عن انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية إلى خارج حدود القطاع بغية التمكن من تنفيذ أحكامه.
7- يُوفر القرار فرصة حقيقية أمام جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق للتعامل مع الواقع الذي سيترتب على القرار سواء بدرس استمرار هذه “الجبهات” أو توقفها، وذلك تبعًا للسلوك الإسرائيلي في المرحلة المقبلة. وفي حال توقفت يكون القرار قد أنقذ اسرائيل من الكماشة التي بدأت تقبض عليها في باب المندب ولبنان والعراق والجولان.
8- هذا النص الملتبس يجعل من القرار إطاراً للتفاوض المستمر حاليًا بوساطة مصرية قطرية ومشاركة أميركية بين حركة “حماس” وإسرائيل للتوصل إلى هدنة، ولا سيما لجهة تثبيت الوقف الفوري لاطلاق النار.
بكل الأحوال، من المرتقب أن تستمر المفاوضات وتشمل تفاصيل تبادل الأسرى ومدة الهدنة خصوصًا أنه من المنطقي أن تتجاوز نهاية شهر رمضان بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية وعودة النازحين بحيث تتوفر سلة كاملة يمكن الانطلاق منها نحو عملية سياسية شاملة.
ولعل من أبرز ايجابيات القرار إذا تم تنفيذه أنه يوفر فرصة تدفق المساعدات الإنسانية الى سكان غزة الذين يعانون من المجاعة ونقص الغذاء والماء ونقص العناية الطبية بعد تدمير معظم المستشفيات والمرافق الصحية في شمال القطاع ووسطه وجنوبه، من دون اغفال الجانب الإغاثي لكنه غير كافٍ والمطلوب هو استكمال تنفيذ القرار للتوصل الى اتفاق وقف اطلاق نار مستدام ينهي الحرب.
إن من نتائج القرار توفير فرصة لاستراحة المحاربين، فإذا كان الجنود الإسرائيليون لديهم أماكن استراحة وتدابير لتبديل الوحدات التي انهكت في القتال فان مقاتلي المقاومة بحاجة إلى استراحة ضرورية من أجل التقاط الأنفاس واعادة تنظيم القوات واتخاذ التدابير اللوجستية المطلوبة.
وضع القرار 2728 النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين على مفترق طرق حاسم. إما أن يعبر الطرفان من خلال هذا القرار نحو التوصل إلى هدنة والتقدم مستقبلًا باتجاه تسوية الأمور العالقة وإما الدخول في نفق الرفض والتعنت كما عودتنا إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار القتال والأرجح تطوره وتوسع الجبهات وادخال المنطقة في أتون نزاع دموي طويل.