“ذا إيكونوميست”: في لحظة قَوتها العسكرية.. إسرائيل ضعيفة للغاية

"الضرر الذي لحق بسمعة إسرائيل قد يجعل مواصلة القتال في غزة أصعب خاصة أن التهديد الحقيقي يأتي من إيران وأذرعتها ولا سيما حزب الله. وبالتالي ردع هؤلاء يتطلب تحالفاً عسكرياً مع أمريكا التي تحتاج إلى دعم الحزبين بالإضافة إلى دعم دول الخليج العربية"، هذا هو الإستنتاج الذي يخلص إليه تقرير مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية بتاريخ الحادي والعشرين من آذار/مارس 2023.

ما يزال هناك معبر ضيق للخروج من جحيم غزة. هذا المعبر يتمثل بوقف مؤقت لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن مما قد يؤدي إلى تغيير الحكومة الإسرائيلية.

بالنسبة إلى مقاتلي “حماس” في جنوب غزة، فمن الممكن احتواءهم هذا إذا لم يتلاشوا. ومن تحت الركام، من المحتمل أن تبدأ المحادثات حول حل الدولتين، حل تضمنه وتموّله أمريكا وحلفائها في الخليج. بالطبع، احتمال فشل محادثات وقف إطلاق النار ما يزال قائماً مما سيترك إسرائيل حبيسة المسار الأكثر كآبة منذ وجودها قبل 75 عاما.

مسار يتميز باحتلال لا نهاية له، سياسات يمينية متشددة وعزلة. اليوم يعيش الكثير من الإسرائيليين حالة نكران لهذه الحقيقة ولكن يوم الفصل السياسي آت لا محالة ولن يُحدّد فقط مصير الفلسطينيين، بل سيُحدّد أيضاً ما إذا كانت إسرائيل ستزدهر في السنوات الخمس والسبعين القادمة.

ديبلوماسية خرقاء

الوضع الراهن غير مريح للغاية. في تشرين الأول/أكتوبر، شنّت إسرائيل “حرب دفاع عن النفس” ضد “حماس” التي هدّد مقاتلوها فكرة (إسرائيل أرض آمنة لليهود). اليوم وبالرغم من أن إسرائيل قد دمّرت نصف قوات “حماس” إلا أنها قد فشلت في مهمتها.

أولاً، في غزة، حيث أن إحجامها عن المساعدة في تقديم أو توزيع المساعدات قد أدى إلى كارثة إنسانية كان من الممكن تجنبها، حيث تجاوزت الخسائر من المدنيين جراء الحرب أكثر من 30 ألف قتيل وهي في تزايد مستمر. أما حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة فقد رفضت خططًا لإدارة قطاع غزة بعد الحرب إما من قبل الحكومة الفلسطينية أو قوة دولية. وهذا لا يعني سوى أن النتيجة المرجحة هي عودة الاحتلال العسكري للقطاع. وإذا أضيفت الضفة الغربية للمعادلة، حينها يمكن أن تبسط إسرائيل نفوذها على خمسة ملايين فلسطيني.

الحل الأمثل يتمثل بوقف مؤقت لإطلاق النار، وفتح الطريق أمام محادثات حل الدولتين. إذا لم يتحقق هذا، فإن السياسة الأمريكية سوف تحتاج إلى إعادة برمجة. خاصة بعد أن بات واضحاً بأن بايدن فشل في احتضان إسرائيل، إلا أن إرغامها على الإنسحاب كان سيلاقي نفس المصير

لم تفشل إسرائيل في غزة وحسب بل فشلت في الداخل أيضاً. المشاكل في الداخل أعمق من قيادة نتنياهو البائسة. فلقد أدت الحركة المتزايدة للاستيطان والمستوطنين واليهود الأرثوذكس المتطرفين إلى جنوح السياسة نحو اليمين المتطرف. قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان ذلك جلياً في الصراع على استقلالية القضاء. أما الحرب فقد ساهمت في إزدياد المخاطر وبالرغم من استبعاد أحزاب الإئتلاف اليمينية المتطرفة من وزارة الحرب، إلا أنها قد عرّضت المصالح الوطنية لإسرائيل للخطر من خلال الخطاب التحريضي، إذكاء عنف المستوطنين، وإحباط محاولات التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب (اليوم التالي).

أما فشل إسرائيل الكبير فيتمثل في ديبلوماسيتها الخرقاء. الغضب من الحرب كان أمراً لا مفر منه، وخاصة في دول الجنوب، إلا أن أداء إسرائيل في مواجهة هذا الغضب وكيفية إمتصاصه كان ضعيفاً. “الحرب الشرعية”، بما في ذلك الإدعاءات الزائفة عن الإبادة الجماعية، قد ألحقت الضرر بسمعة إسرائيل، وبات من الواضح أن تعاطف الشباب الأمريكيين معها أقل من تعاطف آبائهم. وكان جو بايدن قد حاول كبح حكومة نتنياهو من خلال احتضانها علناً، إلا أنه فشل في ذلك. حتى أن تشاك شومر، أكبر حليف لإسرائيل في مجلس الشيوخ (الحزب الديموقراطي)، كان قد شجب في 14 مارس/آذار أعمال “حماس” الوحشية لكنه أضاف إن قائد إسرائيل (نتنياهو) “ضائع”.

التهديد.. من إيران

إنها صورة قاتمة وغالباً ما لا يتم الاعتراف بها في القدس أو تل أبيب. نتنياهو يتحدث عن غزو رفح، معقل “حماس” الأخير، بينما يحلم اليمين المتطرف بالإستيطان من جديد في غزة. كما أن العديد من الإسرائيليين يخدعون أنفسهم كذلك إذ يعتقدون أن التهديدات التي تعرضت لها إسرائيل تبرر قسوتها كما يظنون أن الحرب ساعدت في استعادة قوة الردع. غزة تظهر أنه إذا قتلت إسرائيليين، فإن الدمار سيلوح في الأفق لا محالة. يرى الكثيرون أن السلام لا شريك له، فالسلطة الفلسطينية فاسدة واستطلاعات الرأي تشير إلى أن 93% من الفلسطينيين ينكرون إرتكاب “حماس” لأي أعمال وحشية. ويخلصون إلى أن الاحتلال هو أهون الشرين.

يُفضّل الإسرائيليون أن يتمتعوا بشعبية في الخارج، لكن الإدانة ومعاداة السامية ثمن بسيط يدفع مقابل الأمن. أما بالنسبة لأمريكا، فقد غضبت من قبل وعلاقتها بإسرائيل ليست على وشك الإنهيار. إذا عاد دونالد ترامب، فقد يمنح إسرائيل من جديد تصريحًا مجانيًا. هذه القصة المغرية هي بمثابة إعلان لكارثة. إن الضرر الذي لحق بسمعة إسرائيل قد يجعل مواصلة القتال في غزة أصعب خاصة أن التهديد الحقيقي يأتي من إيران وممثليها، بمن فيهم حزب الله. وبالتالي ردع هؤلاء يتطلب تحالفاً عسكرياً مع أمريكا التي تحتاج إلى دعم الحزبين بالإضافة إلى دعم دول الخليج العربية.

إقرأ على موقع 180  "هآرتس" عن لقاء مـاكرون ـ نتنياهو: إنتهى زمن المسايرة!

الحل الأمثل

يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي على صادرات التكنولوجيا ولديهم خبرات تضمن إمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية. وبدلاً من تحقيق الآمان للإسرائيليين، فإن الاحتلال الدائم يُسمّم السياسة ويُساهم في شد عزيمة اليمين المتشدد وتوليد التطرف الفلسطيني.

مسار إسرائيل سيزيد من حدة سياساتها العرقية القومية ويشكل تهديداً قانونياً للاقتصاد. وبالتالي قد تضعف قوة الردع مع تعمق الشرخ مع الغرب. فمن الممكن إدراج شركات إسرائيلية في القائمة السوداء. وحتى من الممكن أن ينقل رؤساء الشركات العالية التقنية شركاتهم إلى الخارج كي لا يتم إلقاء القبض عليهم إذا كانوا من جنود الاحتياط. يجب على أمريكا مساعدة إسرائيل على تجنب هذا المصير، وفي حال فشلت فإن أمريكا ستدفع ثمناً دبلوماسياً باهظاً.

الحل الأمثل يتمثل بوقف مؤقت لإطلاق النار، وفتح الطريق أمام محادثات حل الدولتين. إذا لم يتحقق هذا، فإن السياسة الأمريكية سوف تحتاج إلى إعادة برمجة. خاصة بعد أن بات واضحاً بأن بايدن فشل في احتضان إسرائيل، إلا أن إرغامها على الإنسحاب كان سيلاقي نفس المصير. فلو أن أمريكا كانت حاولت إرغام إسرائيل على الخروج من غزة بينما كانت “حماس” ما زالت قادرة على إعادة تنظيم صفوفها، فإن أمن إسرائيل كان حتماً سيصبح في خطر.

من هنا يتعين على أمريكا إستخدام سبل أخرى. بداية عليها توزيع المزيد من المساعدات الإنسانية والامتناع عن تزويد إسرائيل بالأسلحة لغزو رفح، وذلك نظراً لشح الإمدادات المدنية. كما يتعين عليها توسيع نطاق العقوبات ضد المستوطنين واليمينيين المتعصبين لكي تثبت للناخبين الإسرائيليين أن أمريكا تضمن أمنهم، ولكنها لا تدعم التطرف أو الاستعمار الدائم. بالإضافة إلى ما سبق، يجب على أمريكا تجديد حرصها الشديد على الإعتراف بفلسطين كجزء لا يتجزء من مفاوضات حل الدولتين السلمية.

المعركة القادمة

لكن للأسف ليس بإستطاعة أمريكا فعل الكثير. معظم الحروب الإسرائيلية غالباً ما تتبعها اضطرابات سياسية. أما بالنسبة لإقالة نتنياهو فهذا ليس بالأمر اليسير. لكن على أي حال عندما يحين وقت تصفية الحساب فإن الحساب سيكون كبيراً. الحرب حطّمت الكثير من الأوهام أهمها: إمكانية تجاهل الفلسطينيين، رغبة السلطة الفلسطينية بالإصلاح، أقلية المعادين للسامية، تظاهر إسرائيل بتأييد حل الدولتين بينما تتوسع المستعمرات، وآخرها إمكانية ترويض اليمين المتطرف. الخبر السار هنا أن الأمل ما زال موجوداً. هذا الأمل يتمثل بإستطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الوسطيين في إسرائيل يسيطرون على ما بين 50 إلى 60 بالمئة من الأصوات، بقوة بعض المؤسسات مثل المحكمة العليا، وبوجود زعماء أفضل. الصراع على مستقبل إسرائيل ينتظر. وعلى كل حال فإن المعركة في غزة ما هي إلا البداية.

(*) ترجمة بتصرف عن موقع “ذا إيكونوميست

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  اليسار العربي المهزوم، فلسطين تُوحّدهُ.. ماذا بعد؟