رفح و”الفيتو” الأمريكي.. جائزتا ترضية لتل أبيب

لم يكد يمر أسبوع على الرد الإيراني على الإعتداء "الإسرائيلي" الذي استهدف قنصلية إيران بدمشق، حتى ردّت تل أبيب على هذا الرد، وإن تضاربت الأنباء حول الأهداف. ما هو مُرجح أن الهدف كان في مدينة أصفهان جنوب إيران، وما هو مُرجح أيضاً أن الرد كان بمُسيّرات من طراز "كود كوبتر" انطلقت إما من الأراضي الإيرانية عبر متسللين من حدود إيران المترامية الأطراف وإما من دولة مجاورة تربطها بـ"إسرائيل" علاقة جيدة أو من غواصة في البحر.

في الوقائع، تجنّبت “إسرائيل” رسمياً اعلان مسؤوليتها عن الهجوم الذي حصل على مدينة أصفهان، فيما أعلنت السلطات الإيرانية أنها تصدّت لأجسام غريبة فوق المدينة وأسقطتها من دون أن تتسبب بأية أضرار مادية أو بشرية. وبهذا الرد ينطبق مثل “لا مات الديب ولا فني الغنم”، أي أن “إسرائيل” تعتبر أنها ردّت على الهجوم الإيراني، فيما إيران تعتبر أن “إسرائيل” لم تتجرأ على الرد المباشر (لا تبني رسمياً ولا مُسيرات من أراضي فلسطين المحتلة)؛ وهكذا يبقى الطرف الذي هاجم أصفهان ضميراً مُستتراً تقديره “الموساد”. وبذلك تُطوى هذه الصفحة من أول مواجهة مباشرة بين إيران و”إسرائيل” بنتيجة “رابح /رابح” في الوقائع، كون إيران قد أعفت نفسها من ضرورة الرد على الرد “الإسرائيلي” واكتفت بنتيجة عرض القوة غير المسبوق الذي نفّذته من دون أن تنجر إلى مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما كان يطمح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ضمن مسار دشّنته غارة القنصلية الإيرانية في دمشق.

هذا في الوقائع، أما في التحليل، لسنا أمام معادلة “رابح/ رابح”، بل لا بد من خاسر ما. لنبدأ تحليل الوقائع من عند الإشارة الوحيدة من تل أبيب التي تدل على مسؤولية “إسرائيل” عن استهداف أصفهان وهي كلمات وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير التي وصف فيها الرد “الإسرائيلي” بأنه “ردٌ سخيفٌ” فيما التزمت الحكومة “الإسرائيلية” الصمت وسارع البنتاغون الأمريكي للجزم أن الولايات المتحدة لم تشارك بالرد “الإسرائيلي”، علماً أنه كما أسلفنا لم تتبنَ “إسرائيل” الرد رسمياً.

يُمكن ألا يكون “الفيتو” الأمريكي في مجلس الأمن جائزة الترضية الوحيدة التي قدمتها الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” لمنع استدراجها إلى مواجهة مباشرة مع إيران بل يُمكن أن تكون رفح جزءاً لا يتجزأ من هذه الجائزة، وهكذا يكون من لا يملك أعطى لمن لا يستحق، غير أن ذلك لا يعني أن معركة رفح ستكون سريعة وسهلة، بل ستكون طويلة ومعقدة جداً

وبالمقارنة بين عدم إعلان “إسرائيل” مسؤوليتها رسمياً عن الهجوم على أصفهان ولا حتى عن الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، مقابل القرار الإيراني المسبق بالرد ومن ثم تبني بدء عملية الرد ومن ثم اعلان نهايتها بلسان البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة الأراضي ومن قلب إيران وبأسلحة متنوعة بين مُسيّرات وصواريخ بالستية وصواريخ مجنحة (كروز)، فإن الكفة تصبح مُرجحة لجهة إيران. هذه الوقائع تُبيّن أن أحد طرفي الصراع يعمل تسللاً فيما يعمل الطرف الآخر علناً برغم الحماية التي يتمتع بها خصمه من مظلة قوى عالمية وإقليمية عبّرت عن نفسها هذه المرة في الميدان قبل السياسة. لا بل إن الولايات المتحدة التي تتبنى أمن “إسرائيل” بالكامل سارعت أيضاً إلى التنصل من الهجوم “الإسرائيلي” المفترض.

وللمصادفة، تزامن الهجوم المجهول المعلوم على أصفهان، مع اجتماع لمجلس الأمن الدولي لمناقشة طلب تقدّمت به الجزائر للاعتراف بدولة فلسطين، فكانت النتيجة أن 12 من أصل 15 دولة في مجلس الأمن وافقت على الطلب فيما امتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت وصوّتت ضد القرار الولايات المتحدة منفردة من خلال استخدامها حق النقض (الفيتو) منعاً للاعتراف بدولة فلسطين، وهذا ما يطرح التساؤل هل كان هذا الموقف الأمريكي استرضاء لـ”إسرائيل” لعدم القيام بهجوم كبير على إيران يستدعي ردها وبالتالي استدراج واشنطن إلى مواجهة اقليمية قد تتحول إلى عالمية؟

إن كان في الأمر مقايضة أو لم يكن، فإن واشنطن تكشف مُجدداً عن نفاقها في الحديث عن حل الدولتين برفضها الاعتراف بدولة فلسطين فيما هي تُقدّم كل الدعم والحماية لدولة الاحتلال بكل فاشيتها ونازيتها وعنصريتها في التعامل مع الشعب الفلسطيني، كما تكشف أن كلّ ما تُردده بشأن حل الدولتين مجرد ذر للرماد في العيون، في محاولة لاظهار نفسها وسيطاً مُحايداً وليس طرفاً منحازاً، كما هو واقع الحال.

إن المواجهة المباشرة بين إيران و”إسرائيل” على مدى أسبوع سرقت الأضواء التي كانت مُسلّطة منذ أكثر من ستة أشهر على مذابح جيش الإحتلال في قطاع غزة وقطعان المستوطنين في مدن وقرى الضفة الغربية، كما سبق لنتنياهو أن قال إن المواجهة مع إيران “حتّمت تأجيل الهجوم على رفح”، ولكن مع طي صفحة المواجهة المباشرة عاد الكلام عن مواعيد قريبة للهجوم على رفح.. وهذه المرة بموافقة واشنطن بشروط واهية عنوانها “حماية المدنيين”!

لقد أسفرت المذبحة المستمرة في قطاع غزة عن استشهاد قرابة 34 ألف فلسطيني بينهم 13 ألف طفل وعشرة آلاف امرأة وإصابة قرابة 76 ألفاً، وذلك بحسب أرقام المنظمات الدولية وليس فقط وزارة الصحة الفلسطينية، وبحسب هذه الأرقام أيضاً، هناك 20 ألف طفل فلسطيني باتوا أيتام بسبب استشهاد الوالدين معاً، من دون احتساب أولئك المدفونين تحت ركام الأبنية التي دمّرها الاحتلال.

إقرأ على موقع 180  إنحدار المكانة الأمريكية.. العالم يدفع الثمن!

ذكر هذه الأرقام ليس لاستدرار عطف القارىء بل لاعطائه مؤشراً حول ما يمكن أن ينتج عن الهجوم “الإسرائيلي” على منطقة رفح التي تبلغ مساحتها فقط 64 كيلومتراً مربعاً تضم أكثر من مليون ومائة ألف نازح فلسطيني حالياً ناهيك عن سكانها الأصليين. وفي الوقت نفسه، اظهار النفاق الذي تُمارسه واشنطن في زعمها أنها ترفض الهجوم “الإسرائيلي” على رفح، فيما ما تزال تزود جيش الإحتلال بجسور جوية من الأسلحة والذخائر. وبهذا المعنى، يُمكن ألا يكون “الفيتو” الأمريكي في مجلس الأمن جائزة الترضية الوحيدة التي قدمتها الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” لمنع استدراجها إلى مواجهة مباشرة مع إيران بل يُمكن أن تكون رفح جزءاً لا يتجزأ من هذه الجائزة، وهكذا يكون من لا يملك أعطى لمن لا يستحق، غير أن ذلك لا يعني أن معركة رفح ستكون سريعة وسهلة للجيش “الإسرائيلي”، بل ستكون طويلة ومعقدة جداً، حالها كحال معارك الوسط والشمال، ولهذا السبب، تُنذر مُجدداً بتفجير الوضع الإقليمي.. ربطاً بمعادلة “وحدة الساحات”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  العلاقات الأميركية الإسرائيلية.. على نار الملفات الخلافية