ما نسيه تشاك شومر.. أو تناساه!

تظهر استطلاعات الرأى العام فى أمريكا أن التأييد الشعبى لإسرائيل بخاصة لدى الديموقراطيين قد تراجع كثيرا والفجوة بين رأى الناس ورأى القادة المنتخبين تتسع. فقد أظهر الاستطلاع السنوى لمؤسسة "جالوب" أن 49% من الديموقراطيين يتعاطفون مع الشعب الفلسطينى مقابل 38% مع إسرائيل. وتقول مجلة "تايم" إن ألفاظا مثل العنصرية والأبارتيد بدأت تتردد فى الأوساط الديموقراطية عند الحديث عن إسرائيل.

هذه الألفاظ بدأت تزحف رويدا فى اتجاه القادة والمسئولين المنتخبين، فقد صرح مثلا السناتور الديموقراطى كريس فان هولن – عضو لجنة الشئون الخارجية – بأن علاقة أمريكا مع إسرائيل كانت دائما تقوم على أساس المصالح والقيم المشتركة ولكن أين هى القيم المشتركة مع شخص مثل ايتامار بن غفير (الوزير الصهيونى اليمينى المتطرف)..

ومع ذلك، هذا الاتجاه الشعبى لا ينعكس فى واشنطن لدى أصحاب القرار حيث ما زال التأييد جارفا لإسرائيل ويتضح ذلك جليا فى الهجوم الضارى الذى تعرضت له عضوة مجلس النواب السيدة براميلا جايابال بسبب وصفها لإسرائيل بأنها دولة عنصرية. انتهت العاصفة بإصدار مجلس النواب قرارا بأغلبية ساحقة (412 مقابل 9) ينفى عن إسرائيل صفة العنصرية أو الأبارتيد.. ويعود السبب فى ذلك إلى أن معظم هؤلاء القادة المنتخبين هم «ترباية» إسرائيل إن جاز التعبير.

وقد شرح المؤرخ اليهودى المعروف، إلان بابييه، السر فى ذلك فقال إن «اللوبى اليهودى يقوم باحتضان هؤلاء القادة منذ بداياتهم الأولى فى عالم السياسة وهم لا يزالون صغارا فيتصل بهم ويعرض عليهم المساعدة بالمال والنفوذ والدعاية مقابل تأييد إسرائيل”، كما يلمح إلى أنهم إن رفضوا ذلك فسيتجه لتأييد منافسيهم.

***

يرى المراقبون أن الهوة الآخذة فى الاتساع بين رأى الشارع ورأى القادة ستؤدى فى النهاية إلى فقدان هؤلاء القادة لمقاعدهم.. لذا فإننى أتمنى أن يستمر المواطنات والمواطنون الأمريكيون من أصول عربية فى دعمهم للحزب الديموقراطى – خصوصا فيما يسمى بالولايات المتأرجحة بين الحزبين حيث الفارق بينهما قليل – لأن البديل الآخر وهو الحزب الجمهورى يضم تيارا قويا يساند إسرائيل من منطلق دينى يصعب تغييره وهو التيار المعروف بالصهيونية المسيحية الذى يؤمن بأن قيام إسرائيل ضرورة لإتمام نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، أما تأييد الحزب الديموقراطى فقائم على أسباب سياسية ومادية قابلة للتغيير، حتى لو استغرق هذا التغيير زمنا فلا ننسى أن اللوبى اليهودى بدأ فى أمريكا منذ ما يقرب من 120 عاما..

شومر نسى شيئا هاما وهو أن المشكلة الفلسطينية ليست وليدة 7 أكتوبر/تشرين الأول وأن حل الدولتين موجود قبل أن توجد العقبات الأربع التى يعتقد أنها تحول دون تحقيق الحل، فالمشكلة وحلها أقدم من حماس ومن نتنياهو ومن محمود عباس وسلطته الفلسطينية ومن اليمين الإسرائيل المتطرف

وفضلا عن ذلك فإن مرشح الحزب الجمهورى الحالى هو دونالد ترامب الذى عاقب الفلسطينيين قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول بكل ما طلبته إسرائيل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول.. فأغلق مكاتب منظمة التحرير فى واشنطن واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها واعترف بضم إسرائيل للجولان وسعى إلى تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنع عنها المساهمة المالية، بل سعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تفريغ المبادرة العربية من أهم شروطها وهو التطبيع العربى مقابل استعادة الحقوق الفلسطينية.

***

أما التيار المؤيد للشعب الفلسطينى والمعارض لسياسة إسرائيل داخل الحزب الديموقراطى فهو تيار آخذ فى النمو، واللافت للنظر أن تيار انتقاد إسرائيل داخل الحزب الديموقراطى لم يتوقف عند مجموعة اليساريين بزعامة بيرني ساندرز، بل امتد ليصل إلى قمة المحافظين فى زعامة الحزب ممثلة فى تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديموقراطية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، ونظرا لأهمية الرجل ولأهمية مركزه بالحزب وبالدولة فأسأعرض موقفه بشىء من الإسهاب.

أولاً؛ من هو تشاك شومر هذا؟

إنه كما وصف نفسه “اليهودى الذى يشغل أعلى منصب انتخابى بالولايات المتحدة”، وهو اليهودى الصهيونى المحب لإسرائيل، الذى ظل لمدة أسبوعين يعد للبيان الذى سيلقيه بمجلس الشيوخ حول الحرب فى غزة ويعدل ويبدل فيه ويستشير بشأنه عددا كبيرا بدءا بزوجته والأصدقاء المقربين.

بحلول منتصف شهر مارس/آذار الماضى عقد العزم على إلقاء البيان.. وبالفعل جاء البيان على غير النسق المعهود بالقادة الأمريكيين حيث هاجم فيه نتنياهو واتهمه بأنه ضل طريقه وجعل مستقبله السياسى يتقدم على مصالح إسرائيل وطالب الشعب الإسرائيلى بإبعاده عن الحكم وبإبعاد اليمين المتطرف معه..

وقد بدأ خطابه الطويل بتمهيد يؤكد فيه تعاطفه مع إسرائيل وأنه من هذا المنطلق يرى – على عكس سياسة نتنياهو وحكومته اليمينية – أن حل الدولتين هو الحل الوحيد للمشكلة نظرا لأن حل الدولة الواحدة التى يعيش فيها اليهود والفلسطينيون معا فى سلام وبحقوق متساوية هو حل يوتوبى غير قابل للتحقيق كما أنه يفقد إسرائيل طبيعتها اليهودية. ويضيف شومر «ولكن هذا الحل يواجهه أربع عقبات وما لم تُبدد هذه العقبات فلن يكون هناك سلام فى المنطقة”. وهذه العقبات الأربع فى رأيه هى: أولاً؛ حماس. ثانياً؛ نتنياهو. ثالثاً؛ اليمين الإسرائيلى المتطرف. رابعاً؛ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

إقرأ على موقع 180  حادثة نطنز بعيون عبرية: قرار الرد بيد "المرشد"

ثم أسهب فى شرح لماذا تشكل هذه العناصر الأربعة عقبات كأداء أمام الحل السلمى، وقد عرضنا ما قاله عن نتنياهو ومن السهل تخمين ما قاله عن حماس وعن اليمين الإسرائيلى المتطرف، أما ما قاله عن محمود عباس فقد اتهمه بمعاداة السامية وإنكاره المحرقة لأمد طويل وعدم إدانته ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول إلا بعد حين، بالإضافة إلى تهم الفساد وعدم الكفاءة ورفض إجراء انتخابات رئاسية ونيابية وفقدان شعبيته.

ولكن شومر نسى شيئا هاما وهو أن المشكلة الفلسطينية ليست وليدة 7 أكتوبر/تشرين الأول وأن حل الدولتين موجود قبل أن توجد العقبات الأربع التى يعتقد أنها تحول دون تحقيق الحل، فالمشكلة وحلها أقدم من حماس ومن نتنياهو ومن محمود عباس وسلطته الفلسطينية ومن اليمين الإسرائيل المتطرف.

كما نسى شومر أو تناسى أن للمشكلة سببا رئيسيا واحدا وهو الاحتلال الإسرائيلى وأن الحل يكمن فى إنهاء الاحتلال وإزالة المستوطنات التى زرعها الاحتلال فى الأرض المحتلة. لقد أعمت الصهيونية عنه هذه الحقيقة البسيطة كما فعلت مع الكثيرين من أشياعها.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
سيد قاسم المصري

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  مذكرات أمين الجميل: قُضي الأمر.. حافظ الأسد يريد فرنجية!