تعود جذور الفنان صلاح السعدني إلى محافظة المنوفية جنوب الدلتا. قدم إلى القاهرة لدراسة الزراعة في جامعتها، وهو الشقيق الأصغر للكاتب المصري الكبير والساخر محمود السعدني أو “الولد العظيم”، وهو لقبه حيث ارتبط صلاح بشقيقه ارتباطاً عميقاً وكان له المرشد والصديق والأب الروحي، وكان صلاح يرافقه في معظم المنتديات والجلسات الأدبية التي كان يذهب إليها شقيقه.
سُجن محمود السعدني في عهدي جمال عبد الناصر وأنور السادات في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وقد تأثر صلاح السعدني كثيراً، وخصوصاً أنه حُرمَ من أدوار كثيرة على خلفية نشاط شقيقه محمود السياسي المعارض.
كان صلاح يقضي معظم أوقاته في القراءة وعُرفَ عنه أنه صاحب مجلس لا يُملُ نظراً لعمق معرفته ومخزونه الثقافي الكبير، فهو من القلائل الذين يُطلق عليهم لقب “الفنان المثقف”. طبعاً عاد للعمل بعد فترة استبعاد في الحقبتين الناصرية والساداتية على خلفية موقف السلطة من أداء شقيقه المعارض، وهذه المرة بطلب من وزير الثقافة المصري أنذاك الأديب يوسف السباعي ليلعب دوراً مسرحياً مع الممثلة المصرية القديرة سميحة أيوب في مسرحية “العمر لحظة”.
لعل دور “العمدة” في مسلسل “ليالي الحلمية” أصبح علامة فارقة في حياة السعدني، ليلقب من بعده بـ”عمدة الدراما” نظرا للتأثير الذي تركته تلك الشخصية القديرة في الشارعين المصري والعربي على حدّ سواء.
لم تكن “ليالي الحلمية” عملاً عادياً بل ملحمة للتاريخ الإجتماعي والسياسي لمصر، صاغها الراحل أسامة أنور عكاشة بحرفية عالية، برغم أن السعدني لم يكن المرشح الأساس لدور البطولة، فقد عُرض قبله على الفنان سعيد صالح الذي اعتذر عن الدور، لينشأ من بعدها تعاون فني بين الكاتب عكاشة والممثل، كانت ثمرته لعب دور حسن النعماني المعروف بـ”حسن أرابيسك” بطل الحارة الشعبية الجنتلمان في مسلسل “أرابيسك” بالإضافة إلى بطولات عديدة منها ثلاثية نجيب محفوظ (بين القصرين وقصر الشوق) كما قام ببطولة “حلم الجنوبي” وغيرها من الأعمال ليختم السعدني حياته الدرامية بدور العمدة المزواج للقاصرات في مسلسل “القاصرات”، وهو آخر عمل درامي قام السعدني ببطولته برغم أنه ينتمي إلى جيل عادل إمام وحسين فهمي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز الذين أثروا السينما المصرية وطبعوا هويتها لعقود من الزمن، إلا أنه لم يكن كما زملائه مُكثراً في الأعمال السينمائية.
قام صلاح السعدني ببطولة أفلام عدة مثل “طائر الليل الحزين” و”المراكبي” و”شحاذون ونبلاء” وشارك في أفلام مثل “الرصاصة لا تزال في جيبي”، إلا أن إثنين من أفلامه دخلا في قائمة أهم مائة فيلم في السينما المصرية، وهما “الأرض” المأخوذ عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي ومن إخراج يوسف شاهين، و”أغنية على الممر”، سيناريو وحوار مصطفى محرم وإخراج علي عبد الخالق.
على صعيد المسرح، نستطيع القول إن مسرح صلاح السعدني كان مسرحاً هادفاً وجاداً يعكس وعي الفنان وثقافته العالية، إذ أنه لم يكن إستعراضياً أو ترفيهياً، وبرغم أن المسرح هو بداية ميلاده الفني، إلا أن ما عُرف من مسرحيات صلاح السعدني، لم يكن بشهرة ما قدّمه على الشاشتين الصغيرة والكبيرة، وكان من بين أبرز ما قدّمه مسرحياً “حارة السقا” و”الجيل الطالع” و”الملك هو الملك”، و”قصة الحي الغربي” التي قال عنها الفنان الراحل سعيد صالح في لقاء تلفزيوني إنها فاقت في نجاحها مسرحية “مدرسة المشاغبين”، لكنها لم تُعرض لاحقاً عبر الشاشة الصغيرة لأن مضمونها كان ضد السلطة السياسية.
يُحسب السعدني على الشخصيات الفنية التي حملت آراء سياسية تميل لفكرة العروبة وفلسطين والوحدة وقد شاهدته في مطلع التسعينيات الماضية وهو يعتلي خشبة أحد مسارح دمشق مخاطباً الشعب السوري بأغنية “أنا واقف فوق الأهرام وقدامي بساتين الشام” ليذرف دمعة ويقول “الشام حلوة يا ولاد”.
تزوج السعدني من سيدة من خارج الوسط الفني وأنجب ولداً وبنتاً، وكان لافتاً للإنتباه أن ابنه أحمد احترف الفن لاحقاً أما ابنته ميريت التي درست الاقتصاد، فقد تزوجت بعيداً عن عالم الفن والشهرة.
وقد تمتع السعدني بصداقات كثيرة في الوسط الفني إلا أن صداقته بالفنان الراحل نور الشريف استمرت نحو نصف قرن. لم أكن أعرف السعدني عن قرب لكنّ نور الشريف حدّثني عنه كثيراً. كانت الثقافة وفلسطين والعروبة هي القاسم المشترك بين هذين الرجلين اللذين تجاوزت شهرتهما مصر إلى العالم العربي من مغربه إلى مشرقه.
وجمعت صداقة كبيرة بين السعدني والفنان أبو بكر عزت، إلى درجة أنهما اشتريا في المقابر مكاناً واحداً حتى يُدفن فيه أحدهما إلى جوار الآخر، وهذا ما حصل فعلاً، فقد دُفن السعدني إلى جوار صديق عمره أبو بكر، ويقول المقربون من السعدني إنه بعد رحيل أبو بكر ونور لم يعد صلاح يرغب بالخروج كثيراً من منزله، مُفضلاً العزلة والتأمل.
كان صلاح السعدني متفرداً بحبه لفنه وبلاده وأسرته وأصدقائه. رحمه الله فناناً قديراً من بين ثلة فرسان زمن الفن الجميل الذي طغت شخصيته على ملامح الدراما المصرية حتى وقت غير قليل.