التوحل الإسرائيلي في غزة.. ومأزق “الجبهة الشمالية”!

Avatar18028/06/2024
حدثت في الفترة القليلة الفائتة تطوّرات كثيرة في كل ما يتعلق بتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى حرب استنزاف على عدة جبهات أبرزها الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان. هذه التطورات يُشرّحها الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت في مقالته الأسبوعية الافتتاحية في موقع المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار).

أولاً؛ تتجّه الأنظار أكثر فأكثر نحو آخر المستجدات في منطقة الحدود الشمالية مع لبنان حيث ازداد الوضع تعقيداً. فلقد وصلت التوترات بين حزب الله وإسرائيل مؤخراً إلى ذروتها، بعد أن استهدفت غارة جوية إسرائيلية طالب عبد الله، قائد حزب الله في المنطقة الوسطى من الشريط الحدودي الجنوبي، وأبرز قادته الذين قُتلوا في الحرب الحالية. وتسببت مسيّرات مفخخة أطلقها حزب الله في الأسابيع الثلاثة الأخيرة باشتعال حرائق اجتاحت شمال إسرائيل، الذي تم إجلاء سكانه إلى حد كبير منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقال الحزب مؤخراً إن إحدى مسيّرات الاستطلاع الخاصة به نجحت في تصوير بعض المواقع الاستراتيجية في شمال إسرائيل، بما في ذلك ميناء حيفا، وبطاريات “القبة الحديدية” وغيرهما. وأكد الحزب بموازاة ذلك أنه في حال قررت إسرائيل نقل التصعيد في جبهة جنوب لبنان إلى حرب شاملة، فسيردّ على ذلك بقتال من دون ضوابط ولا قواعد ولا أسقف. وجاء هذا التأكيد في مقطع فيديو نشره “الإعلام الحربي” التابع لحزب الله مساء يوم السبت الأخير، وتضمّن مقتطفات من كلمة متلفزة سابقة لأمين عام حزب الله، قال فيها إنه في حال فرْض الحرب على لبنان، فسيقاتل الحزب من دون ضوابط ولا قواعد ولا أسقف. كما تضمّن الفيديو مشاهد رصد جوي لمناطق ومدن إسرائيلية قال حزب الله إنه حصل عليها خلال عملية استطلاع واسعة نفذتها طائرات مسيّرة تابعة له. وتُظهر صور الاستطلاع التي ظهرت في الفيديو أهدافاً حيوية وعسكرية إسرائيلية، منها المفاعل النووي في ديمونة، ومصافي تكرير النفط في مدينة حيفا، ومطار بن غوريون الدولي في تل أبيب، وميناء أسدود، وقواعد عسكرية في الجليل الأعلى.

ووفقاً لما يؤكده معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين والقادة السابقين في المؤسسة الأمنيّة، فإن التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله في الفترة القريبة المنقضية تهدف إلى إيصال رسائل ردع توصف في بعض هذه التحليلات بأنها ذات طابع استراتيجي. وبالرغم من ذلك يجب أن نشير إلى أن الجيش الإسرائيلي، مثلما يؤكد المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” وموقعها الإلكتروني رون بن يشاي، يخفق في الجبهة الشمالية تقريباً في تحقيق أي هدف استراتيجي مهم، ناهيك عن إخفاقه في تحقيق هدف يدفع حزب الله إلى طلب وقف إطلاق النار. وبالعكس من توقعات الجيش، فإن مظاهر الدمار والخراب في قطاع غزة لا تفلح في ردع هذا التنظيم اللبناني ولا رعاته الإيرانيين، والدليل على ذلك أن الحزب يقوم بتصعيد ردّه الناري رداً على كل ضربة مؤلمة توجهها إسرائيل، بل أيضاً إن حكام طهران الذين يمتازون على الدوام بالحذر والحيطة لم يرتدعوا عن توجيه ضربة من الصواريخ والطائرات المسيّرة الهائلة والمباشرة نحو إسرائيل، وهو ما امتنعوا عنه على مدار أكثر من عقد شهد قتالاً من طراز “المعركة التي بين الحروب”.

ويرى بن يشاي وغيره من المحللين العسكريين أن المغزى الاستراتيجي من هذا الوضع هو ما يلي: إن لم تحسم إسرائيل المواجهة في الجبهة الشماليّة بصورة واضحة تعيد قوة الردع ليس فقط حيال حزب الله، بل أيضاً حيال إيران، فمن شأن إسرائيل أن تكون خلال أعوام معدودة في مواجهة هجمات متكررة تهدف إلى استنزافها عسكرياً، ونفسياً، ودفْعها إلى الانهيار من الداخل. وهذا التوجُّه سيصبح أشد وأدهى حينما تمتلك إيران سلاحاً نووياً أو قدرة على إنتاج سلاح كهذا خلال أسابيع معدودة، على حدّ التقديرات الإسرائيلية. ويخلص بن يشاي إلى أن الجبهة الشمالية باتت في هذه اللحظة هي الأكثر أهمية، و”لن يكون كافياً أن نعيد الوضع إلى سابق عهده هناك، ونصلّي من أجل أن تصدأ صواريخ حزب الله وطائراته المسيّرة مع مرور الوقت”! (“يديعوت أحرونوت”، 18 حزيران/يونيو 2024) (…).

التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله في الفترة القريبة المنقضية تهدف إلى إيصال رسائل ردع توصف في بعض هذه التحليلات بأنها ذات طابع استراتيجي

ثانياً؛ فيما يتعلق بآخر تطورات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، تجمع التحليلات الإسرائيلية على أنه لم يطرأ أي تغيير فعلي على هذه الجبهة. ومثلما يؤكد المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، فإن الحكومة والجيش لم ينجحا في الخلاص مما يصفه بأنه مأزق استراتيجي عميق يواجهانه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولا يوجد أي موعد في الأفق لا من أجل عودة المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، ولا من أجل انهيار حماس (يشدّد على أن تحقيق هذا الهدف مستحيل تقريباً)، ولا لعودة سكان منطقة الحدود الشمالية إلى منازلهم (“هآرتس”، 21 حزيران/يونيو 2024). وبرأي المحلل نفسه، فإن الجيش الإسرائيلي يريد إنهاء القتال في قطاع غزة، ولكن ما يحول دون ذلك هو الاعتبارات السياسية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهــو.

وبحسب صحيفة “يسرائيل هيوم” وصلت المواجهة بين المستويَين السياسي والعسكري في إسرائيل إلى الذروة في الأسبوع الفائت، بالإضافة إلى شعور عام بتوحّل الحرب في غزة. وتجسّد هذا الأمر في اعترافات الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري، بأنه لا يمكن تحقيق أهداف الحرب التي وضعها المستوى السياسي في تشرين الأول/أكتوبر وأُرسل الجيش لتنفيذها، والتي ردّ ديوان رئيس الحكومة عليها بالقول إن المستوى السياسي لا يزال متمسكاً بالأهداف، وبضرورة القضاء على حركة حماس. وتؤكد الصحيفة نفسها أنه بعد مرور أكثر من 8 أشهر على الحرب، وبعد التقارير التي تتحدث عن التعافي المستمر لكتائب حماس، وعن مئات المجندين الجدد في صفوفها، يجب على الكابينيت السياسي – الأمني الإسرائيلي أن يجتمع ويُجري نقاشاً استراتيجياً لما قاله هغاري: “هل في الإمكان القضاء على حماس؟”، بعد أن قال الجيش بالفم الملآن إنه غير قادر على ذلك (“يسرائيل هيوم”، 23 حزيران/يونيو 2024).

إقرأ على موقع 180  ميلونشون: غزة هي “غرنيكا” القرن العشرين

في هذه الأثناء، تزداد الأصوات الإسرائيلية التي تؤكد أنه يتعيّن على رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، أن يواجه علناً المستوى السياسي، وأن يوضّح له ما إذا في الإمكان تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة خلال اجتماعها في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أم لا، بحيث تشمل الجبهات الأُخرى، مع الأخذ بالحسبان كل الاعتبارات والقدرات الإسرائيلية، وليس بصورة عمياء. وإذا ما قرر الجيش ووزير الدفاع أنه في مواجهة التحديات في لبنان وإيران يجب إغلاق جبهة غزة، فعليهما أن يقولا ذلك.

ثالثاً؛ أكد “معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” في جامعة تل أبيب أن إسرائيل تقف أمام خطر عزلة دولية غير مسبوقة. وقال رئيس المعهد، اللواء احتياط تامير هايمان، لقناة التلفزة الإسرائيلية 12: “إن الساعة الرملية للشرعية الإسرائيلية فرغت تماماً تقريباً. وإسرائيل أمست اليوم في أقرب نقطة في تاريخها من عزلها دولياً، واحتمالات أن تتلقى دعماً سياسياً يساعدها على شنّ حرب واسعة النطاق هي احتمالات محدودة جداً”.

وعلى خلفية هذا الواقع أصدر المعهد أمس (23 حزيران/يونيو 2024) إنذاراً استراتيجياً تحت العنوان التالي: “إسرائيل في طريقها نحو عزلة سياسية – إنذار استراتيجي”، شدّد فيه على أن مثل هذه العزلة السياسية ستنطوي على آثار كبيرة تتعلق بالاقتصاد والأمن القومي.

رابعاً؛ لا شكّ في أن موضوع الاقتصاد يحتاج إلى وقفة خاصة أكثر توسعاً، ومع ذلك تتواتر التقارير التي إلى جانب تأكيدها أن إسرائيل، والمؤسسة الأمنيّة بصورة خاصة، تقفان أمام مفترق طُرق معقد، تسلّط الضوء على ما كل ما يتسبّب باستنزاف الاقتصاد والمجتمع.

ويُشار في معظم هذه التقارير إلى أنه بعد المناورة البرية التي استمرت نحو 8 أشهر في غزة واحتلال أغلبية أراضي القطاع، يبدو أن التصريحات بشأن إخضاع حماس باتت فارغة. وأكثر من ذلك، فإن الحرب التي أطلقت إسرائيل عليها اسم “السيوف الحديدية” تبدو حرباً متعدّدة الجبهات من الجنوب والشمال، وهي تستنزفها أكثر من أن تقرّبها من الحسم.

كما يُشار إلى أن أكثر نعت ينطبق على ما آلت إليه الحرب في قطاع غزة هو التوحّل الذي يحيل إلى التعثّر، وهو لا يضر بالجيش الإسرائيلي فقط، بل أيضاً يستنزف المجتمع والاقتصاد، كما تتوالى الأسئلة بشأن قدرات السوق على دعم الحرب المستمرة. ووفقاً لتقرير ظهر في صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية فإن العجز الإسرائيلي المتراكم في الأشهر الـ 12 حتّى شهر أيار/مايو الماضي، وصل إلى 137,7 مليار شيكل، وازداد بنسبة 0.3% نسبة إلى العجز في نهاية الشهر الذي سبقه (نيسان/أبريل)، ولذلك بلغ 7,2% من الناتج، في الوقت الذي كان الهدف الذي حدّده القانون لنهاية عام 2024 هو عجز بنسبة 6,6%. ومنذ بداية العام الحالي، تم تسجيل عجز متراكم إلى نحو 47,6 مليار شيكل، مقارنة بفائض 13 مليار شيكل في الفترة نفسها من العام الماضي. وفي الوقت نفسه، فإن إنفاق الحكومة منذ بدء العام وصل إلى 249,3 مليار شيكل، وهو ارتفاع بنسبة 35% في مقابل الفترة ذاتها من العام الماضي (“غلوبس”، 16 حزيران/يونيو 2024). كما أن التجنيد الكبير لتشكيلات الاحتياط في الجيش يُثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي.

خامساً؛ شهد الأسبوع الفائت تظاهرات في مختلف أنحاء إسرائيل وُصفت بأنها الأضخم منذ بدء الحرب ضد قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وطالب المتظاهرون بالأساس بإبرام صفقة تبادُل أسرى مع حركة حماس، ولكن بموازاة ذلك رُفعت شعارات تطالب باستقالة حكومة بنيامين نتنياهو. وفي هذه التظاهرات جزم الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي العام (“الشاباك”) يوفال ديسكين بأن نتنياهو هو “رئيس الحكومة الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل” وبأن ائتلافه الحكومي أحمق. وتماشياً مع ذلك كله بدأ يُطرح في وسائل الإعلام الإسرائيلية سؤال فيما إذا كانت إدارة هذه الحرب عُهد بها إلى أشخاص جديرين ومناسبين حقاً، كون المسؤول الأول عن إدارة الحرب هو نتنياهو، وهو نفسه المسؤول الأول عن إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهو من اخترع المفهوم القائل إنه ينبغي تعزيز سلطة حركة حماس في قطاع غزة من أجل تعزيز الانقسام ومنع قيام دولة فلسطينية، فضلاً عن أنه يقود الحرب في ظل تضارب مصالح بيّن، محاولاً إلقاء المسؤولية على كاهل آخرين، والتنصّل من أدنى مسؤولية عن الحدث الفظيع وعواقبه”.

(*) المصدر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  العلمانية الفرنسية عندما تُحرّف إستهدافاً.. للإسلام!