صحيح أن التوجهات الإستراتيجية الخارجية ولا سيما في ما يتصل بمعادلة الصراع مع إسرائيل، بيد المرشد السيد علي خامنئي، إلا أن ذلك لا ينفي مسؤوليات السلطة التنفيذية في ترجمة هذه التوجهات، وبالتالي، وجد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان نفسه أمام جدول أعمال يتقدم فيه الخارج على الداخل، وبالتالي، اختلط حابل التركيبة الحكومية التي يعمل على تأليفها مع نابل استحقاق الرد على التحدي الإسرائيلي لسيادة إيران وأمنها القومي وهيبتها وشرفها، بمجرد أن قرّرت استهداف شخصية سياسية حلّت ضيفة على طهران للمشاركة في مناسبة تنصيب بزشكيان رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي قضى في حادثة طائرة مروحية أثناء عودته مع عدد من المسؤولين الإيرانيين، وأبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان في 19 أيار/مايو المنصرم.
وإذا كانت إيران بلسان المرشد والعديد من قادتها حسموا أمر الانتقام من إسرائيل، فإن السؤال يتمحور حول هل يكون الرد إيرانياً بحتاً كما حصل في ليل 13 – 14 نيسان/أبريل الماضي رداً على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق أم يكون رداً جماعياً تشارك في فصائل محور المقاومة في كل من العراق ولبنان واليمن؟
الأكيد أن الرئيس التاسع لإيران مسعود بزشكيان وجد نفسه أمام جدول أعمال مزدحم بالتحديات الخارجية الخطيرة، وأولها ما يتصل بكيفية فرض وقف لاطلاق النار في غزة، فضلاً عن ملف الحرب الأوكرانية لارتباطه بالحليف الروسي خصوصاً أن الاتفاقية الاستراتيجية بين روسيا وإيران تنتظر تشكيل الحكومة الإيرانية للتوقيع عليها.
ومن المنتظر أن تواكب الحكومة الجديدة ملفات خارجية عدة بينها التحديات التي يفرضها عزم الترويكا الأوروبية تفعيل آلية “سناب باك” التي تضمنها الاتفاق النووي الموقع في نيسان/أبريل عام 2015 حتی شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024 تاريخ انتهاء صلاحية القرار 2231 لاعادة فرض العقوبات الاقتصادية التي جمّدها مجلس الامن الدولي بعد صدور القرار 3321. وليس معلوماً مصير هذه الآلية في حال فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لأن طهران قالت بأنها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال استخدام آلية “سناب باك” وعودة عقوبات مجلس الأمن الدولي التي جُمدت في العام 2015.
أما على الصعيد الاقليمي؛ ثمة ملفات أمام الحكومة الإيرانية الجديدة لم تكتمل حلولها مثل العلاقة مع السعودية والامارات في مجالات تخص اليمن والجزر الثلاث والتطبيع مع الكيان الاسرائيلي؛ والنزاع الافغاني الإيراني علی توزيع مياه نهر هرمند؛ ومكافحة المخدرات وتجارة تهريب البشر؛ وقضية النزاع الأرميني الأذري؛ وعودة نشاط الحركات الإرهابية في المنطقة.
برغم دعم القيادة الإيرانية المعلن لبزشكيان لكن هناك مخاوف كثيرة من جراء وضع العصي في برنامج الحكومة خصوصاً ما يتعلق بالسياسة الخارجية، حيث وعد بزشكيان المواطنين بإزالة الحظر الاقتصادي والسياسي والانفتاح علی العالم الخارجي من أجل الوصول إلی نمو اقتصادي بنسبة 8 بالمئة
إن مثل هذه الملفات تجعل الرئيس مسعود بزشكيان وحكومته في موضع لا يحسدا عليه؛ لكن الاصرار علی معالجة هذه الملفات واتباع نهج يعطي المنافذ التنفيذية لأصحاب الخبرة والتخصص كفيل بتجاوز هذه المشاكل خصوصاً وأن الرئيس بزشكيان طالب المواطنين بالوقوف معه للتعاون من أجل تجاوز هذه المرحلة العصيبة وتحقيق الأهداف التي تُحقّق تطلعاتهم في المجالات المختلفة.
التحديات الداخلية
ومع بدء ولاية الرئيس الإيراني المنتخب تكون العملية الانتخابية الرئاسية قد وصلت إلى نهاياتها لتبدأ بعدها خطوات تقديم أسماء الكابينة الوزارية المقترحة إلى مجلس الشوری (البرلمان) من أجل الحصول علی الثقة البرلمانية وبالتالي إفساح المجال أمام الحكومة العتيدة ليس لمزاولة اعمالها الروتينية فقط وإنما لمعالجة عديد الملفات الساخنة التي تنتظرها والتي وعد الرئيس بزشكيان بايجاد حلول ناجعة لها. هذه الملفات هي التي جعلت الناخبين يتوجهون إلى صناديق الإقتراع لإعطاء أصواتهم للمرشح الإصلاحي بزشكيان بدلاً من منافسه المرشح المحافظ سعيد جليلي إعتقاداً منهم أن بزشكيان يستطيع معالجة مشاكل إيران المستعصية سواء الداخلية منها أم الخارجية؛ وهي ذات المشاكل التي أدت إلی عزوف 50 بالمئة من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يشعرون بها، وهي رسالة أراد هؤلاء المواطنون ارسالها للقيادة والنظام السياسي في إيران.
إنّ أسباباً متعددة تقف وراء هذا العزوف يجب أن تأخذ حيزاً واسعاً من اهتمام المختصين في الاجتماع السياسي الإيراني لدراسة هذه الظاهرة التي أصبحت تتكرّر في الحياة السياسية الإيرانية وهي خطيرة ولا يُمكن المرور عليها مرور الكرام؛ وبالتالي على الحكومة الإيرانية الجديدة أن تسعى لازالة هذه الأسباب لان ذلك يخدم المواطن الإيراني ويخدم مستقبل النظام السياسي في إيران.
وثمة حيوية لافتة للإنتباه في المجتمع الإيراني الذي يضج بتيارات وعقائد وأحزاب وجمعيات وقوميات ومذاهب وأديان مختلفة، وهذه الحيوية يُمكن أن تنعكس علی الحكومة وأجهزتها التنفيذية، فيكون بزشكيان أمام حكومة وحدة وطنية تحفظ التوازنات من جهة وتكون قادرة على نيل ثقة البرلمان الإيراني من جهة ثانية. عندها يُصبح السؤال كيف سيتمكن الرئيس مسعود بزشكيان من ترميم حالة عدم الرضا الموجودة لدی شريحة كبيرة من المواطنين بسبب تداعيات العقوبات الاقتصادية وتفاقم المشاكل الاقتصادية الحياتية اليومية، الأمر الذي يترك أثره علی الأوضاع الثقافية والحياتية والإجتماعية بخاصة إذا تمت مقارنة هذه الأوضاع بعديد الدول التي بدأت نهضتها العمرانية والثقافية والاقتصادية في أوقات ومراحل متقاربة.
وتختلف نظرة الوسط الإيراني في مقاربة أداء حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي؛ فمنهم من يعتقد أن الاداء كان من افضل ما يمكن ان تقوم به حكومة في مواجهة تداعيات الحصار ومعالجة مشاكل المواطنين؛ في حين يری آخرون أن إيران لم تشهد أداءً ضعيفاً وهشاً مثلما شهدت في زمن حكومة الرئيس رئيسي التي خلت من الخبراء والمتخصصين ووضعت المراكز التنفيذية بيد شخصيات كان المعيار الرئيس فيها هو الانتماء إلى الحالة الثورية الداخلية والخارجية علی حساب الخبرة والإختصاص والعلم.
إنّ الحكومة الجديدة مدعوة لمعالجة مطالب المواطنين لا سيما في مجال إعادة تأهيل البنی التحتية والقطاعات المختلفة ومنها الطاقة والماء والاتصالات والخدمات والنقل والصناعة والبلديات والتربية والتعليم وتصحيح القوانين الادارية والاجتماعية والعمل علی خلق فرص عمل للشباب والخريجين للحيلولة دون هجرتهم إلی خارج إيران؛ اضافة إلی انتهاج سياسة تحقق مطالب المواطنين في المزيد من الحريات المدنية والعامة.
وهناك قضية مهمة تتعلق بآلية تعاون البرلمان الذي تسيطر عليه غالبية متشددة من الأصوليين لا تتفق مع برنامج حكومة بزشكيان. وبرغم دعم القيادة الإيرانية المعلن لبزشكيان لكن هناك مخاوف كثيرة من جراء وضع العصي في برنامج الحكومة خصوصاً ما يتعلق بالسياسة الخارجية، حيث وعد بزشكيان المواطنين بازالة الحظر الاقتصادي والسياسي والانفتاح علی العالم الخارجي من أجل الوصول إلی نمو اقتصادي بنسبة 8 بالمئة، حسب ما ورد في الخطة العشرينية 2035 والتي صادقت عليها القيادة الإيرانية.
والجدير ذكره أن بزشكيان كان قد تحدی منافسه سعيد جليلي في إحدى المناظرات بامكانية بلوغ هذه النسبة من النمو الاقتصادي برغم القفص الحديدي الدولي الذي تُحشر فيه، وهذا الأمر ينسحب علی آلية معالجة الحكومة الجديدة للعديد من الملفات الحساسة كالتلوث البيئي وادخال التكنولوجيا الحديثة في انتاج السيارات وتحديث المعامل والمصانع بما يتناسب والتقدم العلمي في المجالات المختلفة.