لكل عدوان مقاومة.. ولكل مقاومة جبهة داخلية تحميها 

"لقاء وطني تشاوري لبحث العدوان الإسرائيلي على لبنان وكيفية توحيد الجبهة الداخلية وتعزيز التضامن الوطني". العنوان كبير، واللقاء وطني بامتياز، لما ضمّ من وجوهٍ مخضرمة في تنوعها السياسي والطائفي، والكلام أكثر وطنيةً، كونه بلا خلفيات، والكلّ نقيٌ في سريرته، والغاية إعمال آلة الفكر والتفكير، بحثاً عن قواسم مشتركة عساها تمدّ جسورَ عبورٍ وتلاقٍ، في خضم عدوان إسرائيلي مفترس لكلّ الوطن.

اللقاء إذاً أقل من واجب وطني، والدعوة مغرية مخيفة في آن. واجبٌ في التوقيت العدواني القاتل إسرائيلياً لكل ما هو حيّ وغير حيّ، لدرجة جعلت البعض يتهيب الحضور، والبعض الآخر يحضر معتبراً أن حضوره استشهادي على قلة الناصر والعدد، في لحظة اختبارٍ لسلامة الإنتماء إلى البلد، ومدى درجة الإنصهار مع المعدن اللبناني، وغربلة للوطنية على مقياس اعتبار “إسرائيل” عدواً أولاً، ووجوب مقاومتها ثانياً، وهو واجبٌ في المعايير الوطنية ومندرجاتها الدينية والأخلاقية والنفسية، لدرجة لا يجوز النقاش فيها بأية حال.

والدعوة مغرية في عنوانها ومهمتها ووظيفتها، وقيمتها أنها في لحظتها وما تستوجبه من حراكٍ أو تحريك أي شيء حتى لو اقتصر على اللسان، وهذا أضعف الإيمان. ومخيفة من تحولها مناسبةً تميطُ اللثام عن مزيدٍ من الانقسام، وتستدعي نقاطاً خلافية في غير وقتها، تجهض هدف الداعين، وتُشتّت المدعوين المجتمعين على محدودية العدد، لكن المفاجأة عكس ذلك تماماً، حين شكّلت صورة وطن مرتجى، على شكل حلمٍ لم يتشكّل، لشعب موحَّد على واجب الوجود بل واجباتٍ شتى لو تلغي تاريخاً ما قبل العدوان، وتفتح آخر يبدأ من هنا، ومن نقطة الصفر، نحو ما بعده لبناء لبنان.

وما بين الواجب، والخشية، تمثَّل اللقاء وطناً سويا، خلقاً وخُلُقاً مقيماً ما بين زواياه الثلاث: بحث العدوان الإسرائيلي؛ كيفية توحيد الجبهة الداخلية؛ وتعزيز التضامن الوطني.

في الزاوية الأولى، حقيقةٌ وظيفية تقول إن بحثَ العدوان الصهيوني بات لا يعني مجلس الأمن الدولي بقرار، ولا الأمم المتحدة بموقف، ولا منظمة التعاون الاسلامي بمؤتمر، ولا الجامعة العربية بقمة مفيدة، حتى ولو أباد نظام “الابارتايد” الإسرائيلي قطاع غزة وشعبه، وأزاله عن الخارطة كما أزال فلسطين التاريخية، أو كما يُريد إفناء أهل الجنوب والضاحية والبقاع ومعاقبتهم بدمائهم، فقط لأنهم يشكّلون بيئات حاضنة للمقاومة ولمشروعها التحريري والتحرري منه بتضحياتٍ غير مسبوقة، لكنها أيضاً بيئات مفتوحة، طالما هناك محتلٌ وغازٍ لا يعني العالم ولكنه يعني كل مواطن لبناني أياً كانت إقامته، وطائفته، وحزبيته، أو هكذا يُفتَرَض في الشعوب السليمة، لا السقيمة، المقيمة وراء عقَدِها، وفي الأوطان الطبيعية لا الصناعية المركّبة، الأوطان والشعوب التي تهبّ وتنتفض دفاعاً عن نفسها في مواجهة أي عدوان كان، تتسلح بتنوعها، تتناسى خلافاتها، تتعالى على أحقادها، تتسامى على كيدها ومكائدها، وتدفع الخطر الداهم بالجملة عن ديموغرافيا الجماعة ومستقبلها المجهول على كفّ عدوانٍ غير محدود ، لكيان بلا حدود.

العدوان مستمر، تتصدى له مقاومة مشهودة، أما الجبهة الداخلية فتقاربه بتفاوت مُهدَّد تحت وطأته وباتساع دائرته لكل الوطن، وأما التضامن الوطني فمفقود لانتفاء الموضوع بتراجع العقد الاجتماعي بين الجماعات المقيمة على البقعة اللبنانية، والقبائل المتعايشة على مضض منذ “الطائف” في انتظار طائفٍ يطوف بالحالات التي تبلورت تحت النار، لتنضج بعد العدوان على طاولة حوار

وفي الزاوية الثانية بحثٌ عن كيفية توحيد الجبهة الداخلية، فتسقط احتمالية الـ”كيف” لانعدام وجود الجبهة أصلاً، بغياب الدولة العميقة في غياهب الفساد، وضياع النظام المفترض في متاهات المحاصصات، فلا خطط طوارئ حربية لدولةٍ استقالت من دورها واستحالت دولة تصريف أعمال، ولا صفارة إنذار واحدة تُنزِل المواطنين -الحدوديين على الأقل- إلى ملاجئ غير موجودة أصلاً، تقيهم أو تقي من يتبقى منهم حمم العدوان، ولا فِرَق إنقاذ متخصصة ومزودة بأحدث المعدات لانتشال الشهداء والأحياء من تحت الأنقاض، ولا ورش عمل متنقلة تزيل الركام، ولا ميزانيات وخطط إعمار، ما يضع الكل أمام مسؤولية وطنية جامعة لا خيارات فيها، تحوّل تهديد العدوان الاسرائيلي إلى فرصة تؤسس لقواسم مشتركة في الصيغة اللبنانية المتآكلة، علّها تفضي إلى “جمهورية ثالثة” في وطنٍ جديد ينتظر ولو تحت جحيم العدوان، إجماعاً وطنياً على اعتبار “إسرائيل عدواً”، وتبني المقاومة خياراً لمواجهتها، والتمسك بالسلم الأهلي وقيام الدولة العادلة وحلّ الخلافات بالحوار.

أما زاوية التضامن الوطني، فينبغي إيجاده أولاً، والعثور عليه في أية زاوية هو ثانياً، لتعزيزه لاحقاً، وإيجادُه يتطلب حساً إنسانياً لدى الفرد كما الجماعة، والعثور عليه يستولد إحساساً وطنياً نحو “دولة الإنسان”، أما تعزيزه فيحتاج دولة فقط، لكنه لا يستقيم ولا ينضج تحت النار، نار العدوان، طالما هناك من يتعجل استعار أوارها، ويستعجل تعمقها في عمق الدولة، ويراهن على هزيمة المقاومة وانكسار بيئتها، لا يعيرها سكوته ولو مؤقتاً وهي تُقتَل بالجملة العائلية نيابة عنه، وحدها دون سواها، ولا يكفّ لسانه عنها وهي تدافع عنه وتستشهد ليحيا بسلام، بل يواصل إطلاق النار السياسية والإعلامية عليها، كأن عدواناً إسرائيلياً لم يكن ولا يتواصل، أو كأن “يرضى القتيلُ وليس يرضى القاتلُ”.

ولهذا فإن العدوان مستمر، تتصدى له مقاومة مشهودة، أما الجبهة الداخلية فتقاربه بتفاوت مُهدَّد تحت وطأته وباتساع دائرته لكل الوطن، وأما التضامن الوطني فمفقود لانتفاء الموضوع بتراجع العقد الاجتماعي بين الجماعات المقيمة على البقعة اللبنانية، والقبائل المتعايشة على مضض منذ “الطائف” في انتظار طائفٍ يطوف بالحالات التي تبلورت تحت النار، لتنضج بعد العدوان على طاولة حوار، من حالات الاحتضان الشعبي العفوي لموجات النزوح في ثلاثة أرباع الوطن، وصولاً إلى حالات الالتفاف التي تبلورت مع المقاومة، بدل البكاء على الأطلال، أو “الوقوف على التلَ أسلَم” أو “اللهم لا شماتة”، كأنه غير معني بمشهد جنود العدوان يحرقون العلم اللبناني.

إقرأ على موقع 180  عبدالناصر، فخ يونيو.. وثقة الناس

هذا يعني باختصار أن لكل عدوان مقاومة، ولكل مقاومة بيئة حاضنة، ولكل بيئة حاضنة شعبٌ وطني، وإذا كانت المقاومة بروحية مقاتليها تنتصر، فهي وبيئتها وشعبها بحاجة إلى روحية صمود تتلاقح مع روحية المقاومين على الحدود، لتنجب ثلاثية “مواجهة العدوان، تحصين الجبهة الداخلية، وتعزيز التضامن الوطني”.

Print Friendly, PDF & Email
غالب سرحان

كاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  حنين الصّايغ تخطّ ميثاقًا جديدًا للنّساء