نظام السياسة/المعرفة.. ونظام الإستبداد/الأمر

في نظام السياسة تكفي أن تكون الأكثرية مع الزعيم كي يجعل برنامجه نافذاً. هناك دستور وقوانين وانضباط بها، مما يجعل آلية الأكثرية والأقلية فعّالة. في الاستبداد، حيث إلغاء السياسة، فإن عشوائية القرار الذي يتخذه الطاغية هي الأساس.

الفرق بين السياسة والديكتاتورية كالفرق بين القانون والعشوائية. في بلدان العشوائية تصير الانتخابات أشبه بالاستثناء. وتنمو حول المدن العشوائيات، أي كميات من السكان التي لا يعرف بها الناس ولا تتعرّف عليها السلطة. الاقتصاد العشوائي يشكل جزءاً كبيراً من الاقتصاد الرسمي.

يحلو لأنظمة الاستبداد نمو العشوائيات السكنية والاقتصادية من أجل تبرير وجودها. هي عشوائية في القرارات وفي المجالات السكنية. عشوائية فضاءات السكن تعكس وتجسّد عشوائية قرارات السلطة. العشوائية في نظام الاستبداد ناتجة عن عشوائية القرارات. انتظام السلطة القانوني ينتج عنه انتظام عمراني. الفرق بين الحالتين هيبة الدولة. لا هيبة للدولة الاستبدادية. دولة السياسة فيها انتظام، لأن فيها هيبة للدولة. هيبة نابعة من أكثرية السكان. ما تُقرّره الأكثرية يصير هو القانون. حكم السياسة هو حكم نابع من إرادة الناس، مهما أصابها من تزوير. حكم الاستبداد لا علاقة له بالناس. تنبع شرعيته من ذاته. يفترض أن تكون حصيلة الانتخابات أو الاستفتاء 99% من الناخبين. حكم السياسة هو بإرادة الأكثرية. الأكثرية تفوق خمسين بالمئة. في حكم الاستبداد، استفتاء بالأمر واقتصاد بالأمر.

نظام السياسة قائم على المعرفة. حق جميع الناس هو الوصول إلى جميع المعلومات عما يدور في أروقة السلطة، إلّا ما هو مصنّف أمناً قومياً. في نظام الاستبداد كل المعلومات عن السلطة تخمينات أو إشاعات. نظام الاستبداد يعمل بالسر لا بالعلانية

الحكم بالسياسة ينبع من الناس. يُعبّر عن الناس. أن تُعبّر عن الناس يستدعي الأمر أن تختلط بالناس، أن تتعرف عليهم. تُصاب بما يصيبهم، أو هكذا يظهر. لا نقول أنه في الانتخابات ليس هناك مسرحيات ومظاهر كاذبة، لكن ذلك يرضي الجمهور ويجعله يشارك أو يظن أنه يشارك في القرارات وفي السياسات التي ترسم. الأنظمة الانتخابية فيها الكثير من النواقص، لكنها أحسن الأنظمة التي استطاعت البشرية تظهيرها. أكثر من نصف الناخبين في الغرب راضون بعملية الانتخابات. يسمعون الخطابات والحوارات، ويصوّتون على أساسها. المسألة نسبية وليس لدينا ما يشبه ذلك في بلاد الاستبداد. ولا ننسى أن بلدان الاستبداد متحالفة مع البلدان الديموقراطية ذات المجتمع المفتوح.

كان لا بد من المقارنة، لكن السياسة في الأساس تفترض أن تخرج الآراء والقرارات ونتائج الانتخابات من الناس، ولا تهبط عليهم من فوق. الناس لا يحبون ما يهبط عليهم من فوق إلا إذا كان وحياً إلهياً، وهذا لا علاقة له بالسياسة.

السياسة هي في الأساس علاقة بين الناس، علاقة اتصال وحوار ونقاش. هي علاقة مع الذات، علاقة شك ويقين. يُسائل الفرد الآخرين وفي الوقت نفسه يسائل نفسه. هي عملية يختلط فيها الفردي بالجماعي ولا ينتج القرار إلا كمحصلة لهذا الاختلاط والنقاش العام والتساؤل على جميع الأصعدة. ويتشكل من هذه العملية الرأي العام. هذا الرأي العام يُخيف الزعيم أو المرشّح. في نظام الاستبداد يخاف الناس من المستبد وأجهزته. النظام السياسي مبني على الحوار والنقاش والتواصل بين الناس. الاستبداد مبني على الأمر. نظام السياسة قائم على المعرفة. حق جميع الناس هو الوصول إلى جميع المعلومات عما يدور في أروقة السلطة، إلّا ما هو مصنّف أمناً قومياً. في نظام الاستبداد كل المعلومات عن السلطة تخمينات أو إشاعات. نظام الاستبداد يعمل بالسر لا بالعلانية.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "ميدل إيست آي": إيران على "عتبة النووي".. كيف تتصرف أميركا؟
الفضل شلق

مثقف وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  أيُّ نظام إقليمي يُولد من آتون الحروب المشرقية الراهنة؟