“قيامة أردوغان” من سوريا إلى أفغانستان.. وإيران والأكراد أول الخاسرين!

قد تكون سوريا أكبر جائزة جيوسياسية يحصل عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ وصوله إلى الحكم قبل نحو ربع قرن. توازن القوى الجديد الذي أعقب سقوط نظام بشار الأسد وانكفاء النفوذين الإيراني والروسي، يمنح تركيا موقع القوة العظمى الإقليمية.

دفعت الغريزة السياسية بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى اتهام تركيا بـ”استيلاء غير ودي” على سوريا، من طريق دعم الفصائل السورية المسلحة التي نجحت في غضون عشرة أيام فقط، من الوصول إلى دمشق. وحسم ترامب بأن تركيا باتت “مفتاح” سوريا الآن.

واللافت للانتباه أن معظم الديبلوماسيين الغربيين وغيرهم ممن يتقاطرون على دمشق لمقابلة رئيس إدارة العمليات العسكرية في “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً)، يمرون بأنقرة لإدراكهم حقيقة ما باتت تتمتع به تركيا من نفوذ الآن ليس في سوريا فحسب وإنما في المنطقة برمتها. يدل على ذلك نجاح أردوغان في التوسط بين الصومال وأثيوبيا لإبرام اتفاق لخفض التصعيد بينهما، وذلك بعد أربعة أيام من دخول الفصائل السورية المسلحة إلى دمشق.

باتت خريطة النفوذ التركي تمتد الآن من الصومال إلى أفغانستان وإلى “الدول التركية” في آسيا وأذربيجان وليبيا والبلقان. وبذلك، تقدّمت تركيا على إيران التي بلغت ذروة نفوذها عقب الإجتياح الأميركي للعراق في 2003 واسقاط نظام صدام حسين، وتأسيس نظام “الدفاع المتقدم” في مواجهة إسرائيل في العقد الماضي، من الحوثيين في اليمن إلى فصائل “الحشد الشعبي” في العراق وسوريا و”حزب الله” في لبنان و”حماس” و”حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين. لكن الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 14 شهراً أضعفت إلى حد كبير حلفاء طهران وأتى انهيار النظام في سوريا ليُوجّه ضربة استراتيجية للدور الإيراني في المنطقة.

ولقد شكّل قيامُ نظام موالٍ لتركيا في سوريا، فرصة لقطع الطريق بين طهران والبحر المتوسط، وبالتالي، جعل الكفة الإقليمية تميل لمصلحة أنقرة. صحيح أن الدول العربية لم تكن مرتاحة للتمدد الإيراني، بيد أن التوازن الجديد للقوى لمصلحة تركيا، قد يتسبب بقلق في الجوار ودول الخليج، خوفاً من أن تُعيد سوريا إطلاق نسخة جديدة من الإسلام السياسي برعاية تركية-قطرية، مما يُعيد إلى الأذهان مرحلة ما سُمي “الربيع العربي” عام 2011. لهذه الاعتبارات، يراقب العراق والأردن والسعودية ودولة الإمارات ومصر، بحذر شديد ما يجري في سوريا واحتمال تمدد النفوذ التركي في الجسم العربي أكثر فأكثر.

وفي تعبير ضمني عن القلق، دعا لقاء العقبة العربي والدولي في الأردن بعد أيام من دخول “هيئة تحرير الشام” إلى دمشق، إلى تشكيل حكومة سورية “جامعة” لكل مكونات الشعب السوري.

وعن الصعود التركي على حساب إيران، كتبت صحيفة “الغارديان” البريطانية أنه “في قابل الأعوام، لن تدور صراعات القوى في المنطقة تحت ظلال طموحات إيران، بل تحت نطاق طموحات تركيا. وبالنسبة للمنافسين والحلفاء على حد سواء، لن يكون السؤال هو ما إذا كانت تركيا ستهيمن على المنطقة، بل كيف ستفرض هذه الهيمنة”.

وتركيا في عجلة من أمرها للاستفادة من الفرصة التاريخية التي توفّرت لها، كي تنهي المسألة الكردية. ويتطلب ذلك اجتياحاً تركياً واسعاً مباشراً أو بالواسطة عبر “الجيش الوطني” السوري المدعوم من أنقرة لمناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) المتحالفة مع الولايات المتحدة، في شمال شرق سوريا.

تخشى واشنطن أن يؤدي الهجوم على مناطق “قسد” إلى تجدد الحرب السورية والتسبب بموجة لجوء جديدة ونشر الفوضى في سوريا، مما يخلق بيئة ملائمة لتنظيم “داعش” كي يُنظّم صفوفه ويشن هجمات في سوريا والعراق. وقد أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الأجهزة الأمنية العراقية رصدت فعلاً تحركات للتنظيم الجهادي في العراق في الأيام الأخيرة

وتسعى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بلا جدوى، لاقناع أردوغان بأن ضرب “قسد” ينطوي على مجازفة بروز تنظيم “داعش” مجدداً، برغم توقف المراقبين عند التصريح الأخير الذي أدلت به مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف، في أعقاب زيارتها إلى دمشق واجتماعها بأحمد الشرع وقالت فيه  إن الظروف التي دفعت الأكراد في شمال شرق سوريا إلى الدفاع عن أنفسهم “تغيّرت بشكل كبير للغاية”، ورأت أن الانتقال المنظم لدور “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) هو أفضل السبل للمضي قدمًا. وأقرت باربرا ليف بدور تركيا الكبير ونفوذها التاريخي ومصالحها الأمنية في سوريا.

وفيما يُمثّل انهيار النظام السوري فرصة لتركيا من أجل إعادة لحمة سوريا المنقسمة على ذاتها منذ 13 عاماً، وبالتالي طي ما تُسمى “القضية الكردية”، يقول الزميل في مركز أبحاث “سينشري إنترناشيونال” في الولايات المتحدة، آرون لوند، إن الجماعات الكردية السورية “تُواجه مشكلة كبيرة للغاية”، ويُضيف “لقد تحوَّل ميزان القوى بشكل جوهري في سوريا لمصلحة الفصائل المدعومة من تركيا أو المتحالفة معها، ويبدو أن تركيا مُصممة على استغلال ذلك على أكمل وجه”.

في هذا السياق، يستعد الجيش التركي والفصائل السورية المدعومة منه، للزحف نحو كوباني (عين عرب) ذات الغالبية الكردية على الحدود التركية. ولا تبدي أنقرة مرونة في الملف الكردي، برغم التنازلات التي قدمتها “قسد” على غرار تسليم دير الزور لـ”هيئة تحرير الشام” والقبول بسحب المقاتلين من غير السوريين من سوريا، وتجديد الالتزام بإعادة ضريح سليمان شاه، جد عثمان الأول مؤسس الإمبراطورية العثمانية إلى موقعه القديم، وابقاء الطريق مفتوحاً إلى الضريح قرب كوباني التزاماً بالاتفاقات الدولية.

إقرأ على موقع 180  المقاومة تتكيّف قيادة وميداناً.. ووقف النار مؤجل!

الجدير بالذكر أن سليمان شاه هو والد أرطغرل الذي أنجب عثمان. وانتجت تركيا في الأعوام الأخيرة مسلسلين تلفزيونيين بعنوان “قيامة أرطغرل” و”قيامة عثمان” لتسليط الضوء على الدور الذي لعبه عثمان في توحيد القبائل التركية في مواجهة البيزنطيين والمغول وإعلان الدولة العثمانية.

وتخشى واشنطن أن يؤدي الهجوم على مناطق “قسد” إلى تجدد الحرب السورية والتسبب بموجة لجوء جديدة ونشر الفوضى في سوريا، مما يخلق بيئة ملائمة لتنظيم “داعش” كي يُنظّم صفوفه ويشن هجمات في سوريا والعراق. وقد أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن الأجهزة الأمنية العراقية رصدت فعلاً تحركات للتنظيم الجهادي في العراق في الأيام الأخيرة. يُذكر أن هناك تسعة آلاف معتقل من “داعش” في سجون “قسد”.

هذا التخوف من هجوم تركي، دفع بأكراد سوريا إلى مناشدة ترامب بصفته صديقاً لأردوغان، كي يقنع الأخير بالدخول في هدنة مع أكراد سوريا. وبعثت المسؤولة في “الإدارة الذاتية” الكردية بسوريا إلهام أحمد برسالة إلى ترامب حذّرت فيها من “عواقب كارثية إذا استمرت تركيا في غزونا”.

ومع أن أردوغان يوحي باستقلالية القرار في ما يتعلق بالسياسة التركية في سوريا، فإن الولايات المتحدة تملك أكثر من رافعة للضغط على تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات على أنقرة، كي لا تتحرك ضد أكراد سوريا.

وفي هذا الصدد، يجب ألا يغيب عن البال أن إسرائيل التي تبرز كمنافس قوي لتركيا في سوريا، يمكنها أن تمارس ضغوطاً على ترامب كي يُحذّر أردوغان من اجتياح المناطق الكردية. ولفت مدير برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط غونول تول الإنتباه إلى “أن المسؤولين الأتراك يريدون من سوريا الجديدة أن تكون ناجحة، بحيث تكون تركيا قادرة على امتلاكها، ولذلك يشعرون بأن إسرائيل من الممكن أن تُخرّب كل شيء”.

وأغضب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر تركيا عندما صرّح مؤخراً، بأن إسرائيل يجب أن تتطلع إلى الأكراد “كحلفاء طبيعيين” ويجب أن تُقويّهم إلى جانب الأقليات الأخرى في الشرق الأوسط.

وبرغم ذلك، يرى الديبلوماسي التركي السابق أيدن سلجين الذي يتمتع بخبرة في القضايا الكردية، أنه من غير المرجح أن تُقدّم إسرائيل دعماً مادياً للمقاتلين الأكراد السوريين أو “الدخول في مشاكل مع تركيا في سوريا.. لأن تركيا هي الرابح وإسرائيل هي الرابح من التطورات الأخيرة”.

ويقول جوشوا لانديس، الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما، إن الأكراد “في وضع لا يحسدون عليه. وبمجرد أن تستجمع دمشق قوتها، ستتحرك نحو المنطقة. لا يُمكن للولايات المتحدة أن تبقى هناك إلى الأبد”.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  بوتين في أوكرانيا.. ماكرون مُجدداً في الاليزيه!