هل اعترض “الثنائي” فعلاً على تسمية نوّاف سلام؟

لم تكن تسمية نوّاف سلام رئيساً مكلّفاً بتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس العماد جوزاف عون، الحدث الأوحد في لبنان منذ أكثر من أسبوع، بل شكّل"غضب" كل من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد، الحدث الأبرز الذي رافق العملية الحكومية الانتقالية.

حين تسمية رئيس الحكومة المكلّف، وضع ثنائي أمل وحزب الله هذه الخطوة في خانة “محاولة تحجيم أو إلغاء الحضور الشيعي السياسي” في ضوء نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وتغيير موازين القوى في المنطقة. وعليه، صرّح رموز “الثنائي”، وقتذاك، أنّهم لن يقبلوا بأي محاولة للمس بالوجود السياسي الشيعي في الدولة اللبنانية، محذّرين الأطراف الدولية والمحلية من مغبّة الرهان على ضعف هذه “البيئة”..

أوحى هذا المشهد بأن ثنائي حركة أمل وحزب الله، لم يكن على علم بالتوجّه لتسمية نوّاف سلام لرئاسة الحكومة، الأمر الذي يمكن اعتباره “سابقة” في الحياة السياسية اللبنانية في جمهورية ما بعد الطائف تبعاً للعرف، وبالتالي لم يستطع “الثنائي” تقبّل نتائج اللعبة الديموقراطية في تسمية سلام، برغم أنها لم تخالف الدستور أو الأصول والأعراف المتّبعة، فكان الاعتراض تحت عنوان “الوجود” و”الميثاقية”، برغم تأكيد المعنيين في الدولة لا سيّما رئاسة الجمهورية، كما الرئيس المكلّف، بأنّه لا يمكن لأي فريق أن يلغي الآخر، لأن التجربة اللبنانية أثبتت ذلك.

“كلمة السر” الفرنسية!

غير أن معلومات مصدر مطّلع أشارت إلى أن المفاجأة لم تكن عند “الثنائي” في تسمية نوّاف سلام، بل في عدم التزام “الثنائي” نفسه في وعده وفي دعمه لترشيح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وذلك عبر الامتناع عن التصويت للأخير. ويضع المصدر هذه الخطوة في سياق اتفاق مسبق بعلم الفريق الشيعي حول تسمية السفير نوّاف سلام بعد ضغط فرنسيّ مباشر خلافاً للأخبار المتداولة عن تفضيل ماكرون لميقاتي مع الإشارة إلى العلاقة المميّزة التي تجمع رئيس الحكومة المكلّف بالرئيس الفرنسي. هذه المعلومات ينفيها، في الوقت نفسه، رئيس الوزراء السابق، وتقول أوساط ميقاتي إنه عندما أدرك أن “كلمة السر” باتت مُعممة على معظم الكتل النيابية والنواب المستقلين، تمنى على “الثنائي” (30 نائباً) عدم تسميته، طالما أن النتيجة باتت محسومة، فكان القرار بالذهاب إلى عدم التسمية نهائياً.

تنتظر الحكومة الجديدة التي من المفترض أن تتشكّل في فترة وجيزة الكثير من الملفات والقضايا لا سيّما تطبيق القرار ١٧٠١ تطبيقاً كاملاً وحماية لبنان من المطامع الإسرائيلية، بالإضافة إلى تطبيق خطة إصلاحات جدية. لذلك، فإن الأنظار شاخصة على أداء رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام ومدى قدرته كما قدرة العهد على حسن إدارة التوازنات السياسية والطائفية

استناداً إلى هذه المعطيات، ولا سيما علم “الثنائي” بالتوجه لتسمية نوّاف سلام، يمكن القول إن كل المشهد الذي تبعه من اعتراض وغضب هو وسيلة إخراج لتمرير التسمية وتحقيق هدفين وهما:

الأول، إعادة شدّ “عصب” جمهور “الثنائي” الذي يُعبّر عن خيبة أمل أو إحساس بالغبن وبأنه مستهدف في ضوء نتائج الحرب الإسرائيلية واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، حتى بات الناشطون يتداولون عبارات مثل “الوجود الشيعي” و”الإحباط الشيعي” و”الحقوق الشيعية” وغيرها من المصطلحات التي كانت في السنوات الماضية وسيلة الأحزاب السياسية التي تنتمي إلى طوائف أخرى لاستقطاب الجمهور واستنهاض الهمم ضد نفوذ “الثنائي”.

أما الهدف الثاني، فهو حفظ ماء الوجه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بخاصة أن الأخير كان أكثر الرؤساء حرصاً على التعاون والتنسيق مع “الثنائي”، في كل المراحل السابقة، الأمر الذي أفقده من رصيده الشعبي تحديداً في الشارع السني وأيضاً في الشارع اللبناني بشكل عام، بحيث كان يُتهّم بأنه تابع لـ”الثنائي” ولا يتمتّع باستقلالية القرار، في حين كان ميقاتي يُردّد دائما بأن نهجه في الحكم هو الوسطية لتفادي الصدام الداخلي.

لعبة الأواني المستطرقة!

أدرك “الثنائي” أن الغالبية العظمي من اللبنانيين، بفئاتهم العمرية والطائفية والاجتماعية والسياسية والمناطقية، قد عبّرت عن تأييدها للرئيس المكلّف نوّاف سلام انطلاقا من رفضهم لكل الوجوه القديمة وطموحهم بوصول أسماء جديدة أثبتت كفاءتها، فكانت تسمية سلام فرصة كبيرة لما يتمتّع به الرجل من مناقبيّة ومن تاريخ مهنيّ حافل وعلاقات دولية وإقليمية يحتاجها لبنان في المرحلة المقبلة.

وكما على المستوى الداخلي، فقد ترافقت عملية تسمية نوّاف سلام مع معلومات متضاربة تمّ تناولها على الإعلام حول وجود صراع بين الدول العربية الفاعلة في الشأن اللبناني وتحديدا بين قطر والسعودية. فقد تناول عدد لا بأس به من المحللين والصحفيين في الإعلام اللبناني الدور الذي لعبته السعودية في انتخاب جوزاف عون لرئاسة الجمهورية كمؤشر لعودتها لاعباً خارجياً تقليدياً في السياسة اللبنانية الداخلية بعد قطيعة سياسية مع لبنان دامت سنوات. وقد ذهب هؤلاء بعيداً في القول إن السعودية تريد سحب الملف اللبناني من قطر لا سيّما أن الأخيرة تمسك بالملف السوري بشراكة كاملة مع تركيا؛ لذلك، فهم اعتبروا بأن المملكة تحاول التعويض في لبنان عمّا خسرته في سوريا.

إقرأ على موقع 180  طلال سلمان اقتحم الإستحالة وغرّد بطائر برتقالي

إلا أن “المصادر الخاصة” تنفي هذا السيناريو الذي يتداوله بعض الساسة والإعلام في لبنان، وتؤكد أن لا دولة عربية فرضت أو تدخلت في ملف رئاسة الحكومة، بل إنّ اسم نوّاف سلام لم يكن مطروحا من بين المرشّحين، وأن التسمية شكّلت مفاجأة وذلك بعد طلب وضغط من الرئيس الفرنسي الذي تواصل شخصياً مع القوى السياسية الفاعلة لتسويق سلام. كما تشير المصادر إلى وجود تنسيق مستمرّ ووثيق بين السعودية وقطر حول مختلف الملفات في المنطقة، ومنها لبنان أولاً انطلاقا من دورهما في اللجنة الخماسية، وتضيف المصادر أن قطر تلعب دوراً كبيراً في إقناع السعودية بالانفتاح على التطوّرات الجديدة في المنطقة وتحديداً في سوريا ولبنان انطلاقاً من دور الوساطة الذي تتفرّد في لعبه بنجاح.

ومن المسلّم به أنه لا يمكن فصل ما يحدث في لبنان عن التغيّرات في المنطقة والتي تحضّر لمسار جديد في مقاربة القضايا العالقة وصولاً إلى إقفالها. غير أن حضور لبنان في قلب هذه التغيّرات والمعادلات منوطٌ بالدرجة الأولى بقرار اللبنانيين أنفسهم في استغلال هذه المرحلة الانتقالية لا سيّما مع انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف نوّاف سلام، في ظل دعم دولي وإقليمي افتقده لبنان منذ عقدين من الزمن.

استنهاض لا اصطفاف محاور

من هنا، على الإدارة السياسية الجديدة ألا ترتكب أخطاء الرئاسات والحكومات السابقة في الغوص في سياسة المحاور والرهانات. فعلى قدر أهمية وضرورة إعادة الحضور العربي إلى الساحة اللبنانية من منطلق العلاقات بين الدول لا سيما مع السعودية من دون ارتهان واستزلام، فإنّ لبنان الرسمي يحتاج إلى الحفاظ على صداقاته وتحالفاته لا سيّما مع الدول الفاعلة إقليمياً مثل دولة قطر التي تستمرّ بدعم لبنان من خلال دعم مؤسسات الدولة ولا سيما الجيش اللبناني. هذا الدعم المؤسساتي ينعكس أيضاً في جلسات وتصريحات السفير القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني الذي كان يُشدّد في كل اجتماعاته مع الرئيسين بري وميقاتي على احترام بلاده لاستقلال لبنان وعلى دور البرلمان اللبناني ومؤسسات الدولة في الانتخاب وفي إدارة شؤون البلاد.

حضور لبنان في قلب هذه التغيّرات والمعادلات منوطٌ بالدرجة الأولى بقرار اللبنانيين أنفسهم في استغلال هذه المرحلة الانتقالية لا سيّما مع انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف نوّاف سلام، في ظل دعم دولي وإقليمي افتقده لبنان منذ عقدين من الزمن

من هنا، من مصلحة الإدارة الجديدة في لبنان العمل على تعزيز هذه العلاقة بشراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة، ذلك أن أمام لبنان مهمّة شائكة تتمثّل في تسوية الخلافات مع سوريا بما فيها ترسيم الحدود البحرية والبرية في ما يخص لبنانية مزارع شبعا والحدود الشرقية. من هنا، فإن قطر من خلال دورها الفاعل في الملف السوري، وحضورها الديبلوماسي القوي، ودورها في الوساطة الدولية بدعم وتفويض أميركيّ، تستطيع أن تلعب دوراً أساسياً في التوسط بين لبنان وسوريا لإرساء علاقة قائمة على النديّة والاحترام المتبادل كدولتين جارتين. هنا، لا يجب إغفال دور تركيا في الملف السوري، وأهمية التنسيق والاستفادة من الدعم التركي للبنان وحرصها على استقرار لبنان، لا سيّما وأن تركيا هي الدولة الإقليمية الوحيدة الممثّلة في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وتنتظر الحكومة الجديدة التي من المفترض أن تتشكّل في فترة وجيزة الكثير من الملفات والقضايا لا سيّما تطبيق القرار ١٧٠١ تطبيقاً كاملاً وحماية لبنان من المطامع الإسرائيلية، بالإضافة إلى تطبيق خطة إصلاحات جدية بالشكل والمضمون. لذلك، فإن الأنظار شاخصة على أداء رئيس الحكومة المكلّف نوّاف سلام ومدى قدرته كما قدرة العهد على حسن إدارة التوازنات السياسية والطائفية وغيرها.

ويعي اللاعبون الإقليميون والدوليون توق الشعب اللبناني للتغيير، ولبنان لا يحتاج إلى استنهاض شارع ولا إلى اصطفاف محاور، بل إلى خطة إصلاحية داخلية أولاً لإفساح المجال أمام الشباب والكفاءات للمشاركة في صياغة المرحلة المقبلة، وتلقّف هذه اللحظة لإعادة حضور لبنان العربي وتعزيز شراكاته مع الدول الصديقة التي تستطيع مدّ الجسور لمصلحة لبنان ولعب دور الوسيط مع الدول الغربية لا سيّما الولايات المتحدة الأميركية كونها اللاعب الأساسي في المنطقة، وما الوساطة القطرية – المصرية لوقف الحرب على غزة ونتائجها التي حفظت حقوق أهل غزة إلا خير مثال على أهمية هذه الشراكة.

Print Friendly, PDF & Email
حياة الحريري

كاتبة وباحثة سياسية، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  لا تدعوهم ينامون.. هزّوا الأرض تحتهم