

ثلاث رايات رفعها الأمير شكيب أرسلان بعد الحرب العالمية الأولى، الجامعة العربية ومجاهدة الإستعمار والقضية الفلسطينية.
ثمة ثلاثة كتب مبكرة، لا يمكن تجاوزها وتشكل مرجعية للبحث في حياة شكيب أرسلان وفكره ونضاله السياسي، وهي “ذكرى شكيب أرسلان ـ 1947″ للصحافي الفلسطيني محمد علي الطاهر صديق الأمير ورفيق دربه لعقود، و”شكيب أرسلان حياته وآثاره ـ 1960″ للأديب والمفكر السوري سامي الدهان، و”شكيب أرسلان من رواد الوحدة العربية” ـ 1963 للشيخ احمد الشرباصي أمين الفتوى في الأزهر الشريف، والقراءة المتأنية في صفحات تلك الكتب أو المتعجلة في فهارسها ترفد قارئها بما يُضيء على الرحلة النضالية لأرسلان بين ماء الخليج وماء المحيط، كما يقول أهل القومية العربية، ففي كل قضية كان له باع، وفي كل مؤتمر له ضلع، وفي كل جولة فكر له صولة.
أولاً؛ رائد الدعوة للجامعة العربية:
في كتاب محمد علي الطاهر أن صحيفة “العلم” المغربية قالت إن أمير البيان “أول من دعا إلى الوحدة العربية” وفي “المصور” المصرية “كان شكيب أرسلان أول من دعا إلى إنشاء جامعة عربية وذلك بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة” فيما أحمد الشرباصي يعيد خلفية هذه الدعوة إلى إدارة الكماليين الأتراك ظهرهم للعرب “فلم يبق مجال أمام شكيب، فراجع نفسه، وأخذ يدعو إلى الوحدة العربية وكان أول من دعا إلى إنشاء جامعة عربية”. ويُلفت الطاهر والشرباصي الانتباه إلى أن أرسلان كان يؤكد “أننا منذ انتهاء الحرب العامة توجهت همتنا إلى إيجاد الوحدة العربية، ويُحكى أن الملك فيصل الأول (العراق) قال له: أشهد أنك أول عربي تكلم معي عن الوحدة العربية”.
والدعوة لإنشاء الجامعة العربية يتحدث عنها المفكر الجزائري مالك بن نبي في “شاهد للقرن” وهو كتاب مذكراته “كان شكيب أرسلان لاجئا في جنيف، يواصل صراعه البطولي دون أن يكل أو يمل، وكان فريد زين الدين على صلة به ومكلفا من طرفه بدعوة الطلبة العرب في العاصمة الفرنسية لتشكيل جمعية الوحدة العربية، وكأنما كانت هذه الدعوة مقدمة للجامعة العربية الحالية”.
وهذه الدعوة تعود إلى أوائل العشرية الثانية من القرن العشرين على ما يرى محمد أبو عز الدين في مجلة “الأديب” البيروتية (شباط/فبراير 1922) عندما حاول أرسلان “ورفاق له من المشتغلين بالقضية العربية كشف القناع عن حقيقتها، ومن هؤلاء إحسان الجابري ونوري السعيد وجعفر العسكري وموسى كاظم الحسيني وناجي الأصيل وأمين التميمي، وفي سنة 1923 نشر شكيب أرسلان وإحسان الجابري بيانا يدعو إلى الجامعة العربية، وقد وجهاه إلى البلاد العربية وملوكها ووُزعت منه آلاف النسخ”.
وتظهر ملامح هذه الدعوة بجلاء في رسالة من أرسلان بتاريخ 6 ـ 3 ـ 1931 إلى أبي الحركة الوطنية المغربية عبد السلام بنونة يؤكد فيها أن فكرة الحلف العربي “من بنات أفكاره” بحسب “مراسلات من أمير البيان إلى كبار رجال العصر” التي قدّم لها المؤرخ اللبناني نجيب البعيني، وفيها يقول أرسلان “مسألة الحلف العربي أخوك هذا هو الوحيد الذي قام بها وأوصيك ان تقرأ مقالتي في الشورى تحت عنوان الحلف العربي”، فماذا كتب الأمير في صحيفة “الشورى”؟
في ـ 11 ـ 3 ـ 1931 كتب الجزء الأول من “الحلف العربي” وقال فيه “بكينا حتى عُمينا على أن نرى تحقيق مشروع الحلف العربي، وأجمعنا على أنه لا حياة للعرب في هذا العصر وما يليه إلا به لأنه الوسيلة الوحيدة لصد الإستعمار”. وفي الثامن عشر من الشهر نفسه كتب “نرى الأمة العربية كلها تتمخض مخاضا شديدا إلى الإستقلال والوحدة على شكل حلف يكفل لكل مملكة وكل إمارة استقلالها الداخلي وتعيين الحدود بينها وبين جاراتها”.
يصوغ سامي الدهان جملة تعبيرية كثيفة الدلالة لإظهار حركية شكيب أرسلان في مواجهة الدول الغربية على جبهتين فقد كان “عام 1911 يطير إلى البلقان حينا لنجدة الجيش العثماني ثم يسافر إلى برقة (ليبيا) لنجدة العرب ضد الطليان” وهذا الدور في المغرب العربي عموما سيحفظه المغاربة جيلا بعد جيلا في سياق استحضارهم المتعاقب لمقاسمة أرسلان نضالاتهم الوطنية.
وبالإستناد إلى مجلة “المغرب” في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1933 “الأمير شكيب أرسلان زعيم الوطنية العربية” وفي رسالة من تونس لصحيفة “العلم” المغربية (6ـ 2 ـ 1947) قيل عن أرسلان في حفل تأبينه “لن يستطيع لبنان أن يقول إن شكيبا لي، بل يستطيع كل قطر من أقطار الإسلام أن يقول إن شكيبا زعيمي وعظيمي وشهيدي، والحركات القومية في تونس والجزائر والمغرب تستمد من أفكار الأمير نهجها وخطتها في الكفاح”، وهاتان الشهادتان المنطويتان على شهامة الإعتراف بما قام به أرسلان في المغرب العربي تأخذان الحديث نحو الإطلالة على ذاك الدور الأرسلاني الخطير.
ثانياً؛ المغرب:
يقول الطيب بنونة (ت: 1981) شقيق عبد السلام بنونة (ت: 1935) “جميع الذين كتبوا عن أطوار الحركة الوطنية المغربية اعتبروا ان زيارة المجاهد الكبير والزعيم أرسلان لطنجة وتطوان من الأحداث التي أعطت للكفاح الوطني عنصرا جديدا وأضافت إلى صفوف المجاهدين قائدا مدربا احتضن القضية المغربية وخاض المعركة بقلبه وقالبه وأصبح أبا للصغير من رجال الحركة الوطنية وأخا للكبير من قادة الحركة”، وفي “نضالنا القومي/الرسائل المتبادلة بين شكيب أرسلان وعبد السلام بنونة” ما يُضيء على جوانب كبيرة الأهمية في العلاقة بين الرجلين والدور الجلل لأرسلان في المغرب الأقصى.
تلك الزيارة التي يتحدث عنها الطيب بنونة جاءت بعد إعلان سلطات الإحتلال الفرنسي مشروع “الظهير البربري” في 16 ـ 5 ـ 1930 والهادف إلى تجزئة المغرب، وبعد مغادرة أرسلان الأراضي المغربية إلى مقر إقامته في سويسرا، تحوّل مسكنه في جنيف “إلى مدرسة لكل العناصر الوطنية الشابة التي كانت تتابع الدراسة في فرنسا” بحسب المؤرخ المغربي الطيب بوتبقالت في “موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير في المغرب”.
وبلغة صارمة يكتب محمد بن عزوز في “وثائق سرية حول زيارة الأمير شكيب أرسلان إلى المغرب ـ 1980” فيحسم قائلاً “لسنا بحاجة إلى ذكر الأسباب التي أدت بالأمير إلى القيام بزيارته التاريخية للمغرب، عندما نراه يقوم بهذه الزيارة بعد صدور الظهير البربري مباشرة، وعندما نعرف أنه هو الذي تزعم خارج المغرب، في الشرق وفي أوروبا، الحملة الهائلة المنظمة ضد الظهير”.
وطبقا لقراءة مؤرخ مغربي ثالث هو عبد الكريم الفيلالي في الجزء التاسع من “التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير” أن “شكيب أرسلان الزعيم العربي والإسلامي، والمعروف بعطفه واهتمامه بقضية المغرب العربي واتصاله الوثيق بزعمائه المعاصرين، كان اهتمامه بإستقلال هذه الأقطار لا يقل عن اهتمامه بموطنه” وذاك الإهتمام سيؤكد عليه المفكر المغربي عبد الله العروي في كتاب مشترك مع جاك بيرك وآخرين نقله إلى العربية صالح بشير بعنوان “الخطابي وجمهورية الريف”.
وإذا كان الطيب بنونة قد نشر رسائل شقيقه مع أرسلان، فالأرشيف الوطني المغربي حفظ بعض أوراق الأمير كما كتب محمد صابر عرب في مقدمة كتاب عمر رياض “مراسلات شكيب أرسلان مع مؤرخ تطوان محمد داوود” ذلك أن ملك المغرب الراحل الحسن الثاني “أصدر مرسوما يأمر بجمع مراسلات أرسلان مع القادة المغاربة من الحركة الوطنية في عصر الإستعمار” وهو يقول في إحداها: “لولا شكيب أرسلان ما كان هناك في المغرب مسألة يقال لها المسألة البربرية”.
من الشهود على تلك المرحلة والمشاركين في أحداثها النضالية أبو بكر القادري (1914 ـ 2012) ففي الجزء الأول من كتابه “مذكراتي في الحركة الوطنية” يتطرق إلى “الدور العظيم الخطير الذي قام به أمير البيان شكيب أرسلان، فهذا الرجل خدم المغرب خدمة تُسجل له بمداد الذهب، وكاد همه أن يكون مقتصرا على استنكار ما قامت به السلطات الفرنسية بإصدارها الظهير البربري، وكنا نلتهم المقالات التي يحررها التهاما”.
وهذا الحضور الكثيف لأرسلان في المغرب، من الطبيعي أن يخلف فراغا بعد رحيله، وقد فاض التعبير عنه في الخُطب والقصائد التي ألقيت في مراسم التأبين، ومنها مرثية القائد الوطني المغربي علال الفاسي (1910 ـ1974):
أمير البيان الحر والمنطق العذبِ/ عزيز علينا ان تغيب في التُربِ
فقدناك والآمال ترجو نفوسنا/ لتحقيق ما تصبو إليه امة العربِ.
ثالثاً؛ الجزائر:
لا يقل حضور شكيب أرسلان في الجزائر عما هو عليه في المغرب، وعلى ذلك يؤكد المفكر مالك بن نبي أنه كان من القراء المواظبين لمجلة “الأمة العربية” التي كان يصدرها أرسلان في جنيف باللغة الفرنسية، فيما المؤرخ والوزير احمد توفيق المدني (1898 ـ 1984) كان يروٍج المجلة ويجمع الإشتراكات الخاصة بها كما في كتابه “حياة كفاح”، وفي الشهادتين ما يفيد عن رواج المجلة في الجزائر وتأثيراتها الفكرية في الوسط الجزائري، ويضاف إلى ذلك أن رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس يقف وراء إطلاع الجزائريين على كتاب أرسلان “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم” إذ أنه دعا إلى ترجمة هذا الكتاب فشاع وراج بين الجزائريين.
وزيادة على تلك الشهادات، فالقائد التاريخي لجبهة التحريرالوطني الجزائرية، مصالي الحاج، صديق أرسلان ورفيق نضاله، قال في حفل تأبينه “إن معرفتي بشكيب أعدها غرة في فاتح حياتي ودرة من الدرر التي أبقى فخورا بها مدى الحياة ومثال شكيب أعظم من الفناء”.
وفي الذكرى السنوية لوفاة أرسلان نشرت صحيفة “الإصلاح” الجزائرية (3 ـ 3 ـ 1948) في صفحتها الأولى صورة لشكيب أرسلان وهو يرتدي الثوب المغربي التقليدي وأرفقتها بقصيدة طويلة لجورج صيدح، من بعض أبياتها:
لا تقولوا غدا الزعيم رميما/ صرخة العُرب تبعث الميت حيا
إنما البعث أن يكون المسجى/ حاضرا في قلوبكم ونجيا.
من الجزائريين المعاصرين الذين كتبوا عن شكيب أرسلان، مولود عويمر، وأورد أن “الأمير اكثر الشخصيات الأدبية والسياسية المشرقية حضورا في الصحافة الجزائرية، فهو يتمتع بمكانة خاصة في قلوب النخبة الجزائرية بمختلف اطيافها”.
رابعاً؛ تونس:
ارتبط شكيب أرسلان بعلاقات وثيقة مع كبار النهضويين والأدباء ورموز الحركة الوطنية التونسية، من عبد العزيز الثعالبي إلى صالح الشريف التونسي والطاهر بن عاشور و محمد باش حمبة ومحمد علي العنابي والصادق مازيغ وعلي البهلوان وصولا إلى الحبيب بورقيبة وغيرهم، وبعض هذه العلاقات يعود إلى عام 1911 كما هي الحال مع صالح الشريف.
يحضر بصورة جلية الشأن التونسي في “الرسائل المتبادلة بين الأمير والشيخ عبد العزيز الثعالبي” وفي واحدة عائدة لأرسلان “كنتُ أحب أن أتبادل وإياكم الرأي بشأن الحوادث التونسية الأخيرة، وعلى كل حال أرى التونسيين مستأنفين نهضة جديدة، في تونس حركة قوية وفي الجزائر حركة قوية وفي المغرب الأقصى، الحكومة في باريس تعتقد أن هذه الحركات فيها من الشرق سياسة إسلامية، ثم عند الفرنسيين اعتقاد آخر هو ان الطليان لهم يد في التحريك وهذا من جملة ضلال الفرنسيين”.
وإذ تعود علاقة محمد لخضر الحسين بأرسلان إلى الحرب العالمية الأولى حين تعارفا في برلين، فعلاقة أرسلان بالحبيب بورقيبة خطت خطوتها الأولى عام 1937 ويقدم وليم كليفلاند في “شكيب أرسلان والدعوة إلى القومية الإسلامية ” معلومات ذات قيمة مضافة حول إعجاب بورقيبة بالأمير المشرقي والكتابة عن أفكاره “وكان يراسله كلما اقتضى الأمر”، ولما غادر أرسلان الحياة الدنيا نعاه بورقيبة قائلا “ذهب سيد اللسان والقلم، مات سيد العرب، وهيهات أن تجد له مثيلا”.
عموما لم تدخر فرنسا فعلا دون مضايقة أرسلان ومطاردته، ومنعته من دخول تونس وبقي طريدها ما بقيت في تونس، وحالت دون تأبينه حيث كان من المقرر أن يشارك في المراسم كبار رموز الوطنيين التوانسة ممن سبق ذكرهم.
يبقى أخيرا الحديث عن مشروع أرسلان لإستقلال تونس، ونص المشروع موجود في “مراسلات أمير البيان إلى كبار رجال العصر” وتناوله المؤرخ المصري عبد العظيم رمضان في مجلة “العربي” الكويتية في الأول من أيلول/سبتمبر 1978 وكذلك المؤرخ اللبناني نجيب البعيني في صحيفة “السفير” اللبنانية (26 ـ 3 ـ 1998) فكتب الثاني تم العثور على رسالة لشكيب أرسلان “بخصوص استقلال تونس، وجهها الى الدكتور الطيب ناصر، رئيس جمعية مصر الوطنية في ايطاليا، وفي هذه الرسالة الوثيقة يقدم الأمير مشروعا بخصوص استقلال تونس، يقوم على ان تعلن دولتا المحور استقلال تونس التام، وفي مقابل ذلك يعقد اتفاق سري بين دول المحور وتونس على ان يكون سرا، يكون شرطه الاستقلال التام، في مقابل عقد تحالف بين دول المحور والتونسيين لمدة عشرين سنة”.
خامساً؛ ليبيا:
قد يكون من الضروري في بداية الحديث عن الدور الأرسلاني في النضال الليبي، استدعاء ما نقلته صحيفة “الشورى” المصرية (5 ـ 8 ـ1931) عن صحيفة فرنسية في الجزائر حول “حوادث طرابلس (الغرب) وفظائع الطليان فيها، فزعمت أن سبب كل ذلك هو كاتب الدهر الأمير شكيب أرسلان”، وقالت “إننا نتوقع انفجارا هائلا في شمالي إفريقيا يسحق فرنسا سحقا بسبب ما ينشره الأمير شكيب في مقالاته المثيرة التي تستولي على قلوب العرب والمسلمين جميعا”.
في “حاضر العالم الإسلامي” يقول شكيب أرسلان “لما حررتُ المقالة عن فجائع طرابلس وبرقة سنة 1931 على أثر دخول الطليان إلى الكفرة، جاءني من الشهيد الأكبر بطل الجبل الأخضر السيد عمر المختار هذا الكتاب قرأتُ ما دبّجه يراعكم السيّال عن فظائع الطليان، إني وعموم إخواني المجاهدين نقدم لسامي مقامكم خالص الشكر وعظيم الممنونية” وهذا التقدير من “شيخ المجاهدين” كما هو لقب المختار، نتاج لمآثر نضالية متسلسلة أداها أرسلان في ليبيا.
وعن تلك المآثر في الديار الليبية كتب ابراهيم السويحلي في صحيفة “البيان” التونسية في 13 ـ 12 ـ 1946 “الطرابلسيون لم يعتبروه زعيما عربيا يعمل لشرف العروبة فقط، بل يرون في شخصه قائدا وطنيا انضم لصفوفهم وحارب معهم عدوهم الأجنبي” وفي شروحات أكثر تفصيلا وأشد دلالة على طريق تصديه للهجمة الغربية بحسب توصيف الأكاديمي اللبناني سعود المولى في ورقة بحثية بعنوان “شكيب أرسلان والمغرب العربي” فقد “جسّد موقفه عبر قيادته لكوكبة من المتطوعين الدروز إلى الحرب في ليبيا” في عامي 1911 و1912 لمواجهة الجيش الإيطالي، وفي دعوته للمتطوعة الدروز أرسل أرسلان إلى صديقه محمود الطويل حمادة من بلدة بعقلين اللبنانية هذه الرسالة المحفوظة في “مراسلات من أمير البيان إلى كبار رجال العصر”:
“حبيبي محمود أفندي: أخذتُ تحريركم وفهمتُ ما فيه، توجّه لحد اليوم 50 متطوعا وأظن سيوافينا اناس من حوران ومن مجدل شمس، وأنا سآخذ معي بعض الشبان من الغرب، وعلى كل حال فأهل بعقلين يعملون حسنا في إرسال عشرة شبّان منهم”.
وتلك المآثر أبكر الليبيون وغيرهم في الحديث عنها، وممن تتطرق إليها احمد محمود في “عمر المختار/الحلقة الأخيرة ـ 1935” فقد استشهد بكتابات شكيب أرسلان حول الحرب الليبية ـ الإيطالية قبل الحرب العالمية الأولى بإعتباره شاهدا عليها ومشاركا فيها، ويُثني احد رموز الطريقة السنوسية الشيخ محمد الأخضر العيساوي الطرابلسي في كتابه “رفع الستار عما جاء في كتاب عمر المختار ـ 1936” على مناقب أرسلان وسعة اهتمامه بمؤازرة الليبيين في حربهم مع إيطاليا. وحين رحل الأمير كتب العيساوي في صحيفة “برقة الجديدة” أن “الأمير شكيب لم يألُ جهدا في العطف على قضيتنا قبل الإحتلال وبعده”، وفي الصحيفة نفسها كتب صاحبها صالح بويصير “يا حفنة من تراب لبنان العربي ضمت شكيبا ميتا هادئا، لستَ ملكا للبنان إنك ملك مشاع للعرب”.
في الختام، ماذا عن وصية شكيب أرسلان؟
يروي السياسي اللبناني عبدالله المشنوق (1904 ـ 1988) صاحب صحيفة “بيروت المساء” تفاصيل لقائه الأخير مع شكيب أرسلان قبيل وفاته بأيام معدودات عام 1946، وبعدما “ذرفت عينا الأمير دمعتين كريمتين” دار هذا الحوار:
ـ أرسلان: لي وصية واحدة أود ان أوصي بها فهل تعدني بأن تنقلها إلى العالم العربي بعد وفاتي؟
ـ المشنوق: لك العمر الطويل إن شاء الله
ـ أرسلان: بل تعدني بنقل الوصية
ـ المشنوق: نعم
ـ أرسلان: أوصيكم بفلسطين.
الجزء الأول: الموحدون الدروز.. الدور الجليل لا العدد القليل
الجزء الثالث: الموحدون الدروز ونهضة أربع دول عربية.