

لم يكن الطالب الفلسطيني محمود خليل الذي تخرج من جامعة كولومبيا في نيويورك والذي يحمل البطاقة الخضراء يُجسّد حالة إستثنائية، إلا بعد قرار الرئيس دونالد ترمب القاضي باتهام الطلاب المتعاطفين مع القضية الفلسطينية بمعاداة السامية وتهديدهم بالاعتقال؛ هذا القرار جعل اسم الطالب محمود خليل نجماً يسطع في سماء الولايات المتحدة الأميركية عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بل تعدى ذلك إلى الرأي العام الأميركي من خلال التجمعات السلمية والمظاهرات المطالبة بإطلاق سراحه فوراً، واللافت للانتباه أن الأمر تعدى الشارع والرأي العام إلى أركان النظام الأميركي سواء في الكونغرس أو السلطة القضائية، إلى أن أصدر أحد القضاة الأميركيين في نيويورك أمراً بعدم ترحيل محمود خليل وحدّد موعداً لعقد جلسة للنظر في قضيته.
وُلد محمود خليل في سوريا عام ١٩٩٥ لأبوين فلسطينيين، وفي سن الثامنة عشرة (2013)، فرّ من سوريا إلى لبنان بعد عامين من اندلاع الثورة السورية وحصل على شهادة في علوم الحاسوب من الجامعة الأميركية في بيروت.
وصل محمود خليل إلى جامعة كولومبيا في كانون الثاني/يناير 2023 كطالب دراسات عليا في كلية الشؤون الدولية والعامة، ودرس درجة الماجستير في الإدارة العامة، وعندما بدأت الحرب في غزة في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان جزءًا من مجموعة صغيرة من الذين خططوا لأول احتجاج جامعي من أجل فلسطين في 12 تشرين الأول/أكتوبر2023.
بات هذا الطالب يُمثل رمزاً للصراع بين قضية الحريات الأكاديمية وحقوق التعبير من جهة، ومحاولة تطبيق سياسات أمنية وقضائية صارمة ضد أي ناشط طلابي كلما رفع صوته عالياً ضد أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل من جهة أخرى
في ربيع العام 2024، وخلال مخيم التضامن مع غزة في الجامعة، أصبح خليل المفاوض الرئيسي في اتحاد الطلاب العرب في جامعة كولومبيا، وكان بمثابة حلقة الوصل بين الطلاب المتظاهرين وإدارة الجامعة. كان يتحدث مكشوف الوجه عبر الميكروفونات وأمام الكاميرات، ناقلًا الأخبار من حرم مانهاتن إلى بقية أنحاء العالم، مطالباً بسحب الاستثمارات الأميركية من نظام الفصل العنصري (CUAD)، واكتسب مع الوقت سمعة طيبة بين زملائه المتظاهرين، ونال الثناء على قدرته على تهدئة المواقف المتوترة.
تم اعتقال محمود خليل في 8 آذار/مارس من قبل أفراد وزارة الأمن الداخلي في ولاية نيويورك أثناء وجوده في المبنى السكني المملوك للجامعة حيث يعيش مع زوجته، وهي مواطنة أميركية، وتم نقله إلى مركز إدارة الهجرة والجمارك، وقال عناصر وزارة الأمن الداخلي لدى اعتقاله إن وزارة الخارجية ألغت تأشيرته، على الرغم من أنه لا يحمل تأشيرة طالب، بل بطاقة خضراء، وهو مقيم دائم بطريقة قانونية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يتمتع حاملو البطاقة الخضراء بحقوق واسعة كمقيمين قانونيين، بما في ذلك الحق في العمل والحماية بموجب جميع قوانين الولايات المتحدة، وفي حالة وجود ادعاء ضد أي شخص في الولايات المتحدة الأميركية يحمل البطاقة الخضراء، فإن الشخص الوحيد الذي لديه سلطة إلغاء وضع الهجرة لشخص ما، مثل تأشيرة الطالب أو البطاقة الخضراء، هو قاضي الهجرة فقط.
وتم الاستناد في احتجاز محمود إلى الصلاحيات التي يمنحها قانون الهجرة والجنسية الأميركي، والذي ينص على أن “الأجنبي الذي يوجد لدى وزير الخارجية أسباب معقولة للاعتقاد بأن وجوده أو أنشطته في الولايات المتحدة قد يكون لها عواقب سلبية خطيرة محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة قابل للترحيل”.
وقد أحدث اعتقال خليل صدمة في الحملات الطلابية المدافعة عن الشعب الفلسطيني، وأثار مخاوف بشأن تجريم الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين وضعف ضمانات حرية التعبير وحقوق المهاجرين، بل تعدى ذلك الى مخاوف كبيرة في المجتمع الأميركي من تقييد الحريات وانتهاك التعديل الأول من الدستور الذي يحمي حرية الرأي والتعبير.
الأهم من ذلك أن التعامل بقوة وحزم مع تلك الاحتجاجات من قبل أجهزة انفاذ القانون في الولايات المتحدة الأميركية يشير إلى مدى التحولات العميقة في البناء المؤسساتي الديموقراطي في الدولة الأميركية نحو مصادرة الحريات والحقوق الفردية والجماعية.
من جانب آخر، تخشى الكثير من جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية وبخاصة اللوبيات الداعمة لإسرائيل من التحولات البنيوية في المجتمع الأميركي نحو التأييد المتزايد للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضاياه العادلة وتنامي الانتقادات للسياسة الخارجية الأميركية المنحازة بشكل كامل لإسرائيل، وهذا التغير قد ينعكس خلال سنوات مزيداً من التحول في مراكز صنع القرار نحو سياسة خارجية أميركية أكثر اعتدالاً وتوازناً تجاه الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ما جرى مع محمود خليل هو درس لكل الطلاب العرب في الولايات المتحدة، وبات هذا الطالب يُمثل رمزاً للصراع بين قضية الحريات الأكاديمية وحقوق التعبير من جهة، ومحاولة تطبيق سياسات أمنية وقضائية صارمة ضد أي ناشط طلابي كلما رفع صوته عالياً ضد أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل من جهة أخرى.