لي أخٌ لا اسم له في سجلات طائفتي!

لي صديق، التقيته في بداية حراك الشبيبة المبارك، أحببته وأحبّني، لأننا اجتمعنا على حبّ الوطن. وطن أعادت الشبيبة آنذاك اجتراحه من جديد في غفلة من السياسيين والمثقفين والأحزاب والحكام الثوريين.

لي أخٌ، لم تلده أمّي، وليس له اسم في سجلّات طائفتي. فماذا أفعل به في أيام سطوة الناحرين وشبقهم الدموي؟

نشأ في زمن كان فيه حبّ الوطن أرقى درجات الإيمان، والنضال من أجل التحرر والوحدة أسمى هدف يسعى إليه الفتى، والعدالة الاجتماعية (ولنسمّها الاشتراكية) أنبل وجوه الأخوّة. وحين تسلّق المتسلّقون السلطة، تفلّت هو من قيود الأسرة وخرج على القبيلة ناذرا نفسه للنضال في سبيل الوطن. ولما اشتدّ عليه نقيق ضفادع المصلحة وإغراء الارتقاء على أكتاف الآخرين، انسلخ عن أرض الوطن ليعيش في غربة لا تزال تلازمه منذ نصف قرن، ويسعدَ في النضال لمصلحة الوطن.

ما له، وُهب بالولادة نسباً لعتاة طغاة النظام، فلم يُحسن استغلاله، بل نبذه، لكي ينبذهم. جاحدٌ، هبّت رياحه، رياح الغنيمة الطائفية على حساب الوطن، فلم يغتنمها وأهدى الوطن حياته.

محمد مخلوف اسم للمئات وربما للآلاف ممن رُميت جثثهم في عين الشمس وأمام عدسات التصوير وأماكن العبادة وعلى مرأى من الإنسانية جمعاء

تكرّرت الكرّة، ولُدغ من جحر الغنيمة مرّة أخرى، حين انخرط في الحراك البكر. ساوره حداء المتسلقين الجدد إلى السلطة على سلالم الغرباء من عربٍ ومن غربٍ. أرادوا أن يستغلوه رمزاً طائفياً مُنشقّاً عن طائفته، ليدقوه إسفينا في حصن النظام، وليقاسموه دنانير مُندّاة بالنفط وبدبلوماسية الغرب الراقية، لقاء هرولتهم إلى السلطة. غير أنه صمّ أذنيه دونهم. لم يتبيّن في صوتهم ثغاء الإخلاص للوطن. ما شأنه، على الدوام يعاند حظّه!

صديقي، أخي محمد مخلوف الثمانيني هذا، يعتاش من عرق جبينه ومن الإيمان بالوطن. فما عساه فاعل به واحد من هؤلاء النحرة الغرباء إذا التقاه صدفة في إحدى الوديان أو على إحدى تلال جبال ساحلنا الساحرة، غير ما كان ليفعله صليبيّ تدرّج يوماً في تلك المغاني في طريقه إلى القدس، وهو يدوس كوماً من جثث المسلمين ومسحيي الشرق الأُوَل؟ وهل ينحره قبل أو بعد أو دون أن يسمع شهادته الواردة أعلاه؟ ناحرٌ وصليبيٌ، بما يَفضُل أحدهما الآخر؟

تلك صورة لما يجري على تراب الوطن السوري منذ أشهر. فمحمد مخلوف اسم للمئات وربما للآلاف ممن رُميت جثثهم في عين الشمس وأمام عدسات التصوير وأماكن العبادة وعلى مرأى من الإنسانية جمعاء.

وهو أيضاً اسمٌ لأمثاله من عشرات آلاف المواطنين البسطاء الوادعين، المشدودين إلى هذه الأرض الطيبة، لم يُحابوا الظالم يوماً، ولا أكلوا من زاده لقمة. ومع ذلك ابتلوا بشرّ الانتساب بالولادة إلى قبيلة الظالم. فأيُّ إله يا ترى أوصى بأن تؤخذ نفس بريئة بجريرة نفس شريرة غيرها؟ ومن أقام بشرًا من لحم ودم قاضيًا على الآخرين، خارج سلطة القانون وخارج شريعة الأخلاق الأزلية؟

فكم يلزمنا من مياه المحيطات، إن كَفَت، لغسل أثر هؤلاء النحرة، هؤلاء الصليبيين النَحَرة؟

عفوك، ترابَ مهد النبوءات والحضارات والإنسان! عفوكَ!

عساهم هؤلاء الشهداء يصبحون خميرة الوطن المنشود؛ هذا إن كنا ما نزال نستحق وطناً.

(*) هذا النص بمثابة بطاقة تعريف للنص المنشور بعنوان: “سوريا المبعثرة.. المواطنة فوق أي انتماء والعدالة قبل الثأر” للكاتب السوري محمد مخلوف
 

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  خيارات ترامب.. سايكس ـ بيكو 2025!
بطرس الحلّاق

كاتب سوري، أستاذ كرسي في جامعة السوربون

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  داعش يهدد "القاعدة" والرعاة الاقليميين لـ "الاخوان" .. ولكن!