رونين بيرغمان يسأل: لماذا ألغى نتنياهو مشاركته في قمة شرم الشيخ؟

Avatar18018/10/2025
يتهم الكاتب الإسرائيلي رونين بيرغمان، وهو خبير في المسائل الأمنية والعسكرية، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ببيع الجمهور الإسرائيلي اتفاقا غير موجود، ويقول في مقالة له في "يديعوت أحرونوت" إن نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس يزرعان بذور حرب قادمة ستظهر عندما تنكشف الهوة بين الظاهر وبين الواقع. في ما يلي نص مقالة بيرغمان:

منذ توقيع الصفقة مع “حماس”، يتعرّض الجمهور الإسرائيلي لكمٍّ من الأكاذيب والتلاعب الإعلامي والعروض المسرحية المزيفة، التي تُقدَّم لتشرح لماذا ما لم يحدث خلال عامين كان “مستحيلاً” ، وكيف أن ما حدث الآن هو جزء من خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العبقرية. إن خلق واقع بديل من العدم ليس مجرد هروب من المسؤولية، أو من أجل انتزاع الفضل، بل هو انتهاك لحق الجمهور في المعرفة، وإجحاف بحق التاريخ، بل الأخطر من ذلك، أنه يخلق توقعات خطِرة للمستقبل. وعندما يتبدد هذا الوهم، من المؤكد مسبقاً مَن الذي سيُلام.

في هذه الأيام، يشاهد المواطنون الإسرائيليون المسرحية التي تم إنتاجها من أجلهم، ويعرفون أن ما يُعرض ليس تمثيلاً، وهُم على ثقة بأن هذا هو الواقع. هنا بعض الأمثلة من الأيام الأخيرة:

الكورال في شرم: قداسة العيد، أم الخوف من الحقيقة

هل كنا نعيش حلماً لمدة ساعتين؟ يوم الإثنين الماضي، تتالت الأخبار بسرعة مذهلة: 20 رهينة في طريقهم للعودة؛ يُقال إن نتنياهو في طريقه إلى قمة شرم الشيخ؛ الرئيس الإندونيسي في زيارة تاريخية لإسرائيل؛ وفي هذه الأيام العجائبية – حتى زيارة الرئيس القبرصي غداً تُصنّف على أنها تطوّر غير قليل. وفي الاستوديوهات، تكلموا عن “الشرق الأوسط الجديد”، وعن خطوة إقليمية، من خلالها، “يحطم” نتنياهو الحدود، ويتجاوز الوزيرين بن غفير وسموتريتش، ويدخل في مسار لا عودة منه.

وبشكل مفاجئ، توقّف الفيلم، لن يستطيع رئيس الحكومة الحضور بسبب تقارُب التوقيت مع دخول العيد، هذا ما جاء في بيان جاف من الناطق الرسمي. قدسية العيد. إن نتنياهو الذي خرق قدسية يوم السبت وأيام الأعياد من أجل دوافع سياسية وتجميلية أقلّ كثيراً من هذا، يتخلى عن قمة تاريخية بسبب “دخول العيد”. سارع بعض الأطراف في الأحزاب الحريدية إلى التوضيح أن الحريديين ليسوا طرفاً في الأمر. “اذهب إلى السلام وارجع بالسلام”، من المرجّح أنهم كانوا سيجيبونه بهذا لو سألهم. لكنه لم يسأل، لأن الدافع الحقيقي كان، في الأغلب، في مكان مختلف تماماً.

نتنياهو اختار ألّا يدفع الثمن: الربح والخسارة في الغياب عن شرم

بحسب مصدرَين في استخبارات الشرق الأوسط، لم تتم دعوة نتنياهو إلى القمة من الأصل. فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي غاضب جداً من سلسلة تصريحات صدرت من محيط رئيس الوزراء ضد مصر. لكن محللين مقرّبين من مكتبه، مثل يعقوب بردوغو، سارعوا إلى التقليل من أهمية القمة التي وصفوها في القناة 14 بأنها “صراع قوى إقليمي… حيث تُستخدم إسرائيل للزينة فقط”. لكن المشكلة أنه لم تتم دعوة إسرائيل إلى القمة حتى للزينة.

مَن أدخل إسرائيل من الباب الخلفي هو الرئيس ترامب، سواء شكا نتنياهو إليه، أو أن المبادرة جاءت من ترامب نفسه، لقد مارس الرئيس الأميركي ضغوطاً على السيسي، وحصل على الدعوة. حاول مكتبه تسويق حكاية مكالمة هاتفية عفوية من الليموزين الرئاسية، لكن الجهات ذات الصلة في الجيش ذكرت أنها تلقّت تعليمات بتحضير الطائرة الرئاسية للإقلاع من مطار بن غوريون، لنقل نتنياهو إلى شرم مسبقاً، وقبل ساعات طويلة.

تسربت القصة فوراً إلى الصحافيين المقربين، واحتفلت بها وسائل الإعلام بصخب هائل. فعرضت القناة 14 تحقيقاً، كان بمثابة إعادة ترويج القمة بأكملها. إذا حضر نتنياهو القمة، فيجب أن تكون حدثاً مهماً الآن. ونُقل في خبر جديد أن “القمة ستشمل زعماء كباراً من دول كثيرة، بينها دول عربية وإسلامية لا تربطها بإسرائيل علاقات دبلوماسية رسمية”؛ “يُعتبر اللقاء المبادرة الدبلوماسية الأوسع منذ انتهاء المعارك في غزة، وهو يهدف إلى صوغ مخطَّط تسوية جديدة في القطاع والمنطقة بأسرها”.

في الوقت نفسه، ومن أجل تضخيم الإنجاز الدبلوماسي، سُرِّب خبر زيارة سرية لنتنياهو لإندونيسيا، كان جهاز الاستخبارات ينظّمها بصعوبة، والتي اشترطت السرية التامة. والتسريب، مثلما كان متوقعاً ، أثار غضب الأجهزة الاستخباراتية وجعل الإندونيسيين يلغون الزيارة ويُنكِرون كل شيء.

فلماذا أُلغى نتنياهو السفر إلى شرم؟ السبب ليس العيد، ولا قصة مختلقة عن تهديدات أردوغان ودوران الطائرة فوق سماء شرم – مسار الرحلة المخطط المباشر، من دون تأخيرات، يبيّن ذلك بوضوح. والجواب، وفقاً لمصدرين، هو مثلما كان دائماً في العامين الأخيرين، فما يهمه الحفاظ على الائتلاف. نتنياهو قبِل الدعوة، لكنه خاف بعد ذلك، أو ربما هناك أحد ما ملأه بالخوف، بحسب مصدر أمني كبير مطّلع في مكتبه، وأنه بمجرد أن يدخُل “الكورال”، تكفي مصافحة واحدة، وسيتعيّن عليه مواجهة سموتريتش وبن غفير؛ فهذا المسار في اتجاه واحد؛ وفي اللحظة الحاسمة، ضغط على الفرامل. الخوف من خسارة السيطرة على شركائه في الحكومة فاق الاعتبار الوطني.

إقرأ على موقع 180  اللقاء الأخير مع هيكل.. حان وقت الرحيل

هذا هو السبب الذي نجح كلٌّ من سموتريتش وبن غفير في إقناع نتنياهو في كل مرة بـ”وضع فرامل قبل صفقة الأسرى”؛ وألّا يبدأ حتى بصوغ خطة لليوم التالي في غزة؛ وهو أيضاً السبب الذي جعله لا يُقدم على التطبيع مع السعودية. ليس بسبب السعوديين، بل لأن رئيس الحكومة لم يكن مستعداً لدفع الثمن السياسي.

برج أوراق “منتدى الأمل

في لحظة واحدة، حطّمت الصفقة التي وُقّعت مئات الادعاءات والتبريرات التي بناها مكتب رئيس الحكومة ودوائر الدعاية لشرح سبب استمرار الحرب عامين. مثلاً، عندما فسّروا أن القصف في الدوحة كان فعلياً لتحرير الرهائن؛ وأن قيادة “حماس” في الدوحة هي المتشددة، وهي التي تمنع الصفقة، وإذا ما استهدفناها وقتلناها، فإن الجناح العسكري تحت قيادة عز الدين الحداد “المعتدل” (وهذا الأخير كان بين مخطّطي ومنفّذي “مجزرة” 7 أكتوبر) سيوقّع صفقة بشروطنا. تلك الادعاءات التي أُطلقها وزير الدفاع ورئيس الوزراء كانت كلها في تناقُض صارخ مع التقديرات الإسرائيلية.

وجّه الواقع صفعة إلى وجه الدعاية. أول شخص تم استهدافه بالقصف في الدوحة كان خليل الحية، القائد البارز خارج غزة، ومن الذين وقّعوا الصفقة وأقنع الحداد. في الواقع، الصفقة بحد ذاتها دحضت في لحظة كل الخطب والتوجيهات التي جاءت من اليمين: الضغط العسكري وحده سيجلب الأسرى؛ النصر الكامل سيحقّق التحرير؛ وفي أي حال، لن تُفرج “حماس” عن كل الرهائن أحياء.

يزرعون أوهاماً، وسيحصدون الدمار

أرسل نتنياهو موفده الأكثر ولاءً، الوزير رون ديرمر، إلى شرم الشيخ لتوقيع الاتفاق. رون ديرمر وقّع الأربعاء الماضي اتفاقاً ينص على هذا بالضبط: انسحاب الجيش الإسرائيلي من معظم أراضي القطاع، من دون ترتيبات أمنية مستمرة، على الأقل الآن. المشكلة ليست فقط في التنازل عمّا كان يُعرّف بأنه مصلحة أمنية عليا، لكن المشكلة في أن الحكومة، بزعامة نتنياهو وديرمر، تدّعي الآن أن الاتفاق يشمل كل ما طالبت به دائماً: تفكيك “حماس”، وترحيل قيادتها، وتأليف حكومة بديلة. إنها تبيع الجمهور اتفاقاً غير موجود.

“المشكلة كلها هي أن هذا يخلق توقعات،” يقول مصدر أمني كبير: “في الأسابيع القادمة، ستخف الحماسة بعودة الرهائن، وستُظهِر الصور في التلفزيون أن حماس تسيطر بقوة في غزة. والحقيقة أن لا شيء يحدث – لا ترحيل، ولا نزع سلاح، ولا حكومة بديلة من دون السلطة الفلسطينية، وبين الوهم الذي روّجوه وبين الواقع، سيكون هناك خيبة أمل كبيرة. وسيُطرح السؤال: ما الذي فاتنا في هذه الحرب حتى عدنا إلى نقطة البداية؟” ويُحذّر المصدر من أن غضباً من هذا النوع “قد يؤدي إلى كارثة”. وبادّعائهم أن الاتفاق يتضمن ما لا يتضمّنه – نزع السلاح، الترحيل، حكومة بديلة – يزرع نتنياهو وكاتس وأعوانهم بذور الحرب القادمة. لأنه في أغلب الأحيان، عندما تتكشف الفجوة بين الظاهر وبين الواقع، فإن إعادة إشعال النار هي السبيل الوحيد للتهرب من المسؤولية. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "فورين بوليسي": "داعش" يُطل من سوريا بعد انسحاب أميركا!