قصة تلك الرسالة المشؤومة التي أرسلها السادات صباح يوم 7 تشرين الأول/ اكتوبر عام 1973 (بعد مرور 14 ساعة على بدء الحرب) عبر “القناة السرية” إلى الديبلوماسي الأميركي الشهير هنري كيسينجر، كان لها ما لها من آثار مدمرة، لعل أخطرها قرار التحول من الصراع إلى التسوية، غداة تلك الحرب، وكانت الترجمة بفتح قناة اتصال سرية بين أنور السادات وجولدا مائير .. وهذا حصل منذ الكيلو101 في تشرين الثاني/نوفمبر 73. لاحقاً، تم تتويج هذا المسار بزيارة السادات لإسرائيل(تشرين الثاني/ نوفمبر1977)، وعقده إتفاقيات كامب دايفيد التي أخرجت مصر من قضية فلسطين وأبعدت فلسطين عن أولويات مصر.
وتتعدد الروايات حول “قناة الإتصال المصرية السرية مع إسرائيل عبر السفارة الأميركية في القاهرة” التي يطلق عليها البعض مسمى “عملية الدكتور عصفور”، فيما يقول آخرون أن “عملية عصفور” لم تكن قناة إتصال بل عملية تجسست خلالها المخابرات العامة المصرية على السفارة الأميركية بالقاهرة منذ العام 1968 ولغاية 1971 ولم يعلم بها أنور السادات إلا صيف 71 وتوقفت إثر ذلك.
في كتابه بعنوان “السادات وإسرائيل – صراع الأساطير والأوهام” ( 576 صفحة – صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت) يستخدم المؤلف الدكتور مجدي حمّاد غربالاً ذي ثقوب ضيقة، ليلتقط عصارة مذكرات القادة العسكريين ممن خاضوا حرب العام 1973 من مصريين وإسرائييليين ومثلهم من القادة السياسيين المواكبين من الطرفين، أو ممَن كانوا في قلب الحدث، وعلى مشارفه، وفي كواليسه.
ثمة تساؤل يوازي ما يثيره أنور السادات فينا من غضبٍ، يتعلق بإصرار شعراوي جمعة (الرجل الثاني في مصر أيام الرئيس المصري جمال عبد الناصر) على قراره بدعم إختيار السادات رئيساً للجمهورية بعد وفاة عبد الناصر – برغم إعتراض من سألهم عن هذا “المقلبنجي” – بقوله لهم “خلاص، سبق السيف العزل” (ص 63). يبقى السؤال الكبير والخطير: “لماذا قرر السادات إبلاغ إسرائيل بموعد إنطلاق الحرب”(ص 264)؟، في حين يروي آخرون أن السادات لم يبلغ إسرائيل بقراره بشن الحرب وتوقيتها، وأن من أبلغها هو الجاسوس أشرف مروان (صهر الرئيس جمال عبد الناصر) قبل 40 ساعة من شنها.. وهو بلّغ عن موعد الساعة 6 غروباً لأنه لم يعلم عن التعديل الذي أجراه احمد اسماعيل علي (وزير الحربية الذي أقصاه عبد الناصر وأعاده السادات) يوم 3 تشرين الأول/اكتوبر، بالاتفاق مع القيادة السورية.
أما مصدر “النبأ الذهبي” الذي تم نقَلَهُ إلى مسؤول “الموساد” في القاهرة، فتعدد الروايات بشأنه، بين قائل إنه اشرف مروان أو أنه جاسوس مصري اّخر أهم من مروان؛ وهو من بلّغ يوم 12 تشرين الأول/اكتوبر عن التقدم الى المضائق.
*******
يوثِّق مجدي حماد في الفصل الرابع من كتابه الجديد حول أنور السادات وإسرائيل، مجريات “حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973″، حتى يكاد هذا الفصل، بما تضمنه من معلومات وتفاصيل سياسية وعسكرية، يختصر الكتاب على أهميته، ومنها حصيلة اللقاءات السرية التي عقدها مستشار السادات لشؤون الأمن القومي حافظ اسماعيل مع مستشار الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون لشؤون الأمن القومي، هنري كيسنجر؛ إتفاق السادات مع الرئيس السوري حافظ الأسد قبل بدء الحرب على أن خطة الجيش المصري (“الخطة جرانيت”)، المصدقة من جمال عبد الناصر والتي حددت الهدف النهائي للحرب وإطلاع حليفهما الاتحاد السوفياتي عليها؛ الرسالة المشؤومة وفيها “اننا لا نعتزم تعميق مدى الإشتباكات أو توسيع نطاق المواجهة”.
يقارب المؤلف الكثير من خطوات السادات غير المفهومة ومنها لغز إصراره على عدم ضرب مطار العريش الذي إستقبل الجسر الجوي الاميركي لنجدة إسرائيل بالرغم من إمكانية ذلك، وكذلك إقدامه على إهداء أسلحة سوفياتية متقدمة للأميركيين بعد إنتهاء الحرب، وتهمة إضعاف الجبهة السورية (مذكرات الشاذلي)، وعدم إتخاذ القرار في الوقت المناسب وعدم تصفية ثغرة الدفرسوار، والقبول بوقف إطلاق النار والذي لم تكن سوريا تعرف به “لأنه بحسب قول السادات سيعرفون من الاتحاد السوفياتي”(ص 323)، واللقاء العاصف بين السادات والسفير السوفياتي فينوغرادوف، وإجهاض السادات قرار حظر النفط، وصولاً إلى قرار فك الاشتباك “الواقعة التي أبكت الجمسي”، ودفعت باللواء الشاذلي إلى رفع صحيفة إتهام جنائية في حق السادات باتهامه بالخيانة العظمى.
إشارة وإقتباس
أما الإشارة، فتتمثل في ما ذكره مجدي حماد من أن صبر رئيس وزراء الإتحاد السوفياتي ألكسي كوسيغين نفذ خلال حديثه مع أنور السادات الذي حاول إلقاء اللوم على تقصير الاتحاد السوفياتي بإمداد مصر بالسلاح، وقال له:”قدمنا إليكم ما طلبتموه منا، وحتى هذه اللحظة (يوم 17 تشرين الأول /أكتوبر) فإن الجسر الجوي السوفياتي نقل إلى مصر أكثر من ستة آلاف طن من المعدات، وحاربتم بالمعدات المصرية في الأيام الأولى من القتال بطريقة أثبتت كفايتها وكفاءتها، وبعد ذلك فإن إدارة المعركة كانت في أياديكم ونحن لم نقترب منها، مع أنه كانت لنا ملاحظات على الطريقة التي دخلتم بها المعركة، وحققتم انتصاراً مبدئياً شهد به العالم، ثم توقفتم بعد ذلك من دون سبب مفهوم”. وتابع كوسيغين: “تركتم حلفاءكم على الجبهة الشمالية (سوريا) حتى يضربهم العدو ثم يتحول إليكم” (ص 337-338).
أما سعد الدين الشاذلي، فيذكر “.. فيما عدا القوات الجوية، فلقد كان لدينا قبل حرب أكتوبر أسلحة ومعدات سوفياتية لا تقلّ كثيراً عمّا تملكه إسرائيل. وعندما إندلعت الحرب، أقام الاتحاد السوفياتي جسراً جوياً وبحرياً نقل خلاله 78 ألف طن إلى مصر وسورية، وأقامت أميركا جسراً جوياً وبحرياً نقلت خلاله 61105 أطنان إلى إسرائيل” (ص 82).
والإقتباس هو الآتي: يذكر أليكسي فاسيليف في كتابه “الملك فيصل – شخصيته وعصره وإيمانه” (638 صفحة – دار الساقي) الآتي: “صار السادات يميل إلى فكرة الصفقة الانفرادية قبل الحرب العربية – الإسرائيلية في 1973، إلا أن الرئيس المصري أبقى تلك الفكرة طيّ الكتمان فأخفاها عن الحليفة المباشرة سورية وعن المملكة العربية السعودية”(ص463 من الكتاب).. و”أبلغ السادات الملك فيصل أن الحرب هي المخرج الوحيد من الطريق المسدود، فوافق العاهل السعودي على هذا الرأي”.. “كان الملك على علم بقرار أنور السادات وحافظ الأسد ببدء الحرب ضد إسرائيل في الأشهر القريبة المقبلة”.. بعد لقاء سري في الرياض، كتب السادات: “قال فيصل عندي رجاء واحد، إذا كنت ستشن الحرب لا توقفها بعد بضع ساعات أو أيام. فلتكن معركة طويلة”(480).
******
هكذا، تمكنت إسرائيل من تركيز مجهودها العسكري على الجبهة السورية حتى ردت القوات المسلحة السورية عن المناطق التي كانت قد نجحت في تحريرها في الأيام الأولى للحرب، ثم إستدارت إلى الجبهة المصرية لتحدث “الثغرة” الشهيرة في منطقة الدفرسوار وتحاصر الجيش المصري الثالث ومدينة السويس (ص 250) وعنها قال الجمسي: إن النتيجة المباشرة لهذه “الوقفة التعبوية” (في العلوم العسكرية تعني التوقف المؤقت للقتال على أن يستأنف في توقيتات ملائمة، لكن السادات طلب صبيحة 8 تشرين الاول /أكتوبر تأجيل تطوير المرحلة الثانية من الهجوم المصري بعد نجاحه) هي تركيز إسرائيل مجهودها الحربي ضد الجبهة السورية، حيث حققت نجاحاً هناك. (ص 290-291).
وهكذا إنتقل الصراع من “حال اللاسلم واللاحرب التي سادت من عام 1967 الى عام 1973 إلى “حال اللانصر واللاهزيمة”، بمعنى أن العرب لم يحققوا نصراً حاسماً لكنهم لم يعودوا منهزمين من ناحية، وأن إسرائيل لم تنزل بها هزيمة ساحقة لكنها لم تعد منتصرة من ناحية أخرى. هذه المعادلة الجديدة التي تمخضت عنها الحرب هي التي هيأت الأرضية لتدخل كيسنجر. (ص 251-252).
تركة جمال عبد الناصر
يدعّي أنور السادات (الفصل الأول من الكتاب) أن جمال عبد الناصر ترك له تركة مثقلة “فأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية في غاية السوء وكل مرافق البلد منهارة، ولن تستطيع مصر أن تخرج من أحوالها المتردية إلا إذا حصلت على السلام، وكرّست كل مواردها للتنمية، وعندئذ ستكون مصر في مركز أقوى لمساعدة الفلسطينيين في حل مشكلتهم” (ص 17)، لكن حماد يقدم من التحليل والأدلة ما يدحض هذه المقولة – “التركة” بمحاججته لثلاثة عناصر في سياسة جمال عبد الناصر:
أولاً، الموقف الأيديولوجي والسياسي:
وقد نجم عن مشاركة عبد الناصر في حرب فلسطين عام 1948، وترسخ في إدراكه عقب إنتهاء هذه الجولة الأولى من الصراع أن المعركة الحقيقية مع إسرائيل لابد أن تبدأ بتغيير نظام الحكم في القاهرة (إنهاء عهد الملك فاروق)، وأن المؤسسة العسكرية في إسرائيل والمُشَكّلة أصلاً من عناصر العصابات الصهيونية الإرهابية التي تَكوّنَ فيها فكرا وتنظيما “جيش الدفاع الإسرائيلي”، تعتمد أساساً في فكرها وخططها وتصرفاتها على القوة والإرهاب والعنف مع العرب من أجل إنشاء الوطن القومي اليهودي الإسرائيلي على حسابهم، بل إعتبر إسرائيل العدو الأول للعرب (ص 18-19).
وخلص عبد الناصر إلى توجهات أساسية: أولها، أن أعداء الثورة والأمة يتمثلون في حلف ثلاثي: الإستعمار وإسرائيل والرجعية العربية، وثانيها، أن الولايات المتحدة التي تقود هذا التحالف هي العدو الاساسي للامة العربية (ص 20). وبقي إلى حين رحيله يرفض الحلول الجزئية للصراع العربي-الإسرائيلي (ص23)، و”أن دور مصر العربي هو قدرها”(ص 36)، وأن الفيصل في كل معارك التاريخ: إنتصار أم انكسار الإرادة؟ (ص 26)، فأسس لحرب الاستنزاف، ووضع خطة “الجرانيت” التي حققت نصراً في حرب 73 سرعان ما أضاعه السادات. فمن هو السادات؟
إن حياة أنور السادات في بيت والده كانت قاسيه للغاية، فقد كان يضم ثلاث زوجات وكانت والدته هي الزوجة الأولى لكنها الأخيرة في المعاملة من والده ومن أهل البيت جميعاً إلى حد “العبودية” بالمعنى الحرفي للكلمة بعد أن كانت أسرتها قد تحررت من “العبودية ” بالمعنى الرسمي، ما جعله غير قادر على الشعور بالانتماء الى أي مكان. كان تواقاً الى عطف الناس وإلى فهمهم وكان مستعداً لأي شيء في سبيل الحصول على قبولهم ورضاهم. إن “السادات الهارب” أصبح “السادات الحالم” و”السادات الحالم” تحوّل إلى “السادات الممثل” (ص 86).
لقد قرر السادات إنتهاج استراتيجية المصالحة. ويوضح الفريق أول محمد فوزي أبعاد ذلك التحوُّل ومغزاه في مذكراته بعنوان “استراتيجية المصالحة”، وكما صرح السادات ذاته للكاتب احمد بهاء الدين بأنه “ينوي فك الاشتباك مع الولايات المتحدة، ومن أجل ذلك، أسقط خيار التسوية الشاملة”(ص 51). ويركز حماد على تحليل “شخصية السادات” منذ صعوده إلى السلطة في مصر عام 1970 إلى هبوطه في مطار “اللد” الاسرائيلي عام 1977، ويحتل الانقلاب الذي قاده على “المجموعة الناصرية” في أيار/مايو عام 1971 والذي يعتبره المرحلة الأولى من الإنقلاب على مشروع جمال عبد الناصر برمتّه أهمية خاصة في هذا السياق، “فقد قال السادات وكتب الكثير عن ثورة يوليو 1952، وبالغ بالإشادة والمديح بخطها، ثم جاءت مرحلة ما بعد أحداث أيار/ مايو عام 1971 فإنقلب موقف السادات من النقيض إلى النقيض (ص 54). وهذا يفسر إقدام السادات على سحب كل ما كتبه وما نشره في السابق فأمر بعد وصوله إلى السلطة بسحب كل كتبه من الأسواق والمكتبات وهي “ثلاثون شهراً في السجن”، “ثورة على النيل أو قصة الثورة كاملة”، “صفحات مجهولة”، و”يا ولدي هذا عمك جمال”(ص 55).
آراء عديدة يقتبسها المؤلف مما قيل في السادات، لا سيما لجهة إزدواجية سلوكه السياسي ومنها ما قاله مراد غالب وزير خارجية مصر الأسبق وسفير مصر لسنوات في موسكو عن كراهيته للاتحاد السوفياتي و”لكنه كان بارعاً في التمويه وإخفاء حقيقة مشاعره”، “فالسادات كان قد دخل عالم العمل السري فلجأ إلى التمويه والمغامرة وتدبير المؤامرات… بهذه الصفات استطاع دائماً أن يفاجئ أعداءه بحركة غير متوقعة أو محسوبة (ص 59)، الأمر المشابه لما ذكره إسماعيل فهمي وزير الخارجية بعد حرب 73 في كتاب مذكراته بعنوان “التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط” عن “أحلامه بالعظمة” وعن أنه كان “تواقاً لأن يوقِّع أية أوراق مع الأميركيين ففقد أهم أوراقه.. وأضعف من مقدرة سورية على المساومة في مرحلة لاحقة حول مشكلات أكثر تعقيداً وأهمية”(ص 70). ناهيك عن وصف كيسنجر لغولدا مائير(رئيسة وزراء إسرائيل في حرب 73) من أن “السادات، في ما يبدو لي، وقع ضحية الضعف الإنساني. إنه يتصرف بسيكولوجية سياسي يريد أن يرى نفسه وبسرعة راكباً في سيارة مكشوفة داخلاً في موكب منتصر إلى شوارع السويس، بينما آلاف من المصريين على الجانبين يصفقون له كمنتصر ويهللون” (ص 60-61).
ثانيا، رؤية الآخرين:
وعن رؤية الآخرين للسادات، يعتمد مجدي حماد على شهادات مجموعة معينة من الشخصيات المصرية لما “لروايتها من درجة عالية من الصدقية”، فيذكر أربعة أشخاص هم: شعراوي جمعة، محمد حسنين هيكل، سعد الدين الشاذلى واسماعيل فهمي.
يقول شعراوي جمعة “أريد أن أؤكد أن الرئيس السادات كان يبدو في خطاباته متشدداً جداً ومنحازاً لأقصى حد إلى فكرة حتمية الحل العسكري، كنه على ما تبدى منه فيما بعد كان يدبر في الخفاء عكس ما يظهر لنا ويبطن خلاف ما يعلنه في خطاباته الجماهيرية”، كما أن السادات ألغى قرار جمال عبد الناصر السابق في شأن تسجيل كل المكالمات الهاتفية للرئيس، لذا لا توجد وثائق أو تسجيلات لأخطر القرارات والاجتماعات التي قام بها خلال فترة حكمه، وأفضل دليل على ذلك هو اجتماعه المنفرد مع وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر يوم 7 تشرين الثاني /نوفمبر عام 1973، في أول زيارة له إلى مصر بعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار في حرب عام 1973. فما دار خلال هذا الاجتماع الخطير لم يسجله أحد غير كيسنجر في مذكراته (ص 64)، وما فعله صباح يوم 7 تشرين الأول/ اكتوبر 1973 متمثلاً بتلك “الرسالة المشؤومة ” التي أرسلها عبر القناة السرية إلى كيسنجر في شأن نياته القادمة (ص 67). أو من خلال ما أفرجت عنه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2013 عن 250 وثيقة سرية في 1400 صفحة تتعلق باتفاقيات كامب دايفيد التي شارك فيها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عام 1978 مع قادة مصر وإسرائيل، وتشير إحدى تلك الوثائق التي ترجع لعام 1979 إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية “إستخدمت وسائل مراقبة وتنصت على كل من السادات ومناحيم بيغين(رئيس الوزراء الإسرائيلي)”، وقد وصفت التقارير شخصية السادات بأنه “كان يريد بشدة أن يظهر كصانع سلام، وأنه كان له شغف كبير بالظهور والشهرة” (ص 69).
أما شهادة الفريق سعد الدين الشاذلي في كتابه بعنوان: “حرب اكتوبر: مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلى”، فتتضمن إشارة “إلى أن إحدى خصائص شخصية السادات هي الكذب”، ويروي كيف “مارس السادات الكذب على القيادة السورية من قبل أن تبدأ الحرب عام 1973 ثم في أثنائها”(ص 76)، كما يروي الشاذلي علاقة التقارب المصري – الاميركي الذي أدّت السعودية دوراً بارزاً فيه، بهاجس القضاء على الوجود السوفياتي في مصر، بوصفه من “أهم أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة”(ص 72-73)، متوقفاً عند دور وزير الدفاع السعودي يومها الأمير سلطان، وكمال أدهم مدير المخابرات السعودية إذ “تكشّف لاحقاً أن أدهم كان يشغل مهمة “المنسق الإقليمي في الإستخبارات المركزية الأميركية في الشرق الاوسط”، مع وثيقة جرى نشرها بعد اقتحام السفارة الأمريكية في إيران عام 1979 توضح أن الاستخبارات المركزية الأميركية قد أنشأت مركزاً لها في القاهرة لمكافحة الشيوعية تحت رعاية كمال أدهم وكان يعاونه من مصر حسن التهامي”(ص72-73).
للتذكير، فقد كتب اللواء الجمسي في مذكراته “أن إسرائيل خططت للحرب مع مصر قبل نشوب حرب تشرين الأول/اكتوبر 1973؛ ففي الوقت الذي كنا نخطط فيه لتحرير أراضينا كانت إسرائيل تخطط لإحتلال مزيد من الأراضي؛ فقد وضع دايان وزير الدفاع الإسرائيلي في اوائل عام 1973 خطة عسكرية، وكان تحقيقها يحتاج إلى عوامل اهمها: اولاً: ضم جنوب لبنان إلى إسرائيل؛ ثانياً، ضم أجزاء أخرى من سوريا؛ ثالثاً، إنشاء خط محصن يشبه خط بارليف في غور الأردن لحماية المستعمرات، ورابعاً، تحويل سيناء إلى مركز تجارب للمفاعلات الذرية” (ص 244).
(*) صحافية لبنانية