خرج الدخان الأبيض من القصر الجمهوري اللبناني هذه الليلة، مع إعلان مراسيم تأليف حكومة حسان دياب المؤلفة من 20 وزيراً جميعهم من فئة التكنوقراط (أصحاب الإختصاص)، ولكن تمت تسمية معظمهم من قبل أحزاب قوى الثامن من آذار/مارس، بالإضافة إلى رئيسي الجمهورية والحكومة. ويمكن القول أيضاً أن هذه أول حكومة تكنوقراط في مرحلة ما بعد ولادة إتفاق الطائف في العام 1989، ذلك أن الدستور اللبناني الجديد جعل مجلس الوزراء مجتمعاً، أي برئيسه وبالوزراء، سلطة سياسية مكتملة المواصفات، بعدما كانت السلطة مناطة قبل الطائف برئيس الجمهورية.
هذه الحكومة هي الثالثة في عهد ميشال عون، بعد حكومتين ترأسهما سعد الحريري، إلى أن قدم إستقالته بعد 12 يوماً من السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، تاريخ الإنتفاضة الشعبية اللبنانية المستمرة، والتي تدخل يومها المئة بعد أربعة أيام (25 كانون الثاني/يناير 2020).
وجاء تشكيل الحكومة ضمن المهلة التي كان دياب قد قطعها على نفسه (بين شهر وستة أسابيع)، ولكن الولادة كانت قيصرية، مع أنها “حكومة اللون الواحد”، إذ سبقتها تجاذبات ضمن الفريق الواحد، تمحورت حول الحصص والأسماء والحقائب والثلث المعطل، وبلغت الأمور ذروتها في الساعات الأخيرة، مع المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس تيار المردة الزعيم الماروني الشمالي سليمان فرنجية الذي أعلن رفضه الخضوع للإبتزاز السياسي من قبل حلفائه، مبدياً تمسكه بالحصول على مقعدين وحقيبتين وزاريتين، وكذلك الأمر مع حلفاء حزب الله الآخرين ولا سيما رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال إرسلان الذي نال أغلبية الحصة الدرزية، فيما خرج الحزب السوري القومي الإجتماعي نهائيا.
ويمكن القول أن العقدة التي حالت دون تأليف حكومة من 18 وزيراً، تلاشت بمجرد زيادة مقعدين وزاريين، إذ أن التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية حصلا على الثلث المعطل الذي كان يتمسك به رئيس التيار جبران باسيل الذي خرج من الوزارة، بعد 12 سنة من تنقله بين حقائب الإتصالات والطاقة والخارجية. كما خرج من الوزارة محمد فنيش الذي شغل مناصب وزارية متتالية منذ العام 2005 حتى 2020. كما خرج الوزير علي حسن خليل الذي شغل مناصب وزارية متتالية منذ العام 2011 حتى الآن.
وقد تألفت الحكومة من الوزراء الآتية أسماؤهم:
من الطوائف الإسلامية:
سنة: حسان دياب (رئيس الحكومة، بيروتي وفق سجل نفوسه)؛ طارق المجذوب (وزير التربية، صيداوي وهو أستاذ جامعي في القانون وغير محسوب على أية جهة سياسية أو حزبية)؛ محمد فهمي (وزير الداخلية، بيروتي وهو ضابط سابق في الجيش اللبناني وليس محسوباً على أية جهة سياسية أو حزبية)؛ طلال حواط (وزير الإتصالات، طرابلسي، غير محسوب على أية جهة سياسية أو حزبية).
شيعة: غازي وزني (وزير المال، جنوبي من بلدة تبنين مسقط رأس رئيس مجلس النواب، وهو خبير إقتصادي ومالي ومستشار في مجلس النواب اللبناني)؛ حمد علي حسن (وزير الصحة، طبيب من مدينة بعلبك البقاعية ورئيس بلدية سابق، ومقرب من حزب الله)؛ عماد حب الله (وزير الصناعة، من الجنوب اللبناني، خبير في قطاع الإتصالات، مقرب من حزب الله)، عباس مرتضى (وزير الثقافة والزراعة، من البقاع، تاجر ورجل أعمال، مقرب من حركة أمل).
دروز: رمزي مشرفية (وزير الشؤون الإجتماعية والسياحة، من جبل لبنان الجنوبي، قضاء عاليه، طبيب محسوب على طلال ارسلان)؛ منال عبد الصمد (وزيرة الإعلام، من عماطور الشوف، جبل لبنان، مستقلة ومسؤولة في دائرة القيمة المضافة وحائزة على دكتوراه في القانون الدولي)..
من الطوائف المسيحية:
موارنة: ناصيف حتي (وزير الخارجية، من الكورة في شمال لبنان، ديبلوماسي سابق وأكاديمي ومقرب من باسيل حالياً، وكان أقرب إلى قوى 14 آذار/مارس سابقاً)؛ ماري كلود نجم (وزيرة العدل، من البترون في شمال لبنان، قاضية سابقة ومحسوبة على ميشال عون)؛ دميانوس قطار (وزير البيئة والتنمية الإدارية من جزين في جنوب لبنان، مستقل ومحسوب على حسان دياب، أكاديمي ويدير محفظة مالية في قطر)؛ لميا يمين دويهي ( وزيرة العمل، من زغرتا في شمال لبنان، أكاديمية وإختصاصية في ترميم الآثار ومحسوبة على سليمان فرنجية).
أرثوذكس: زينة عكر عدرا (نائبة رئيس الحكومة ووزيرة الدفاع، من الكورة في شمال لبنان، مديرة شركة الدولية للمعلومات ومحسوبة على رئيس الجمهورية)؛ ريمون غجر (وزير الطاقة، من الكورة في شمال لبنان، مستشار في وزارة الطاقة ومحسوب على باسيل)؛ ميشال نجار (وزير الأشغال، من الكورة في شمال لبنان، وهو مقرب من فرنجية وعلى صلة جيدة بنائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري المحسوب على تيار المستقبل).
كاثوليك: راؤول نعمة (وزير الإقتصاد، مصرفي، العقل المخطط للمصرفي موريس صحناوي، من الأشرفية في بيروت ومحسوب على جبران باسيل وعلاء خواجة)؛ غادة شريم (وزيرة المهجرين، من زحلة في البقاع، محسوبة على رئيس الجمهورية).
أرمن: فارني أوهانيان (وزيرة الشباب والرياضة، من برج حمود في جبل لبنان، مرشدة إجتماعية وأستاذة جامعية، محسوبة على حزب الطاشناق حليف جبران باسيل).
نال الشمال الحصة الأكبر، أي سبعة وزراء بينهم أربعة من قضاء الكورة، فيما نالت بيروت ثلاثة بينهم رئيس الحكومة. ونال الجنوب أربعة وزراء، ونال البقاع ثلاثة وزراء. ونال جبل لبنان ثلاثة وزراء
يذكر أنها المرة الأولى في تاريخ لبنان، تضم حكومة ست سيدات، فضلا عن عدد كبير من الأساتذة الجامعيين وطبيبين وضابط واحد. ونال الشمال الحصة الأكبر، أي سبعة وزراء بينهم أربعة من قضاء الكورة، فيما نالت بيروت ثلاثة بينهم رئيس الحكومة. ونال الجنوب حصة من أربعة وزراء، ونال البقاع حصة من ثلاثة وزراء. وجبل لبنان حصة من ثلاثة وزراء.
ماذا بعد تأليف الحكومة؟
من المفترض مراقبة ردود الفعل:
أولا، ردة فعل الحراك الشعبي، وقد بدأت تباشيرها تظهر في شوارع العاصمة ومعظم المناطق اللبنانية، حتى قبل صدور مراسيم تشكيل الحكومة، وهذا مؤشر ليس لمصلحة الحكومة الجديدة، خصوصا في ضوء ما رافق تأليفها من محاولة لتناتش الحصص وبطريقة لا تليق بأي مسؤول في دولة مأزومة وإقتصادها منهار.
ثانيا، ردة فعل الأسواق المالية والنقدية، في الداخل والخارج، ولا سيما ما يتعلق بسعر صرف الليرة اللبنانية، بعدما كان قد بلغ سقوفا غير مسبوقة منذ 27 سنة، فضلا عن أسعار السندات اللبنانية في الأسواق الخارجية، وهذه الأخيرة مهمة للغاية، وذلك على مسافة أكثر من شهر من موعد أول إستحقاق مالي سيواجه الحكومة التي عليها أن تتخذ قراراً حاسماً حول كيفية تمويل سنداتها المستحقة في 2020، في ظل ثلاثة خيارات هي الآتية: أـ التخلّف عن السداد والخروج التام من الاسواق المالية العالمية. ب ـ مقايضة السندات بأخرى ذات آجال أطول في حال وافق المقرضون في الداخل والخارج، وتحمّل المزيد من خفض التصنيف السيادي للبنان (CD او D). ج ـ الاتفاق مع مصرف لبنان على دفع الاستحقاقات مجدّداً، واستنزاف احتياطه من العملات الاجنبية الآخذة في التراجع.
الجدير ذكره أن سندات اليوروبندز المستحقة للبنان في 2020 تبلغ 2.5 مليار دولار موزعة كالآتي: 752 مليون دولار لمصارف في الخارج، ومليار و748 مليون دولار للمصارف اللبنانية.
ثالثا، ردود الفعل السياسية المحلية، وتحديداً من جانب رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورؤساء الحكومات السابقين، وكيفية ترجمتها على الأرض.
رابعاً، ردة فعل دار الفتوى (مرجعية المسلمين السنة في لبنان) والتي ستترجم إما برفض إستقبال حسان دياب أو بإستقباله، وذلك بعدما أقفلت الأبواب بوجهه منذ شهر حتى الآن، بتعليمات من الحريري.
خامسا، ردود الفعل الدولية، وتحديدا الأميركية والأوروبية والروسية، والتي ستعطي إشارات واضحة بشأن وجود فرصة لمساعدة لبنان إقتصادياً ومالياً ولعل البداية من تعويم “سيدر”.
سادساً، ردود الفعل العربية وتحديدا الخليجية، والتي ستكون مبنية على الموقف الأميركي بالدرجة الأولى، ويمكن تلمس نتائجها سريعاً، وخصوصا من جانب بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
سابعاً، مناخ الثقة الذي ستكرسه ولادة الحكومة والذي سينعكس على المسار المتبقي، من إقرار البيان الوزاري إلى نيل الثقة في مجلس النواب، وصولاً إلى إطلاق ورشة عمل إقتصادية ومالية في وقت قياسي.