كان رئيس حزب الكتائب، الشيخ بيار الجميل هو الرئيس الفعلي للجمهورية في عهد الرئيس شارل حلو، وهذا يعني ان الرئيس الشرعي لا يتخذ قراراً يتعلق بمنظومة الأمن القومي للبنان من دون نيله غطاء الرئيس الفعلي.
وقّع قائد الجيش اللبناني الجنرال إميل البستاني اتفاقا مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات (أبو عمار) في القاهرة، برعاية الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في ٣ تشرين الثاني/نوفمبر 1969، عُرِفَ منذ ذلك الوقت بـ”اتفاق القاهرة”.
ثار المسيحيون على اتفاق إعتبروا أنه “لزّم” أرضاً لبنانيةً في جنوبه الشرقي (العرقوب) الى الفدائيين الفلسطينيين. سارع المسلمون التقليديون إلى تأييد ذلك الاتفاق من دون أية حماسة له، وفي المقابل، دعمته بقوة احزاب اليسار اللبناني وكل مؤيدي العمل الفلسطيني المسلح من الأحزاب والشخصيات اللبنانية.
وبينما بقي رشيد كرامي بصفته رئيس حكومة تصريف الأعمال وأيضاً المكلف بتشكيل حكومة جديدة، معتكفًا وغائبًا عن الساحة السياسية لبعض الوقت، إحتار الرئيس شارل حلو، الذي لم يعجبه الاتفاق، ماذا يفعل في تلك اللحظة السياسية المفصلية؟
المعادلة واضحة: إذا رفض شارل حلو الاتفاق بين الجيش والفلسطينيين قد يؤدي ذلك إلى حالة من الفوضى، ذلك ان المخيمات الفلسطينية المسلحة ستستمر بالقيام بأعمال “الشغب”، ومن ثم قد تندلع اشتباكات بين المسلحين الفلسطينيين وأهالي المناطق التي تقع فيها تلك المخيمات، بالإضافة الى الاستمرار غير المنظم للعمليات الفدائية ضد اسرائيل. ومن ناحية أخرى، إذا وافق حلو على الاتفاق، “تقوم الدنيا ولا تقعد”، في الأوساط المسيحية، فما العمل؟
استدعى شارل حلو الشيخ بيار وناقشا مطولاً “اتفاق القاهرة”، وتوصلا الى قناعة مشتركة مفادها بأن إلغاء الإتفاق أسوأ من القبول به. وكما كان يردد الرئيس حلو: الخيارات التي يواجهها الرئيس في لبنان هي دائماً بين السيء والأسوأ. وقتذاك، وافق الرئيس السابق كميل شمعون على الخيار السيء، أي القبول بالاتفاق.
من حسن حظ الشيخ بيار ان سوء التصرف الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية الواقعة في المناطق المسيحية، غداة إتفاق القاهرة، أعاد للكتائب قاعدتها، التي اعتبرت ان ما قام به الشيخ بيار كان مجرد شراء للوقت
كنتُ آنذاك طالبا في قسم الدراسات العليا في الجامعة الاميركية في بيروت، وكنت مسؤولا كتائبيًا وركناً رئيسياً في “الجبهة اللبنانية” في الجامعة، او ضمن الصف المسيحي الجامعي. أحدث موقف الشيخ بيار صدمة في القيادة السياسية الكتائبية ولا سيما الطلابية منها. بدوره، وجّه الشارع المسيحي إنتقادات لاذعة لحزب الكتائب واتهامات للشيخ بيار بخيانة “القضية اللبنانية”.
بطبيعة الحال، تلقيت تحية طيبة من رموز اليسار في الجامعة الأميركية وعلى رأس هؤلاء الصديق معن بشور. كان ذلك حال كل المسؤولين الكتائبيين في الجامعات والمناطق اللبنانية. لقد كان من الصعب علينا أن ندافع عن موقف الشيخ بيار، أو ما كان يسميه “موقف أهون الشرور”، لا سيما ونحن نعرف جيدا انه لم يكن مقتنعاً فعلياً بالاتفاق.
ومن حسن حظ الشيخ بيار ان سوء التصرف الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية الواقعة في المناطق المسيحية، غداة إتفاق القاهرة، أعاد للكتائب قاعدتها، التي اعتبرت ان ما قام به الشيخ بيار كان مجرد شراء للوقت، لا أكثر ولا أقل.
إستعدت هذه الحكاية بينما كنت أقرأ خطاب السيد حسن نصرالله، الذي نفى فيه نفياً قاطعاً علمه المسبق، او علم ايّ مسؤول في حزب الله، بحكم البراءة الذي صدر عن المحكمة العسكرية في بيروت بحق عامر الفاخوري. حتماً، أقنع بكلامه معظم جمهوره ـ نواته الصلبة، لكن اللافت للإنتباه أن تشكيك بعض المؤيدين لم يختف عن وسائل التواصل الاجتماعي.
ثمة قناعة نظرية عند جمهور كبير، خارج بيئة حزب الله المباشرة، أن لا رئيس الجمهورية، ولا حكومة حسان دياب ولا مجلس النواب، ولا المحكمة العسكرية رئيساً وأعضاءً، يمكن ان يقدموا على تغطية هكذا قرار من دون موافقة الرئيس الفعلي للجمهورية، ايّ السيد حسن نصرالله، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وبغطاء من شريكه وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولمن يرغب أن يقارن بين رواية اليوم ورواية نهاية الستينيات، وأن يُسقط الشخصيات في مكانها المناسب، ولو أن الفارق هو خمسون سنة!
كانت الممارسات التي إستولدتها المخيمات كفيلة بجعل الشارع المسيحي ينسى “خطيئة” الشيخ بيار، فهل يمكن أن يأتي الفرج من اسرائيل بعد انتهاء عهد فيروس كورونا وذلك بان تقدم على عمل متهور ينسينا قضية عامر الفاخوري؟