يواجه سلطان عُمان الجديد عددا من التحديات الداخلية والخارجية. ومن أهم التحديات الداخلية ملف الإصلاح الاقتصادي بما يتضمنه من خلق وظائف جديدة للشباب وتنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي للسلطنة الذي لا يتجاوز سقف 4%. ذلك أن الاحتياطي النفطي العماني وفقًا لأحدث الدراسات لن يكفي السلطنة إلا لمدة 20 سنة تالية في أحسن التقديرات، بينما يكفي الغاز الطبيعي 35 سنة إذا لم يتم اكتشاف آبار جديدة. ومسألة الإصلاح الاقتصادي حتمية فمعدل البطالة بين فئة الشباب العماني تجاوزت 20% بسبب تناقض مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، في الوقت الذي يشكل فيه غير العمانيين حوالي 60% من إجمالي عدد اليد العاملة البالغة.
اقتصاد على شفا حفرة
من جهة أخرى، أثّر انخفاض أسعار البترول منذ 2014 بشكل سلبي على الاقتصاد العماني وتسبب في إحداث عجز في الموازنة العامة، والتي يتطلب توازنها أن يتجاوز سعر برميل النفط سقف 80 دولارا، على غرار بقية بلدان الخليج. فعلى سبيل المثال، أدى انخفاض الأسعار العالمية للنفط في عام 2016 إلى عجز في الموازنة العامة العمانية بحوالي 13.8 مليار دولار، أي حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وتفاقم الوضع منذ يناير/كانون الثاني 2018، حيث سيبلغ عجز الموازنة العامة في 2020 وفقا للميزانية التي أقرها السلطان الراحل قابوس نحو 2.5 مليار ريال (6.4 مليار دولار). كما بلغ الدين الحكومي الداخلي عام 2017 حوالي 46.9% من الناتج المحلي الإجمالي بينما شكل الدين الخارجي – المتكون في معظمه من قروض من الصين – 46.27 مليار دولار وهو ما يشكل عبئا على الدخل الوطني العماني وعلى الأجيال القادمة.
على الرغم من أن إجمالي الناتج المحلي للدولة منخفض (حوالي 72.64 مليار دولار) مقارنة بدول الخليج النفطية الأخرى، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد مرتفع (15.668 دولارا)، لكن معدل النمو السكاني لعمان مرتفع (حوالي 4.7%) ما قد يقضي على أي نمو اقتصادي محتمل إن لم يكن مرتبطا بإصلاح اقتصادي حقيقي. كما أن اقتصاديات مواجهة فيروس كورونا ستقضي على ما تبقي من الاحتياطي النقدي العماني مع ضرورة توفير المواد الغذائية ومواجهة البطالة في صفوف العمانيين وضخ أموال في البورصة لتعافي الاقتصاد الراكد بالأساس. وقد اتخذت السلطنة إجراءات تقشفية لمواجهة هذه الأزمة، خاصة فيما يتعلق برفع جزئي للدعم عن المشتقات البترولية، ما أدى إلى مظاهرات خاصة بين فئة الشباب، حرصت الدولة على التكتم عليها كما يجري الأمر عادة، إذ تتبع السلطنة سياسة إنكار منذ عقود.
وضع حد للحكم المطلق
التحدي الثاني الذي ينبغي على السلطان الجديد مواجهته هو ملف الإصلاح السياسي بما يتضمنه من منح الحريات العامة وفتح المجال العام أمام المجتمع العماني. فطبقًا لمؤشر حرية الصحافة لمؤسسة مراسلون بلا حدود لعام 2019 تحتل عمان المرتبة رقم 132 من مجموع 180 بلدا، إذ ليس هناك في عمان غير محطتين تلفزيونيتين تابعتين للتلفزيون العماني الرسمي، كما أن عدد الصحف لا يتجاوز الخمسة، وهي تعبر عن وجهة نظر حكومية رغم كونها صحفا خاصة. كما زادت السلطات العمانية من فرض رقابة صارمة على الصحف والمطبوعات والقبض على النشطاء السياسيين خصوصًا بعد أحداث “الربيع العربي” (التي قوبلت بالقمع الشديد من الجهات والأجهزة الأمنية المختصة)، كما لا يمكن معرفة عدد المعتقلين السياسيين. وفي يوليو/تموز 2010، تم تسليم عريضة موقعة من خمسين مواطنًا عمانيًا إلى السلطان قابوس تطالبه بـ”دستور تعاقدي”، وبالحقوق الأساسية وبمجلس تشريعي منتخب بالكامل، لكنه لم يستجب لهذه المطالب(…).
ربما المأمول أن تتحول السلطنة من دور الحد الأدنى في دبلوماسية الوساطة – أي توفير مكان هادئ للقوى المتصارعة للتفاوض – إلى تقديم مبادرات قابلة للتطبيق وعرضها للتفاوض على أسسها
إنشاء ملكية دستورية والسماح بإنشاء أحزاب سياسية، ووضع دستور حقيقي للبلاد بدلا من “النظام الأساسي”، والسماح بانتخابات حرية ونزيهة مطالب ملحّة، لا سيما مع اتساع القاعدة المتعلمة والتهديد الديموغرافي الناتج عن زيادة معدل الشباب في السلطنة (1.2 مليون شاب يتراوح عمرهم بين 18 و29 سنة، وهم يمثلون حوالي 46.7 من إجمالي العمانيين، وفقا لبيانات الإحصاءات الصَّادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات). فالإصلاحات السياسية التي أحدثها السلطان قابوس – كإصدار النظام الأساسي وهو بمثابة دستور وإنشاء مجلس سلطنة عمان وهو برلمان ذو غرفتين الأول هو مجلس الشورى والثاني هو مجلس الدولة – برغم أهميتها مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي لم تعد صالحة، خاصة مع الانتشار السريع لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
دبلوماسية وساطة.. أكثر مبادرة
التحدي الثالث هو ملف السياسية الخارجية. فمن المعروف عن سلطنة عمان أنها تبنت سياسة خارجية تتسم بالحياد طوال فترة حكم السلطان قابوس، وحافظت على علاقات متوازنة مع كل أطراف الصراع في الشرق الأوسط، إذ نسجت علاقات ودية في الآن نفسه مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتبنت علاقة متوازنة مع إيران من جهة، وكذلك مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، ما ساعدها على لعب دور فعال في المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة في عام 2015. كما تبنت علاقات متوازنة مع كل من الصين والهند وباكستان على الرغم من الصراع الحاد بين الأخيرتين، بل سمحت لكل من الهند والصين وإيران والمملكة المتحدة بالاستثمار في القطاع اللوجستي العماني بدون أي تمييز. هذه السياسة الخارجية المتزنة والبرغماتية ساعدت السلطنة على عدم التورط في الصراعات الإقليمية، على الرغم من خطورتها على الأمن القومي، فقد اتخذت موقفًا محايدًا الأزمة القطرية مع دول مجلس التعاون منذ عام 2014 بل حاولت إيجاد تسوية من خلال تبني دبلوماسية الوساطة. والواقع أن الكثير من النخب السياسية والأمنية العمانية تجد في هذه السياسة كثيرًا من الرشد وتعتبر السلطان الراحل مفكرا استراتيجيا من الطراز الرفيع كما أنها قلقة من تغير تلك السياسة الخارجية في المستقبل.
فرغم كون الموقف الرسمي العماني من الحرب في اليمن محايدا وكون مسقط قد لعبت دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة، تسهل مسقط تهريب الأسلحة الإيرانية لمساعدة الحوثيين عبر الحدود العمانية اليمنية – أو تغض الطرف عنه – الأمر الذي سبق وأثار غضب السعوديين والإماراتيين وكذلك الولايات المتحدة الاميركية. ولمن لا يعلم تعتبر عُمان كلا من الإمارات والسعودية مصدر التهديد الأساسي لأمنها الوطني والأعداء الفعليين للسلطنة، وليس إيران.
دبلوماسية الوساطة هي سياسة فرضها الأمر الواقع، وهو ضعف القوة العسكرية العمانية ومحاولة من السلطان الراحل لإظهار ما يعرف بـ “الاستثناء العماني” في أن تلعب دورًا في السياسات الدولية يتجاوز قوتها العسكرية ومكانتها الفعلية في ميزان القوى العالمي والإقليمي كدولة محبة للسلام. ولم تحدث أي متغيرات قد تعكس تخلي عمان عن لعب هذا الدور مستقبلا. ولكن ربما المأمول أن تتحول السلطنة من دور الحد الأدنى في دبلوماسية الوساطة – أي توفير مكان هادئ للقوى المتصارعة للتفاوض – إلى تقديم مبادرات قابلة للتطبيق وعرضها للتفاوض على أسسها.
دولة “الطائفية المرنة“
التحدي الرابع هو الإصلاح الإداري. فخلال العشر سنوات الأخيرة من حكم قابوس، انتشر الفساد في ربوع البلاد بشكل غير مسبوق، جعل السلطان يقيل عددا من الوزراء من مناصبهم. جزء من أسباب انتشار الفساد هو السياسة التي اتبعها السلطان الراحل في المحاصصة السياسية والإدارية على أساس عرقي وقبلي. فعمان دولة “الطائفية المرنة”، إذ تتكون من ثلاث مجموعات عرقية لا يعلم أحد حجمها في التركيبة السكانية لغياب الأرقام وهي: البلوش غير العرب والعمانيون العرب والعمانيون الأفارقة. ووفقا لتلك التركيبة، يتم التعيين في المناصب العليا والوسطى دون اعتبار لعامل الاستحقاق والكفاءة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، يتولى رئيس جامعة السلطان قابوس – وهو من العمانيين العرب – هذا المنصب لمدة تزيد على عشرين عاما، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم عمداء الكليات ورؤساء الأقسام. أما البلوش، فيهيمنون على المؤسسة العسكرية والأمنية، نظرا لثقة السلطان الراحل فيهم أكثر من المجموعات العرقية الأخرى – وهو أمر يعود لأيام حرب ظفار– وكذلك لأنهم كانوا أسبق من العرب العمانيين في الانضمام للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية. لكن الأهم هو أن هذه المحاصصة العرقية هي في طياتها محاصصة مذهبية: فالبلوش من السنة، ومعظم العمانيين العرب والأفارقة إباضيون.
تحرص السلطنة بأن تظهر وكأنها سويسرا الشرق الأوسط، أي كدولة محايدة ومحبة للسلام. وحتى لو أراد السلطان تغيير تلك السياسة فلن يجد دعما من المؤسسة العسكرية التي تدرك جيدا عدم قدرة عمان على لعب دور يتجاوز قدراتها العسكرية، ناهيك عما يتضمن ذلك من ضغوط اقتصادية لا يتحملها الاقتصاد العماني الضعيف (…)
النص كاملاً على موقع “اوريان 21”:https://orientxxi.info/magazine/article3761