ليت (أسماء) تعرف أن أباها صعد/ لم يمت/ هل يموت الذي كان يحيا/ كأن الحياة أبد/ وكأن الشراب نفد/ وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد/ عاش منتصباً، بينما ينحني القلب يبحث عما فقد (أمل دنقل).
ليت (أسماء) تعرف أن أباها صعد/ لم يمت/ هل يموت الذي كان يحيا/ كأن الحياة أبد/ وكأن الشراب نفد/ وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد/ عاش منتصباً، بينما ينحني القلب يبحث عما فقد (أمل دنقل).
لم يرد الأستاذ طلال سلمان "السفير" منبرًا حرًا فحسب، بل أراده مُتحرّرًا من قيود المألوف، خارج السرب قولاً وفعلاً. بادر وأنتج ونجح، فكانت "السفير" الصوت المُدوّي في لبنان ومنه إلى المحيط العربي.
يكاد يكون من المستحيل أن يُكتب عن الربع الأخير من القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين من دون أن تكون صحيفة "السفير" مرجعاً في طليعة المراجع التي رافقت بمهنية رفيعة وقائع وأحداث أربعة عقود من تاريخ لبنان والعرب والعالم.
في عام واحد، تودع مدينة شمسطار البقاعية ثلاثة من أعلامها الكبار في ميادين الفكر والسياسة والإعلام والأدب والتشريع على مستوى الأمة والوطن.
كثيرة هي زيارات الأستاذ طلال سلمان إلى طهران، في مرحلة ما بعد إنتصار ثورتها الإسلامية في العام 1979. وحتماً ندر أن يزور مسؤول إيراني بيروت، إلا وتكون أولى إطلالاته الإعلامية عبر منبر صحيفة "السفير" البيروتية العريقة.
لستُ ممن يدعون معرفة شخصية بالأستاذ طلال سلمان، لكنني سأكتفي بالحديث عن واقعتي اللقاء الأول بالصدفة والثاني المُدبّر عن سابق إصرار وتصميم.
إستشعر الشاعر والقائد العسكري أبو فراس الحمداني دنو الرحيل، فقال مخاطباً ابنته أن تُردّد في يوم مماته: "قولي إذا ناديتني وعييت عن رد الجواب/ زين الشباب أبو فراس لم يُمتع بالشباب".
هلْ بلغ به الأسى أقصاه، حتى يستجمع كل أحزانه، ويُغادر مُتسلِّلاً إلى تلك القصيدة التي رعى تشكلها، خلال عقود، بأوزان "فاعلين" بكل "المفاعيل" وليكون فيها تفعيلة أخرى… خالدة وفوّاحة بنسائم الأمل؟
"حبي الحياة.. حتى تحبك".. قال لي الأستاذ طلال سلمان هذه الجملة يوماً، لم أعد أتذكر السياق، لكنني أتذكر هذه الجملة كثيراً. أنا التي كانت تربطني علاقة خاصة بالكلمات، حين علمت بوفاة الاستاذ طلال، تخيل لي فجأة هذا المشهد "جعلني ألتقط الكلمات وأحبها".. وكأن الكلمات متناثرة في جميع الأرجاء وفي جميع الزوايا وساعدني هو في أن ألتقطها بين يدي، أكمشها وأحبها.
لم أكن أنتظر هذه اللحظة لأرثيَك، فأنت أبلغ مني لغة وتعبيراً. ولم يكن ينقصني هذا الحزن كي أبكي ملء عينيّ، فكثيراً ما كنت أبكي في عينيك وتبكي في عينيّ. كذلك لم أكن أنتظر هذا الموت كي أنحني، فأنا كنت أكبر فيك وأغتني بصداقتك، وآنس برفقتك، وأسعد برؤيتك وسماع آرائك.