
يُنْظَرُ إلى الدّولة في الفكر السياسيّ الحديث باعتبارها الإطار الجامع الذي ينظّم العلاقات داخل المجتمع، ويمنحها طابع الشّرعيّة والاستقرار.
يُنْظَرُ إلى الدّولة في الفكر السياسيّ الحديث باعتبارها الإطار الجامع الذي ينظّم العلاقات داخل المجتمع، ويمنحها طابع الشّرعيّة والاستقرار.
مأزِقُ السلطةِ في لبنانَ بِنيويٌ عميقٌ. عمرُ المأزِقِ مئةٌ وخمسُ سنواتٍ، منذ إعلانِ ما سُمِّيَ "دولةَ لبنانَ الكبير" في العام 1920. سلطة ٌ بلا دولة فعلية. ودولةٌ بلا هويّة. والمعادلةُ واضحةٌ في هذه الحالةِ: سلطةٌ بلا هُويةٍ. تُعاني من انفصام ٍبين خطابِها اللفظويّ وقدرتِها الفعليّة، ويصبحُ كلُّ كلامٍ عن السيادةِ فقَّاعاتٍ للاستخدامِ العابر.
في التجربة اللبنانيّة، يتجلّى نمطٌ من الممارسة السياسيّة يمكن وصفه بالطفولة السياسيّة، حيث تتحوّل السياسة إلى تكرار محفوظاتٍ وخطاباتٍ جاهزةٍ بدل أن تكون مساحةً لإبداع مشاريع تأسيسيّة أو تسويات سياسية. كثير من الفاعلين يتعاملون مع الساحة السياسيّة كمسرحٍ للأدوار الرمزيّة: يكفي أن يشغل الفرد موقعاً على الخريطة السياسيّة، حتى لو كان هامشياً، ليحسّ بفاعليةٍ رمزيّةٍ. هذا الحضور يبقى ناقصاً لأنه لا يتضمّن القدرة على المبادرة أو صياغة رؤيةٍ مؤسّساتيّةٍ جديدةٍ.
تحتل مسألة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية موقعاً محورياً في النقاش الوطني منذ ربع قرن تقريباً، وهي أبعد من أن تكون قضية أمنية أو عسكرية، بل تعكس جوهر إشكالية الدولة اللبنانية الحديثة؛ هل تستطيع أن تكون المرجع الأوحد في احتكار العنف الشرعي وقرار السلم والحرب؟ وهل تستطيع أن تنسج توازناً دقيقاً بين مقتضيات السيادة الوطنية وضمانات السلم الأهلي في مجتمع تعددي بالغ التعقيد؟
يشهد لبنان صراعات طائفية متجددة منذ منتصف القرن العشرين، استمرت برغم انتهاء الحرب الأهلية بفضل اتفاق الطائف، عام 1989. هذا الاتفاق لم ينهِ العقلية الميليشياوية، بل دمج الزعماء في مؤسسات الدولة، ما حوّل إدارة البلد إلى منظومة قائمة على المُحاصصة والولاءات الطائفية.
ينسج خطاب الرئيس نبيه بري في الذكرى الـ47 تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه حبكته من ثلاثة خيوط متداخلة: ذاكرة الجريمة المُؤسِسّة (1978)، سياسة اللحظة اللبنانية تحت ضغط الحرب والفراغ، ونقدٌ تاريخيّ لِـ"رهان البعض على الإسرائيلي" كآليةٍ انقلابية متكرّرة لإنتاج موازين قوى داخلية جديدة. وهنا لا ينطبق هذا النقد إلا على القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع.
لطالما شكّل السلاح في لبنان محورًا مركزيًا للصراع السياسي والاجتماعي منذ منتصف القرن العشرين، فوجود السلاح خارج سلطة الدولة لم يكن مجرد استثناء بل أصبح قاعدة. هذه الدينامية تُهدّد بإعادة إنتاج الانقسامات الطائفية والسياسية وفتح الطريق أمام تدخلات خارجية متكررة.
أجريتُ عشرات المقابلات في سياق عملي على انجاز أطروحة شهادة الدكتوراه اللبنانيّة في العلوم الاجتماعيّة، بعنوان "إيران والاجتماع السياسيّ الشيعيّ في لبنان - حزب الله أنموذجًا - ديناميّة العلاقة وتحوّلاتها (1979-2021م)". من أبرز هذه المقابلات تلك التي أجريتها في 5 كانون الأول/ديسمبر 2020 مع المفكر العربي الدكتور عبد الحسين شعبان، وهذا تقديمها ونصها الحرفي، وميزتها أنها تقدّم رؤى تُحاكي الراهن والمستقبل.
بعد أن تناولنا في القسم الأول مسار الصراع والتعايش بين الجماعات السُنّية والدرزية في الإطار الإقليميّ، منذ نشأة الطائفة الدرزية في ظل الدولة الفاطمية وحتى التحولات الكبرى في العصر العثماني وما تلاه، نعرض في الجزء الثاني والأخير لآليات تكيّف الجماعات المحلية مع السلطة المركزية، وتحليل أنماط الاستقرار والصراع ضمن بيئة تتسم بعدم الاستقرار. وانطلاقًا من هذا السياق، يستعرض النص نفسه تطورات العلاقة السُنيّة-الدرزية في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة.
يفتتح الدكتور نواف سلام، رئيس الحكومة راهناً، كتابه "لبنان بين الأمس واليوم"، بآيات لأنطونيو غرامشي، من "دفاتر السجن"، تنص على الآتي: "تكمن الأزمة تحديداً في أن القديم يحتضر بينما الجديد لا يستطيع أن يولد بعد. وفي فترة الالتباس هذه بين العتمة والنور، تظهر شتى أنواع الأمراض".