سوريا Archives - 180Post

800-46.jpg

لم يكن انحسار الحروب في أفغانستان والعراق وسوريا نهايةً لمرحلة من مراحل "الجهاد العالمي"، بقدر ما كان بدايةً لأكثر فصولها التباسًا وغموضًا. فبينما خمدت أصوات البنادق وسقطت مشاريع دول الخلافة، بقيت ظلال المقاتلين عالقة على خرائط مدمَّرة وجبهات فقدت معناها. آلاف المقاتلين خاضوا معارك تحت رايات دينية يجدون أنفسهم اليوم في فراغ عميق؛ عدوّهم اختفى، والراية التي منحتهم هويةً ودورًا تلاشت، تاركةً وراءها جيلًا يعيش على هامش العالم، ممزّقًا بين ذاكرة الحرب واستحالة العودة إلى الحياة المدنية.

800-42.jpg

ستحلّ، بعد نحو أسبوعين، الذكرى الأولى لسقوط سلطة بشار الأسد في سوريا وتولّي سلطة جديدة مصير البلاد. وبالطبع ستشكّل هذه المناسبة فرصةً لمراجعة حصيلة الإنجازات التي تمّت، كما النواقص والإخفاقات، من قبل السوريين أنفسهم قبل كلّ شيء، مواطنين وسلطة، ومن قبل الخارج.

750-10.jpg

أشرنا في ما سبق إلى أنّ وعيَ كثيرٍ من المسلمين في منطقتنا وحول العالم أجمع- بل لا-وعيهم بالأخصّ- لم يزل يبحث في مواضع كثيرة عن "الخليفة" الموعود (أو "العائد")، لا سيّما بعد سقوط السّلطنة العثمانيّة مطلع القرن الماضي. الوقائع المتراكمة، قد تدفع نحو طرح السّؤال الآتي: هل نجح الاستعمار الأنغلو-ساكسونيّ في بلادنا- أي، البريطانيّ-الأميركيّ تحديداً- في استغلال وضع "عقلنا العربيّ-الاسلاميّ" المُزري واقعاً، إلى حدِّ تمكُّنِه من تبؤ موقع "الخلافة الفعليّة" للمُسلمين حول العالم إلى يومنا هذا؟

800-39.jpg

في العام 2011، دخلت سوريا مرحلة تاريخية غيّرت وجهها بالكامل. بدايةً من الثورة التي انطلقت في آذار/مارس من ذلك العام، وما تبعها من نزاع دموي دفع البلاد نحو مصير لا يمكن التنبؤ به. لكن، وعلى الرغم من أن التحولات السياسية كانت بمثابة الشرارة الأولى للأزمة، إلا أن التغيير الديموغرافي كان قد بدأ بالتسلل إلى المدن السورية قبل ذلك بأعوام كثيرة، ليصبح أحد أبرز وجوه الأزمة في الوقت الحالي.

800-32.jpg

في ظلّ التحولات الإقليمية المتسارعة، ووسط تصاعد الأخطار التي تُهدّد الكيان اللبناني من الجنوب والشرق، عاد إلى الواجهة مجددًا النقاش حول موقع لبنان ودوره في الصراعات الإقليمية، سواء بأن يكون جزءاً من خطة الشرق الأوسط الجديد أو في موقع معارضتها والسعي لإسقاطها أو أن يكون ضد الإثنين معاً.

800-28.jpg

يأتي اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض، الثلاثاء المقبل، في لحظة تنخرط فيها أميركا بقوة في إعادة ترتيب الشرق الأوسط، بعد عامين من الحروب الإسرائيلية، وما أسفرت عنه من اختلال كبير في موازين القوى بالمنطقة.

801-1.jpg

في الأسابيع الأخيرة، بدا أنّ المبعوث الأميركيّ توم برّاك يرفع منسوب الضّغط على لبنان بخطابٍ مزدوجٍ يجمع بين التّشديد على «نزع سلاح حزب الله» والدّعوة إلى «إصلاحاتٍ اقتصاديّةٍ ومؤسّسيّةٍ عميقةٍ»، وبين التّحذير من أنّ «العالَم سيمضي قُدُماً إنْ لم يتحرّك لبنان سريعاً». تلك الّلهجة الحازمة في التعامل مع الملف اللبناني لم تكن مجرّد رسائل دبلوماسيّةٍ عابرةٍ، بل إعلاناً صريحاً بأنّ واشنطن «لن تبقى إلى ما لا نهاية» وأنّها «لا تطلب سوى مصافحةً متكافئةً» بين لبنان وإسرائيل تمهيداً لتسويةٍ شاملةٍ، في ترجمةٍ عمليّةٍ لطموحات رئيس الولايات المتّحدة دونالد ترامب.

ahmad.png

وقف أحمد الشرع، الرئيس السوري الانتقالي، على شرفة قصر المهاجرين في دمشق، يطل على المدينة التي لطالما شهدت حروباً. دمشق، منارة الأمويين وصرح الحكام، تتلألأ تحت ضباب الليل وأضواء الشوارع المبعثرة، محافظة على غموضها وجمالها برغم التآكل والحزن المتراكم على حجارتها. تتنفس المدينة الهواء البارد القادم من نهر بردى، ويشعر الحاكم الجديد بثقل الأيام التي حملها على ظهره. وعلى الرغم من انتصاراته، ينتابه شعور مركّب من الانتصار والفراغ والمجهول، لكأنّ دمشق تهمس له: "لقد وصلت، لكن من أنت حقًا"؟

800-29.jpg

تتشابهُ تجارِبُ اليمينِ في العالمِ معَ بعضِ التمايُز، وتتمايزُ تجارِبُ اليسـار معَ بعضِ التشابه. الأمرُ طبيعيٌ وَفقاً لِديالكتيكِ التاريخ، فالخُصوصيَّاتُ الوطنيّةُ والثقافيّةُ والاجتماعيّةُ والهُويّاتيّةُ تفرِضُ نفسَها على أيِّ قوَّةٍ يساريّةٍ تريدُ التحرُّرَ من أيِّ شكلٍ من أشكالِ الاستغلال، فتختارُ أساليبَ العملِ التي تناسِبُها، ومنْ ثَمَّ تختلِفُ التجرِبة ُاليساريَّةُ في مجتمعٍ مُعيَّنٍ عنْها في مجتمعٍ آخر. لا ضَيْرَ في ذلكَ فالفارِقُ العامُّّ بينَ التياريْنِ العالمييْنِ لا يتأثَّرُ بل يبقى واضحاً وراسخاً.

800-24.jpg

نكرّر منذ فترة غير قصيرة نسبيّاً التّنبيه إلى خطورة الاستخدام المثاليّ - بمعنى غير الواقعيّ - بل والدّوغمائيّ المتطرّف في الغالب: لمفهوم "الدّولة" (و"بناء الدّولة" بطبيعة الحال) من قبل بعض اللّبنانيّين، لا سيّما منذ بداية السّنة الجارية. وقد سبق أن أشرنا إلى أنّ "بناء الدّولة" تحديداً بات يُستخدم أكثر فأكثر من قبل الجهات الاستعماريّة المتجدّدة في لبنان وفي المنطقة، بهدف تغطية السّياسات الاستغلاليّة والاستبداديّة والاحتلاليّة لهذه الجهات... والهادفة طبعاً إلى حماية مشروعها المركزيّ "إسرائيل"، ربّما قبل أيّ شيء أو أيّ جهة أخرى في هذه البقعة من الأرض. ويبدو أنّ الـShow مستمرّ ليس فقط على لسان توم برّاك، بل أيضاً وللأسف، على لسان كثير من مسؤولينا وسياسيّينا وناشطينا الحاليّين... عن حسن أو عن سوء نيّة (والله أعلم بباطن النّفوس).