عندما قرّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية، إنما قرّر أن ينظر فقط إلى الساحة الداخلية، لينقلب السحر على الساحر. نعم، انقلبت السياسة الداخلية رأساً على عقب ولكن ليس لمصلحة الأكثرية التي كانت تلتف حول ماكرون.
عندما قرّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية، إنما قرّر أن ينظر فقط إلى الساحة الداخلية، لينقلب السحر على الساحر. نعم، انقلبت السياسة الداخلية رأساً على عقب ولكن ليس لمصلحة الأكثرية التي كانت تلتف حول ماكرون.
هنيئاً لفرنسا هذا الخراب السياسي. عاصمة "الحرية والمساواة والعدالة" تتراجع وتترهَّل. قريباً، تقترب من العالم الثالث. مبادئ الثورة الفرنسية، لم تعد صالحة لدولة رهنت وجودها، إلى قيم رائعة، ومارست بكل فصاحة، القتل، الاستعمار، الاستبداد والتمييز. كانت فرنسا الثورة، أمثولة تحتذى. حرام. أشفقوا عليها. ساعدوها كي لا تتطرف في عنصريتها وتفوقها اللاأخلاقي. صورة فرنسا الحريات، تهلهلت. من سرّع هذه الإنعطافة هو جلالة "الأمير الصغير" إيمانويل ماكرون وحاشيته المبتذلة.
تشهد فرنسا بعد أيام قليلة انتخابات مهمة جداً. السؤال لمن يُصوّت اللبنانيون المجنسون وهم يشكلون جالية لا بأس بها؟ وهل يُسقطون خلافاتهم الموروثة من لبنان على هذه الانتخابات؟
لا شكّ أنّ الحريّات، الفردية والجماعية، قيمة إنسانيّة سامية. إنّها طموح جميع المجتمعات البشريّة بمعنى ألاّ يستبدّ أحداً بقرارات وخيارات هذه المجتمعات. ولا تنحصر الديموقراطية فقط بإجراء انتخابات "حرّة"، بل هي أوّلاً وأساساً صون هذه الحريّات.
كيف يبدو المشهد السياسي الداخلي في فرنسا، قبل أقل من أسبوعين على موعد الدورة الأولى للانتخابات النيابية المبكرة المُقررة يوم الأحد في 30 حزيران/يونيو الحالي؟
تصعيدٌ يُقابله تصعيد. تلك سمة الحرب الروسية-الأوكرانية التي تمر بعامها الثالث. اتفاق أمني أميركي-أوكراني يضع رجلاً لكييف في حلف شمال الأطلسي، يدفع روسيا وكوبا إلى التذكير بأزمة 1962 وإيحاءاتها النووية. تعاون عسكري بين اليابان وأوكرانيا يستعجل قدوم فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية التي لا تكلّ عن اجراء تجاربها الصاروخية، غير بعيد عن أجواء طوكيو، التي تنبعث نزعتها العسكرية بعد عقود من الرقاد.
فضح العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إفلات إسرائيل التام من العقاب ودعم غالبية القوى الغربية غير المشروط لإسرائيل. وفي فرنسا، ساهمت تلك الحرب في تحفيز الخطاب الذي يروّج للصدام الحضاري مع “البرابرة”، وهي السردية التي يردّ عليها آلان غريش في كتابه الأخير “فلسطين، شعب يأبى أن يموت”، الذي صدر في فرنسا في 2 مايو/أيار
في شهر يناير/كانون الثاني 2024، وخلال مظاهرة احتجاج أمام مبنى البوندستاغ - البرلمان الألماني، جرى رفع أكثر من لافتة كتبت عليها شعارات صريحة تعارض اليمين المتطرف وتطالب بحظر الأحزاب التي تسعى إلى "تقويض أو إلغاء النظام الأساسي الديموقراطي الحر"، كما ينص الدستور الألماني بوضوح.
حقوق الإنسان، الإتحاد الأوروبي القوي، استقلالية وسائل الإعلام، دور المعارضة؛ أسس أربعة للأنظمة الديموقراطية، حدّدها رؤساء كل من ألمانيا والنمسا وإيطاليا في مقالة مشتركة لهم في صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية، في شهر أيار/مايو المنصرم.
ماذا بعد صدور نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا والهزيمة المُرّة والمُدويّة التي مُني بها الرئيس ايمانويل ماكرون من خلال خسارة وتراجع لائحة حزبه "النهضة" أمام التقدم والفوز غير المسبوق للائحة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف؟ وما هي أبعاد إقدام ماكرون على حل الجمعية الوطنية الفرنسية والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة في 30 حزيران/يونيو الحالي و7 تموز/يوليو المقبل؟