المزاج الأوروبي يتحول.. هل ينجح مؤتمر “حل الدولتين”؟

نحو 20 شهراً على حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، حتى استفاق قادة أوروبيون للتنديد بحرب التجويع الممنهجة ضد سكان القطاع وأهله.

صرّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ حوالي الأسبوع أن باريس قد تُشدّد موقفها من إسرائيل إذا واصلت الأخيرة منع المساعدات الإنسانية عن غزة، مؤكداً أن بلاده ملتزمة بحل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. هذا الموقف الفرنسي العالي النبرة، قابله تهديد إسرائيلي علني إذ قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إنّ ماكرون يشنُّ “حرباً صليبية على الدولة اليهودية”، وأضاف البيان أنه لا يوجد “حصار إنساني على غزة”، واصفةً ادعاءات فرنسا بالكذب الفاضح.

بدورها، أعلنت الحكومة البريطانية تجميد محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل، في العشرين من أيار/مايو الماضي، وذلك احتجاجاً على استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية. إضافةً إلى ذلك، استدعت بريطانيا السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي هاتوفيلي، رداً على تكثيف إسرائيل غاراتها على المدنيين في غزة.

في السياق ذاته، انتقدت ألمانيا الوحشية الإسرائيلية المتمادية عبر تصريح للمستشار فريدريش ميرتس، قال فيها إنّ الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة “لم تعد مبررة” (27 أيار/مايو) في أقسى انتقاد يُوجّهه مسؤول أوروبي بهذا المستوى إلى إسرائيل، وبخاصةً أن ثمة علاقات وثيقة تاريخياً بين تل أبيب وبرلين.

هذه التصريحات – وإن بدت للكثيرين بأنها صحوة أخلاقية متأخرة – إلا أنها تعكس حقيقة تنامي رأي عام أوروبي على خلفية سلوك إسرائيل ومنعها ادخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من آذار/مارس الماضي. وكان من نتائج هذا الحصار ازدياد عدد الأطفال الذين يموتون بسبب الجوع وقلّة التغذية. ومن الجلي أن تدفق الصور المؤلمة من القطاع المحاصر، في زمن السوشيل ميديا، ربما يكون له أبلغ تأثير في مسار تشكل هذا الرأي العام الأوروبي المناهض لإسرائيل في العديد من العواصم الأوروبية في الأشهر الماضية.

وأفاد أحدث استطلاع للرأي العام في ألمانيا أجرته مؤسسة “سيفي”، أن 51% من الألمان يعارضون تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويقول استطلاع آخر لمؤسسة بيرتلسمان إنّ 36% فقط من الألمان ينظرون إلى إسرائيل بإيجابية، و38% ينظرون إليها بسلبية. وبالمقارنة مع استبيان سابق عام 2021، يتبين أن 46% من المواطنين الألمان كانوا قبل أربع سنوات يُكوّنون رأياً إيجابياً حيال إسرائيل. وبغض النظر عما إذا كانت هذه المواقف الأوروبية صحوة ضمير متأخرة، إلا أنها تعود بفائدة على النضال الوطني الفلسطيني، الساعي إلى إنهاء حرب الإبادة.

مجموعة الأزمات الدولية: أوروبا وبرغم كونها ليست صاحبة التأثير الحاسم المنفرد على القرار الإسرائيلي، فإن مواقفها الأخيرة تفتح الباب أمام تحولات جوهرية في العلاقات مع إسرائيل، وتمنح المجتمع الدولي خيارات ضغط إضافية قد تسهم في وقف الحرب أو الحد من تداعياتها الإنسانية والسياسية، شريطة أن تقترن الأقوال بالأفعال

مؤتمر دولي بعنوان “حل الدولتين”

ضمن هذه الأجواء، تعمل فرنسا بالتنسيق الوثيق مع السعودية لإقامة مؤتمر دولي من شأنه أن يُشجّع على الاعتراف “بدولة فلسطينية من قبل الدول وبضمانات لكلا الطرفين”، ومن المفترض أن يعقد هذا المؤتمر في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، بين 17 و20 حزيران/يونيو الجاري. ومن دون أدنى شك، ثمة دوافع عديدة قد تكون وراء مبادرة فرنسا هذه ويأتي في طليعتها استشعار الخطر على مصالحها في الشرق الأوسط؛ فالحكومة الفرنسية، وبسبب اخفاقاتها في لبنان وسوريا وليبيا والجزائر ودول إفريقية أخرى، قد تكون وجدت أنّ مفتاح الحلّ في الشرق الأوسط، يمر عبر حل واحدة من أكثر المسائل الحاحاً وهي القضية الفلسطينية. ولهذا السبب أرادت فرنسا إشراك السعودية، لما لهذه الأخيرة، من مكانة رمزية في العالمين العربي والإسلامي.

وبغض النظر عن مخرجات المؤتمر، فإن مجرد انعقاده تحت عنوان “إقامة دولة فلسطينية” قد استفزّ عتاة اليمين الديني المتشدد في إسرائيل واللوبيات اليهودية في أوروبا ولا سيما فرنسا. هذا مع العلم أنّ رؤية فرنسا للدولة الفلسطينية المرجوة لا تختلف كثيراً عن الرؤية الأميركية، أي دولة منزوعة السلاح، بلا سيادة حقيقية على أرضها. بكلام آخر، نفس هيكل السلطة الفلسطينية الموجود حالياً، ولكن بتسمية “دولة”.. أو في أحسن الأحوال، إقامة الدولة على ما تبقى من 22% من مساحة فلسطين. أكتب عبارة “ما تبقى” هنا لأن إسرائيل أعادت سيطرتها على أجزاء واسعة في قطاع غزة قد تصل إلى أكثر من 70% إذا مضت في تنفيذ خطتها المسماة “عربات جدعون”، وها هي تستمر بتهويد القدس والمسجد الأقصى وقضم أراضي الضفة الغربية، واقامة عشرات المستوطنات هناك، إضافةً إلى تخريب البنى التحتية للمناطق والمخيمات الواقعة تحت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، بموجب اتفاق أوسلو، كي تصبح مثل غرة: أرض لا يمكن العيش فيها.

إنّ انزياح بعض المواقف الأوروبية عن دعم إسرائيل بالمطلق (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، وان كان متأخراً، إلا أنه يفيد في دعم الحقوق العربية والفلسطينية. غير أنّ المخزي في هذا المجال ألا يلاقي الطرف الرسمي العربي هذا التطور في الموقف الأوروبي بالاحتضان سياسياً. فبينما تسير أوروبا على طور انفكاك جزئي عن إسرائيل، نرى الدول العربية تتسابق في ما بينها، لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في تطبيق صارخ للمثل الشعبي الشائع: “الله يطعمك حجّة.. والناس راجعة”.

إقرأ على موقع 180  يا وَجعي علينا.. مَن يحكُم لبنان؟

تغير المزاج الأوروبي

لم يأتِ هذا المناخ الأوروبي المتدحرج من من فراغ، بل استجابةً لمسيرة طويلة من تضحيات الشعب الفلسطيني، وصموده لا سيما في العشرين شهراً الأخيرة، من حرب الإبادة الجماعية على غزة.

ويُشير التحليل الأخير الصادر عن “مجموعة الأزمات الدولية” (كرايسيس غروب) للموقف الأوروبي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى أن أوروبا وبرغم كونها ليست صاحبة التأثير الحاسم المنفرد على القرار الإسرائيلي، فإن مواقفها الأخيرة تفتح الباب أمام تحولات جوهرية في العلاقات مع إسرائيل، وتمنح المجتمع الدولي خيارات ضغط إضافية قد تسهم في وقف الحرب أو الحد من تداعياتها الإنسانية والسياسية، شريطة أن تقترن الأقوال بالأفعال والإجراءات الملموسة على الأرض.

وتقول “مجموعة الأزمات الدولية” في تقريرها إن دولاً مثل فرنسا وهولندا والسويد وبريطانيا انضمت مؤخراً إلى بلدان أخرى كإسبانيا وإيرلندا والنروج في تبني الدعوة العلنية لوقف الحرب، في حين بدأت ألمانيا – التي طالما اتسم موقفها بدعم قوي لإسرائيل – تُعبّر عن قلق متزايد. وامتدت التحولات إلى إيطاليا والنمسا، حيث وجه قادتهما رسائل مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعكس تغيراً في المزاج الأوروبي العام.

حتماً لا تبالي إسرائيل بمواقف الدول الصغيرة ضمن المجموعة الأوروبية (27 دولة) حيال سلوكها، بقدر ما يهمها موقف الثلاثي بريطانيا وفرنسا وألمانيا لما لهذه الدول من إرث حضاري وقوة اقتصادية ومكانة سياسية ورمزية تاريخية.

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  يديعوت أحرونوت: هذه تفاصيل المقترحات الأميركية الأخيرة