السودانُ سوريا الثانية. المشروعُ هناكَ هو إسقاطُ الدولةِ والمجتمعِ. تماماً مثلما حصَلَ في سوريا إذْ أُسْقِطَتْ سوريا كلـُّها بشعارِ إسقاطِ بشار الأسد، ووراءَ سوريا تتسارعُ مشاريعُ إسقاطِ لبنان وكلِّ بلادِ الشام والرافديْن.
السودانُ سوريا الثانية. المشروعُ هناكَ هو إسقاطُ الدولةِ والمجتمعِ. تماماً مثلما حصَلَ في سوريا إذْ أُسْقِطَتْ سوريا كلـُّها بشعارِ إسقاطِ بشار الأسد، ووراءَ سوريا تتسارعُ مشاريعُ إسقاطِ لبنان وكلِّ بلادِ الشام والرافديْن.
يشهد السودان تصعيداً خطيراً في الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات، والوضع مرشحٌ لأن يزداد سوءاً ما لم تمارس واشنطن ضغوطاً جدّية ومباشرة على القوى الإقليمية التي تدعم طرفي الصراع من أجل العمل على وقف الاقتتال والقتل والمذابح وانهاء المجاعة، بحسب تقرير أليكس دي وال (*) في "فورين أفيرز".
الممارسات والفظائع التي ترتكبها يومياً "قوات الدعم السريع" المتمردة بحق المواطن السوداني الأعزل تكشف بوضوح أجندة هؤلاء الشراذم الخارجين على سلطة القانون وتكشف للمتابعين بحياد وللمجتمع الدولي خفايا هذه الحرب اللعينة التي يدور مسرحها في السودان وسط صمت دولي وإقليمي مريع لا يفوقه ترويعاً إلا ما يفعله المتمردون ضد المواطن البسيط، ضرباً وتنكيلاً وتهجيراً واقتلاعاً للحقوق والممتلكات.
شهدت الحركة الإسلامية وتنظيماتها السياسية في السودان العديد من الانشقاقات والمسميات منذ تكوينها الباكر في عهد الرشيد طاهر بكر وعلي طالب الله إلى عهد الدكتور حسن الترابي وقيادته للحركة الاسلامية عبر "جبهة الميثاق"، واستقلالها عن تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا وسيد قطب؛ إلى أن تقوقعت الحركة الإسلامية حول نفسها تحت لافتة "الجبهة الإسلامية القومية" استعداداً للانقضاض على الحكومة في عهد الصادق المهدي وهو ما حدث في الثلاثين من يونيو/حزيران 1989.
ما يصنع المسافة الكبيرة بين أطروحات الدكتور الوليد آدم موسى مادبو، المهندس والفقيه والأكاديمي والمثقف الرفيع، وبين صداها المرتبك في الشارع الثقافي والفكري والسياسي السوداني، أنه يُطل على القضايا التي يتناولها من مكان عالٍ يعجز معه من يوافقونه أو يخالفونه الرأي، في القدرة على النظر إلى التفاصيل التي يحشدها على طاولة البحث والتشريح قبل أن يصل إلى خلاصات مُبهرة أو مُذهلة أو صادمة في كثير من الأحيان.
لم يغادر السودان والكثير من بلدان العالم الثالث حقبة الخمسينيات والستينيات الماضية، وتقبع في الذاكرة التاريخية طائفة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها منذ استقلالها في العام 1956.
ليس أسهل لفهم وتفكيك وقائع ومستقبل الحياة السياسية في السودان وتحولاتها من النظر في التأريخ السياسي لمصر، وليس، في هذا السياق، أيسر من القول بأن الكثير من مظاهر الحياة في السودان انعكاس - يتواصل أو يتقطع - للحياة في الجارة الشمالية الكبرى، وإن بدا في بعض الأحيان مكرراً بصورة تبعث على السأم، وفي البعض الآخر مشوشاً يبعث على الضجر!