
ليس ثمة نصر مطلق أو هزيمة مطلقة. ما حدث في غزة ولبنان يكفي لأن يصنع تاريخًا مُشرًفًا لصمود قلّة قليلة في مواجهة التغول والتوحش الإسرائيلي.
ليس ثمة نصر مطلق أو هزيمة مطلقة. ما حدث في غزة ولبنان يكفي لأن يصنع تاريخًا مُشرًفًا لصمود قلّة قليلة في مواجهة التغول والتوحش الإسرائيلي.
عندما ينفصل الوعي عن التاريخ وتبتعد الذات عن إدراك الواقع لدى الجماعات التي أسّست ايديولوجيتها على المظلومية، وبنت كيانها السياسي على فرضية أنها موضع الحرمان والتهميش، وأقصت نفسها عن الاندماج فيمن حولها، ولم يعد لها نصير إلا نفسها، وتعزل نفسها عن محيطها بادعاء التفوق الأخلاقي، وتدعي النصر حقيقةً أو وهماً، فإن أمارة أخرى غير المظلومية تصير جوهر وجودها، ويصير التاريخ عدواً لها، والبشرية مُنكرةً من قبلها.
إذا قُلتَ اليومَ إنّ النّقدَ الذّاتيَّ واجبٌ في هذا التّوقيت بالتّحديد، فأنت مُحقٌّ طبعاً. ولكن، أين يبدأ الخطأ وأين تبدأ الخطورة؟ يبدآن برأيي عند حدود الدّخول المُباشر أو غير المُباشر في عمليّة: الخطاب التّراجعيّ-الانهزاميّ، أي الخطاب الذي يعمل عليه العدوُّ ليلَ نهار مع حلفائه المباشَرين وغير المباشَرين حول العالم وفي المنطقة.
يُحدّد المرء هويته بالآخر (هو)، أي بالعلاقة به. مجموع العلاقات بين الآخرين هو المجتمع. الإطار الناظم للمجتمع هو الدولة. لا شرط على الدولة، فهي شرط لما عداها، كأن تكون قوية أو عادلة أو غير ذلك. لا تستقيم الهوية إلا بالدولة، وتحديداً الدولة الحديثة. فما قبل الحداثة لم يكن لهذا البحث صلة.
يتنابذ إعلاميون/ ناشطون/ أحزاب، وأكاد أقول كل الناس بوصف ما حدث لطرفي الصراع (حزب الله وإسرائيل) بعد وقف اطلاق النار: إنتصار أم هزيمة، الأمر الذي يُستعاد معه الإطلاق السائد في أحكامنا، فما معنى الإنتصار أو الهزيمة؛ الربح أو الخسارة في السياسة واستتباعاً في الحرب، سواء أكانت امتداداً لها حسب كلاوزفيتز أو العكس، حسب فوكو؟
النصر، كما هو شائع لدى كثير من نخب النظام الذي يشكّل الوعي في المجال العربي، ليس تغلباً على قوى العدو وكسر إرادته؛ بل هو تصور عن العدو وعنا يكون فيه العدو فاشلاً في تحقيق "مخططاته"، حتى لو بقي متفوقاً علينا.
يتحدث فرانسيس فوكوياما، صاحب مقولة "نهاية التاريخ" الشهيرة، عن "ميل العرب لخداع الذات"، وثمة من عَدَّ العربَ "ظاهرة صوتية"، و"ظاهرة بيولوجية"، ومؤخراً "ظاهرة مهاجرة".
سجل أنا عربي، هكذا قال محمود درويش... وتخجل العروبة من عروبتنا، هكذا قال نزار قباني.
تحية للمقاومة في لبنان. فعلت ما لم يستطيع فعله نظام عربي. لقد أثبتت الجيوش العربية في ما بعد أنها تجيد محاربة شعوبها وقمعها. لكنها لا تجيد قتال العدو الاسرائيلي. حتى في عام 1973، كاد النصر يتحوّل الى هزيمة.