الهوية Archives - 180Post

arabi.jpg

العروبةُ ليست هويتنا. العروبةُ هي وجودنا. كل فرد أو مجتمع متعدد الهويات، لكن وجودنا واحدٌ؛ وإن لم يتبلوّر في وحدة سياسية؛ وهي لا بدّ آتية. وما تُسمى الوحدة الشعبية، أو وحدة الشعوب، ليست مطلباً لأنها متحققةٌ فعلاً، كما ثبت في ثورة 2011 العربية، حين كان نبض القلب والضمير لكل عربي واحداً.

9090998987877665654545.jpg

في بداية القرن العشرين، ظنّ لينين أن الإمبريالية ستكون أعلى مراحل الرأسمالية وآخرها. غاب عن باله أن الرأسمالية تعيش في توسّع دائم، وأن هذا التوسّع بما يُسمى العولمة هو المرحلة الأخيرة التي ربما تبعتها مراحل أخرى.

arsa.jpg

كل علاقة بين الفرد والدولة خارج إطار المواطنة هي مما يدعو إلى الخجل، كذلك كل حديث عن الطوائف وحقوق كل منها وما يسمى مظلومية الأقليات. لكن المدهش هو أنه كلما جاء وفد من الديبلوماسيين إلى بلادنا، وبخاصة إلى سوريا في هذه الأيام، فهو يعزف على وتيرة الأقليات وحمايتها. كأن المجتمع لا يتشكّل إلا من طوائف لكل منها هوية. لكأنهم يريدون التأسيس على الهويات لا على المواطنة، وعلى التحليل الهوياتي لا الطبقي.

1906UP2.jpg

الهوية نقيضة الإرادة. الأولى؛ تعتمد على العلاقة مع الآخر وليس على الذات وحدها بل على كل الظروف الموضوعية. الثانية؛ تنبع من الذات وتفيض إلى الخارج، على أن الإرادة التي لا تأخذ هذه الظروف الموضوعية بالاعتبار تبالغ في اعتبار نفسها ولا تسلم من الخلل. لكن المهم في الأمر أن الإرادة ذات اتجاه ثابت بينما الهوية باتجاهين من وإلى الذات.

slider-1.jpg

يُحدّد المرء هويته بالآخر (هو)، أي بالعلاقة به. مجموع العلاقات بين الآخرين هو المجتمع. الإطار الناظم للمجتمع هو الدولة. لا شرط على الدولة، فهي شرط لما عداها، كأن تكون قوية أو عادلة أو غير ذلك. لا تستقيم الهوية إلا بالدولة، وتحديداً الدولة الحديثة. فما قبل الحداثة لم يكن لهذا البحث صلة.

Los-libros-del-pasado_0.jpg

التكنولوجيا علاقة الإنسان بالأشياء؛ الهوية علاقة الإنسان بالآخر البشري. تستند التكنولوجيا على العلم الحديث الذي يُقدّم لنا أسباب ما يحدث ويُعلّل حدوثه، ويُقدّم لنا تفسير ما يحدث في الطبيعة والمجتمع. وتستنند الهوية إلى علاقات البشر بين بعضهم البعض. فهي قبل كل شيء أمر من أمور السياسة. لكن الإنسان يتوهم أن الهوية معطاة وحسب، فلا خيار له فيها.

sllider.jpg

كلُ إنسانٍ متعدّد الهويات، سواء ما يتعلّق منها بالانتماء الإثني، القومي، المهني (مهندس، عامل، عاطل عن العمل، إلخ..)، العائلي، العشائري، إلخ.. وفي كلِّ هوية يتخذ لقباً؛ كما تتعدّد الألقاب زمنياً. يُمكن أن يكون موظفاً، مُدرّساً ثم مُديراً، أحياناً فقيراً يُنادَى بإسمه، ويتدرّج إلى الغنى والثروة، فيسعى لاكتساب ألقاب جديدة، أو يُكنى بغير ما أعتيد عليه. والألقاب نعوت يُقصد بها الدلالة، التفخيم، وأحياناً التصغير.

rami.png

في إطار مادة المجتمع اللبناني التي أُدرّسها في الجامعة اللبنانية، تعمدتُ هذه السنة أن أطرح موضوع هوية لبنان. وبرغم وضوح مقدمة دستور ما بعد اتفاق الطائف التي نصّت على أن "لبنان عربي الهوية والانتماء"، إلا أننا نسمع من حينٍ إلى آخر آراءً تقول بغير ذلك.

94131e168785c2781cd869923f4ecad9.jpg

هل أهملنا المساعي نحو بناء الدّولة في العالم العربي؟ هل ارتدّينا إلى أفكار شبيهة بالأفكار الشّموليّة المؤّسسة للكثير من الاستلابات والمظالم؟ هل نحن نعيش ارتكاسةً حقيقيّة في الوعي العام بعد الأحداث التي وقعت في غزّة، أم أنّ الحدث الغزّاويّ أعاد تشكيل الأولويّات وفحص السّرديّات بالشّكل الذي زعزع البنى "الحداثويّة"، ويكاد يعيد للبنى التّقليديّة دورها وفعاليّتها، أم أنّ مبنىً ثالثاً أخذ يشقّ طريقه؟